لو اخذنا الفتيا التي اصدرها الامام المفدّى السيد السيستاني ليس على مستوى حيثياتها الفقهية وانما ننظر اليها كآلية اجتماعية، كيف انطلقت هذه الفتيا وكيف تحولت الى مشروع نصر؟ مع ان فتاوى سابقة صدرت من مراجع لم تتحول الى مشروع نصر وفخر وعزة هذه الامة، والسبب اننا لو نظرنا الى هذه الفتيا مجردة عن وعي الامة او ان وعي الامة تخلف عن ادراك هذه الفتيا وتخلف عن تلبية متطلبات هذه الفتيا سيحصل اننا سنحصل على شهادة ستبقى اثراً تاريخياً ولكن هذا الاثر التاريخي مجرد ورقة ومجرد ذاكرة تاريخية، انه في يوم معين اصدر المرجع الشيعي هذه الفتيا والامة تخلفت كما تخلفت على سبيل المثال عن الامام الحسين صلوات الله وسلامه عليه، لكن الذي حصل ان الامة لبّت لكن هل ان التلبية كانت لوحدها قادرة على ان تصنع من هذه الفتيا آلية للانتصار وتمهد الطريق الى الانتصار وتحقق احياء امر اهل البيت في الجانب الأمني والعسكري؟ لا شك ان هذا الامر لو اقتصر على التلبية ما كان له ان يتحول الى مشروع الانتصار الذي حصل من دون الجهاز والمؤسسة التي تعمل على تجسيد هذه الفتيا على الارض بكل مستلزمات عملية التجسيد وحينما نتحدث عن جهاد نتحدث عن سلاح وعن تدريب وقتال وخطط قتالية ودعم لوجستي وطعام وطبابة وكل ما يتعلق بالعملية القتالية مضمن في داخل هذه الفتيا، إن لم نؤمّن هذه الامور عندئذ سيحصل ان اندفاعاً شعبياً يحصل ولكن من دون ان يوجه هذا الاندفاع وربما يُغَش هذا الاندفاع نتيجة القيادات الفاسدة التي يمكن لها ان تستغله لتحوله وتوظيفه لمصالحها الشخصية، كما لاحظنا في البداية ان الاندفاع كان الى الجيش والى الشرطة لكن القيادات التي كانت موجودة هي من جملة الذين اسسوا لعملية ذل الموصل وعملية الفرار من الموصل وكان الفساد ينخر في داخلهم وبقي الكثير من المجاهدين ينتظرون في المعسكرات ويجوعون ليالي عديدة ولم يستلموا اي حق من حقوقهم ربما لمدة تتجاوز السنة بل اكثر في بعض المناطق، لان هؤلاء الضباط يأخذون الارزاق والاموال والرواتب ولا يوجد من يسأل او يحاسب الامر الذي أدى الى ان الكثير من الناس في البداية يأست ورجعت، لكن حينما تحول الامر الى ان فتية مؤمنين اخذوا على عواتقهم عملية التنظيم وعملية تحويل هذه التلبية الى جهاز سرعان ما نما، وفي البداية كأي جهاز يمكن ان يتحرك ويتعثر ولكن مع دوام الزمن يمكن ان يتحول الى آلية في التعامل مع العدو وهذا احد الاسرار الذي جعل الحشد الشعبي في البداية يتلكأ في محاربة العدو لكن مع الايام راينا كيف انه اخذ يطوي الارض طياً سريعاً جداً ليأخذها من تحت اقدام العدو ومن فوق رؤوسهم ويحيلهم الى كل ذل وصغار يلحقه بهم، اذا كان هذا الامر صحيح وهو صحيح بان الأفكار ستبقى افكاراً من دون ان تجد لها آلية تنفذها ومن دون وجود هذه الآلية لا يمكن ان نظفر بعملية تجسيد هذه الافكار وتحويلها من عالم المجردات وانزالها الى الواقع الشعبي الذي يعيشه مجتمع الانتظار وتعيشه القواعد المنتظِرة.
ملتقى براثا الفكري- القضية الحسينية وشعائر التمهيد المهدوي
سماحة الشيخ جلال الدين الصغير
https://telegram.me/buratha