لا يشك أحدا من خلال ملاحظة اولى للسعار الإعلامي بوجود ظاهرة لافتة للإنتباه، وتستدعي الوقوف عندها، وإن كانت هذه الظاهرة ليست وليدة اللحظة بل رأيناها بشكل كبير وواسع النطاق في أيام الانتخابات المحلية، فمن يجد المتبارزين في خضم الصراع الجاري يجد إن قيادات حزب الدعوة الأساسية بما فيهم السيد رئيس الوزراء نوري المالكي قد تصدت بشكل أقرب إلى الهستيري في محاولة الصاق تهمة مصرف الزوية بالدكتور عادل عبد المهدي وبالمجلس الأعلى، ليحققوا اصطفافاً مع جوقة الاعلام البعثي المسعور، وما نأمله ان لا يكون هذا الاصطفاف مقصوداً رغم تكرره في أيام الانتخابات المحلية، إذ إن طعنة مثل هذه الاصطفافات لها ارتدادات عكسية واضحة، فالبعثيون راكبي اكتاف وموجات، وما نخشاه ليس على حزب الدعوة فقط وإنما على كل الساحة من طبيعة هذه الارتدادات التي لن ترحم احداً.
فمن الملاحظ جداً ان الجهة السياسية الوحيدة التي دخلت في سعار الحملة الحالية ضد المجلس الأعلى كانت هي قيادات حزب الدعوة الأساسية فالمالكي وعلي الأديب وحيدر العبادي وسامي العسكري وعلي العلاق وقناة آفاق فضلاً عن الجريدة الرسمية للحزب هم أبطالا في هذا السعار، ولا ادري هل انزلقوا عن عمد؟ أم انزلقوا دونما إحساس بهذا الكيد؟ وأحسب أن من طالع التصريحات المنسوبة للمالكي يوم أمس على قناة الحرة يجد ـ كما وجدتها ـ رغبة مشددة لدى المالكي بإبقاء ملف الزوية السياسي مفتوحاً ضد الدكتور عادل عبد المهدي، بل لعلي لا أفارق الحقيقة لو قلت إن هناك استماتة من قبل علي الأديب لتمرير هذه القضايا على الجماهير ففي تصريحه على سوا يتحدث الأخ الأديب بمنطقين متناقضين تماماً، فمن جهة يقول بأن الكاتب الذي كتب عن أكذوبة البطانيات بأنه لا بد له من ادلة ووثائق، ومن جهة اخرى يستغرب حصول الشيخ الصغير على معلومات في شأن قضية المصرف، فالبرلماني كالشيخ الصغير يستغرب من حصوله على معلومات في قضية يراد له ان يذبح خطه السياسي بها بكل صورة حتى لو كانت على طريقة (عنزة وإن طارت)؟ والصحفي المصطف في الاتجاه الآخر يؤكد حتمية حصوله على معلومات ووثائق مع إننا نعرف وهو يعرف (بالتحديد) في أي مصنع صنعت هذه الأكذوبة!!.
وهنا لا أريد أن اعيد ما قيل في قضية المصرف فلقد أوضح الشيخ الصغير ما فيه كفاية لمستزيد، ولكن من واجبي ان اهتف في آذان الدعاة (وانا داعية قديم): قفوا فامامكم نقطة توقف كبيرة وأنتم لا تبصرونها، خاصة وانه ما عادت خفية جهود ياسين مجيد والسيد علي الموسوي المسؤولان عن إعلام السيد رئيس الوزراء وهي تستحث الاعلاميين في أن يدلوا بدلوهم في البئر الذي حفروه بزعمهم للدكتور عادل عبد المهدي وللمجلس الأعلى!! وهذه القصص تلاك بكثرة في الوسط الاعلامي ولا يوجد صحفي واحد ذو بال لايتحدث بها بحيث عادت من المتواترات.
نقطة التوقف هذه مبعثها ملاحظة طبيعة الاصطفافات الحالية، فكل القوى السياسية الأساسية عبرت عن رفض هذا الاسلوب، ووحده حزب الدعوة وبعض خطباء حزب الفضيلة يقفون في صف مملوء بالبعثيين والاخطبوط الإعلامي المتأمرك الذي يقوده فلان وفلان من الحرة وسوا والسومرية والعراقية ويديره من امريكا فلان وفلان؟!
وقد لا تشغلني كثيراً سجالات الدعوة مع المجلس الأعلى ولم ندخل بها في غالبية الأحيان، ولكن أن اجد الدعوة مصطفة بإرادة ومن دونها مع حزب البعث واخطبوطه الإعلامي فهذا ما يفزع ويشير إلى أخلاقيات من المؤلم وصفها والتحدث عنها، ولهذا فإن املي أن يفتح الدعاة أعينهم تجاه ما قد يعتبروه غنيمة انتخابية، فليس كل ما يحصل هو بالضرورة غنيمة، والكرسي الذي سيق للمالكي يوماً وهو لم يحسب له حساباً سيطير في نفس هذا اليوم وبموعد آخر، وستجدون انفسكم وحيدون لا يثق بأداءاتكم احداً، وهاهي اجندتكم اليوم توضح لكم إنكم لم تحسنوا استغلال تحالفاتكم من اجل تعزيزها بل كنتم إقصائيون إلى أبعد الحدود ضد حلفائكم قبل غيرهم، وهذه قد تنجح مرة ومرتين ولكن لا يمكن أن تستمر إلى الأبد.
ولو أردت الانسياق وراء هذه القصة لوجدت انكم فعلا لوحدكم ما عدا قليل من رؤساء عشائر أغرقتموهم بالمال وسيأتي حتماً من سيغرقهم بمال أكثر ، فالصدريون الذي أصعدوكم على اكتافهم وأصواتهم إلى كرسي الحكم تجربتكم معهم واضحة، والمجلسيون الذي حموكم في وقت عزّ فيه الناصر تجربتكم معهم واضحة، والأكراد الذين آزروكم في محنة اسقاط الحكومة كان موقفكم معهم واضح، والحزب الإسلامي الذي اصطف معكم لبرهة كان موقفكم منه واضح، وهكذا بقية الفرقاء ولا أريد أن أذكر ما فعلتم بالدكتور الجعفري وغيره، وهنا لا أريد أن اقول أن أعمالكم ضد هؤلاء جميعاً هي بالضرورة خاطئة؟ كما ولا أقول أنها كانت صحيحة، ولكن نتيجتها العملية واضحة جداً، فالجبهة التي لا تثق بكم ولا تأتمن على اقوالكم واسعة بوسع القوى السياسية الرئيسية في الساحة، ولا يبقى لكم إلا أمثال صالح المطلك وخلف العليان وأبو عزام وظافر العاني ونظرائهم، وما من عيب لو تمت مراجعة سريعة لتسألوا أنفسكم عن حزب الشهداء ماذا ورّث لكم؟ وكيف بررتم بمن سلّمكم هذا الحزب؟
كونوا واثقين إن التباكي والولولة وأفكار المؤامرة والتأمر التي تعتمدونها قد تنفع لبرهة من الوقت ولكنها لن تبني لكم عزاً، وستتوضح الأمور وستأتي الأيام بمزيد من الأحداث وستحشرون في زوايا لا يتمناها لكم عدو، فخذوا للأمر عدته فالأيام دواليب وكل يوم حادثه متصل بما قبله، وليست الأيام منقطعة عن بعضها واتعظوا من من القرآن الكريم: وتلك الأيام نداولها بين الناس.
فالتاريخ بالنسبة للإسلاميين ليس لحظة مجد لقائد؟ بل هو امتداد تسجل فيه المعايير الأخلاقية والقيم المستخدمة في ساحات الصراع والمواقف إنما تحسب وفق معايير الحق والباطل وليس على أساس الربح والخسارة، وستزول الأسماء والكراسي (طوّل الله امدها لكم) ولكن لا تحسبن الله غافلاً عما تعملون فاتقوا الله في حزبكم وفي شعبكم وسلوا انفسكم إلى أين تذهبون؟
محسن علي الجابري
النجف الأشرف ـ ثلمة العمارة
https://telegram.me/buratha