كنت اتابع يوم أمس تصريح سماحة الشيخ الصغير على العراقية والذي حمّل فيه وزير الداخلية المسؤولية الكاملة عن تسييس موضوع قضية مصرف الزوية، فهجمت علي مجموعة من الأفكار نتيجة تجربتي في مجالات الصراع السياسي، فهمست في إذن صاحبي ماذا لو كانت وزارة الداخلية بل ووزيرها ضحية إبتزاز سياسي؟ فحملق في وجهي ممتعضا؟ ماذا تقول سيدنا؟ كررت القول عليه فقال: أنت الذي تقول ذلك وأنت الذي سببتك وزارة الداخلية بالاسم في بيانها؟ قلت له: قد اكون أنا ضحية وقد تكون هي ضحية أيضا لابتزاز أكبر، ومسؤوليتنا أن نصل إلى الحقيقة.
فقال لي متهكماً: دعنا نرى ماذا لدى أبو المفهومية لكي يقول مثل ذلك فالوزير هو الذي سيّس الموضوع وتصريحه معلن فكيف تكون ضحية؟
فقلت له: انا ألمس أكثر من أمر غير طبيعي، وطبيعتي أراقب فيها ما خلف سطور القضايا لأني اعرف أن السطور لا تلبي نهم الصحفي.
قال: وما فيه غير طبيعي؟
قلت: أولا التناقض بين تصريحات الوزير وبين عبد الكريم خلف، فالوزير تحدث عن الجانب السياسي، وخلف نفى ذلك تماماً علما إن التحقيقات تحت يدي خلف، والمعطيات الفنية التي لديه أوضح من المعطيات التي لدى الوزير، ومثل هذا التناقض إما ان يكون مورد اتفاق بين الطرفين بحيث إن الوزير مضغوط عليه تاركاً المجال لخلف أن يصرّح بهذا الأمر، علما إن تصريحات الوزير مقتضبة، وإما أن يكون الأمر فيه تسرع من الوزير لأغراض مختلفة وهو سياسي بالضرورة فالموقع الوزاري سياسي، بينما تصريح الفني في الوزارة اختلف، ولا يعقل أن يتناقض الموقف بين الاثنين.
وثانياً: أعتدنا في المسائل المهمة وحتماً قضية الزوية منها أن يتعدد المتحدثين من الداخلية وعمليات بغداد ويحاول الكثير من رجالاتهما أن يوجدوا لأنفسهم حصة من الاعلام والموضوع، ولكن نجد إن القضية هذه المرة اقترنت بوجل كبير بحيث أن المتحدثين وهم متناقضين لم يتجاوزوا الوزير وخلف والدائرة الاعلامية في وزارة الداخلية وهو أمر هو الآخر غريب.
وثالثاً: إن التلميحات للإعلاميين المأجورين تناولت شخص الدكتور عادل عبد المهدي وحاولت هذه الجهات أن تصوّر الأمر وكأنه كله مرتبط بجهاز حمايته في الوقت الذي لا يوجد من العصابة إلا شخص واحد ينتمي إلى هذا الجهاز، والدكتور كان اكثر المتعاونين مع الاجهزة الأمنية بحيث إنه هو الذي كشف الموضوع وهو الذي رد المال، وهذا فيه ما فيه، فالوقت وقت انتخابات، والشد والجذب في تشكيل الائتلاف واضح للغاية، ولا نريد أن نخدع انفسنا لتصور هذا الشد والجذب بعيداً عن المحاصصات الداخلية ومعضلة موقع رئيس الوزراء ورئيس الائتلاف وبقية المواقع المهمة في الائتلاف القادم، وما هذا التأجيل المتكرر في الاعلان إلا تعبير عن هذه المشكلة ولا أصدق أن غيرها هو السبب، وعندئذ فإن حرق الخصوم سيكون مهمة المتنافسين الكثر او الطامعون الأكثر فمتنافسين مثل المالكي وأياد علاوي والدكتور الجعفري وموفق الربيعي والبولاني وعادل عبد المهدي وبيان جبر وعلي الاديب وحيدر العبادي وأحمد الجلبي وكثيرون غيرهم حتى ربما بلغ الأمر فتاح الشيخ!!، ومن الواضح أن الدكتور عادل عبد المهدي هو أحد المتنافسين الأساسيين في تصورات الكتلة الأكبر القادمة، ولو صحت هذه النظرية وإن شاء الله لا تصح، فلماذا لا يحرق، حتى وإن اقترن الأمر بالتخلي عن أبسط المقومات الأخلاقية، وأتذكر جيداً إن واحدة من شكاوى الشيخ الصغير التي تحدث عنها في إحدى خطب صلاة الجمعة كانت هي انتشار رسالة مسج تليفونية في ليلة الانتخابات وبالآلاف تشير إلى شكره لأنه يدعم القائمة الفلانية وهي غير قائمة كتلة شهيد المحراب التي كان يروج لها، وحينما سأل معاتباً الجهة التي كانت وراء ذلك فقيل له: في الانتخابات كل شيء يجوز!!! ولهذا فإن علينا ان ننتظر مزيدا من الحرق للشخصيات الأساسية، ومزيداً من الأكاذيب والترويجات والتسقيطات المبررة وغير المبررة.
رابعاً: ولعل ما يكمل فصول هذا السيناريو دخول جريدة الصباح على الخط فهي حكومية والوسط الإعلامي يعرف من هي الجهة التي تهيمن على جريدة الصباح، لا سيما أن أكذوبة توزيع البطانيات من قبل المجلس الأعلى أثناء الانتخابات وهي احد الأكاذيب الكبيرة التي روجتها جهة محددة لا غير قد تم طرحها في نفس الجريدة وبأسلوب رخيص جداً كما هو الحال في عدد الصباح يوم أمس الأول.
وحتى تكتمل الصورة فلماذا لا يتم الضغط على وزارة الداخلية لكي تكون ووزيرها مورد صراع مع الآخرين، وليجلس المستفيد من صراع الاثنين (وهم كثيرون) متلذذين بأي نتيجة؟ فالطايح رايح، ومن يبقى سينزف ليطيح في محطة تسقيط اخرى؟ ولئن رأينا في الحملة التسقيطية السابقة التي زامنت الانتخابات المحلية كيف استهدفوا المجلس الاعلى بكل الأكاذيب العجيبة، فإن علينا ان نتلمس الحملة التسقيطية الأكبر في الانتخابات التشريعية ففي الانتخابات يجوز كل شيء وفق مفاهيم الميكافيليين الجدد ولتذهب دماء الناس وأرواحهم والعملية السياسية فداء لهذا الكرسي الملعون أو ذاك الجاه الكبير.
وإذا كان المجلس الأعلى ومنظمة بدر لهم القدح الأكبر في إحلال الأمن والدعوة لحماية الأجهزة الأمنية وتحصينها فلماذا لا يتم إنهاك الأجهزة الأمنية بصراع مع حاميها وحارسها؟ وأعداء الطرفين متعددون وسيتلذذون حتما من هذا الصراع بأي نتيجة جاء وأي وضع مشى؟
ولماذا لا يدخل الارباك السياسي والأمني من هذه الزواية لتلقى بالمسؤولية على الاثنين معاً، ومن أدمي رأسه أو أدمي جسمه سيذهب فلان أو فلان لكي يمسحوا بالبلسم الشافي على جراحاتهم لقاء تنازلات من هذا او ذاك.
قال لي: أي جنون هذا الذي تقول؟
قلت له: في زمن السوء يجب ان لا نفسر ببراءة فالبراءة غفلة وقد أظهرت لنا الأيام الكثير من الألاعيب والطعن خلف الحزام وتحته وفوقه وفي وسطه فلماذا تستغرب، والعملية السياسية كما لها أعداء كثيرون عليها أيضا طامعون كثيرون فأين وجه الاستغراب؟
ومن هنا فانا أوجه نصيحة للطرفين معاً بالدرجة الأولى أدرسوا الأمور جيداً قبل الحكم عليها فلربما هناك من يلتذ بصراع الجميع ليقفز على رؤوس الجميع، ونصيحتي لكل من حاول ان يلغ بدماء الأبرياء للوصول إلى مكاسب سياسية أن يستمع إلى خطاب الباري جل وعلا: ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله.
لعله جنون في التحليل ولكنه معقول عند مراقبي الكواليس!!!!
محسن علي الجابري
النجف الأشرف ـ ثلمة العمارة
https://telegram.me/buratha