ما من شك بأن هذه الحكومة تعاني من ابشع حركات التآمر التي تخاض ضدها من قبل قوى التخريب السياسي المحلي والاقليمي.
وما من شك بأن العراق في تاريخه لم يشهد حكومة تم التآمر عليها وبهذا المقدار من الفترة الزمنية كما هي الحكومة الحالية.
كما إنه ما من شك إن كل هذه المؤامرات رغم انها استطاعت ان تلحق أذى كبيرا في المواطنين وابناء الشعب وحرمته من أن يرى حلمه الحقيقي بعد وعرضته لآلام متعددة في الأمن والاستقرار والاعمار والتنمية والخدمات، إلا إن هذه الحكومة كانت قادرة على ان تتجاوز اعتى هذه المؤامرات.
وصحيح إن هذه المؤامرات سقطت، ولكن هل يجب على القوى السياسية الأساسية في العراق أن تبقى بانتظار مؤامرة تلو أخرى؟ أم يجب عليها ان تطلق مبادرة جدية في التلاحم والتوحد والاصطفاف؟ لتضيق الخناق أمام خيارات المتآمرين.
لاشك إن الجواب التلقائي سيكون هو هذه المبادرة تحديدا، ولكن بعيدا عن العاطفة التي تغمرنا في أجواء الهزات والانتصارات فتجعلنا إما امام ردات الفعل، وإما أمام استحقاق لحظات متحركة قد لا تستمر في لونها الحالي لتتغير إلى اللون المعاكس، وكليهما لا يمكن ان تعطينا النتيجة التي نطلبها... نعتقد إن المطلوب هو إعادة النظر في المسارات الحالية واكتشاف أي المسارت هو الذي أدى بنا إلى أن نتقدم.. وأيها أدى إلى أن نتلكأ أو نتباطئ أو نثخن في الجراح!!
وحتى نعيد ترتيب أوراقنا ونخرج من عالم الضغوط اليومية على سياسيينا ان يفكروا بانهم خاضوا تجارب ضخمة ونجحوا نجاحات كانت مستحيلة، وأنتجوا من مخاضات عسيرة نتائج باهرة وهذا رصيد يجب أن لا يفقد وأن لا يتم تجاوزه، فمن الذي كان يصدق أن مشروعا سياسيا حمله شهيد المحراب الراحل السيد الحكيم قدس سره وأقنع به الرئيس الطالباني في وقته ولم توافق عليه كل القوى في وقتها، وتكتب له النجاح بحيث يؤدي إلى اسقاط النظام المجرم، وأن يوحد الساحة النضالية بعد تشرذمها الكبير آنذاك، وان يوجد الاصطفافات المطلوبة في القوى الشعبية ضد النظام.
لاشك أن معاناة الشهيد الحكيم والرئيس الطالباني كانت كبيرة، ولكن وضوح الهدف والاطمئنان لسلامة التخطيط مكنهما من أن يقنعوا كل القوى الفاعلة التي ترددت في دخول مشروع اسقاط النظام بالتدريج، ولكن عملية الاقناع لم تكن عائقا بحيث يتوقف زحف المؤمنين باسقاط النظام.
وسقط النظام وجاءت أمريكا بأجندة تختلف عما كان تفكر به القوى الوطنية، وتسبب هذا الاختلاف بآلام كبيرة في كل الآطراف، لأن مشروع الاسقاط كان يبتني على اساس ان الشعب هو الذي يتولى اسقاط النظام غير ان امريكا تبنت بنفسها المشروع واستغلت رضا الشعب فأسقطت النظام، ولكن متانة المواقف التي اتخذت أثرت بشكل جدي بالموقف الأمريكي وجعلته ينسجم ـ وإن مضطراً ـ مع الغالبية الشعبية، وتحركت الاجندة الوطنية بفضل التحالفات الصحيحة والتضامن الشعبي والحرص المتبادل من الجميع على انجاح التجربة فأثمرت الانتخابات والدستور والبرلمان والحكومة المنتخبة وما إلى ذلك من نجاحات لا يمكن أن تنسى في تاريخ العراق.
مع ولادة حكومة الوحدة الوطنية التي ولدت بطريقة قيسرية وبنيت على اساس جمع المتناقضات في بوتقة واحدة نلاحظ وجود امرين الثمن المدفوع هو هذه الغالبية من الشعب وهي خلاصة وعصارة القوى السياسية الأساسية التي أسقطت النظام، ولكن الجنين المشوه الذي يتم ولادته إنما يجري تشويهه بهذه الطريقة إنما يتم من بناة أساسيين في هذه الحكومة مع حلفاء لهم من الخارج، ولا يعني ذلك ان هذا التحالف هم من رغبوا به بل لربما ينساق البعض في تحالفاته بناء على ضروراته الضيقة التي لا تأخذ مناخ الوطن باجمعه وإنما تدور في الأفق الأضيق للكيان السياسي، وقد جنى الشعب الكثير الكثير من الألم، وباتت الحكومة تضيف ضعفا من بعد آخر بسبب عدم قدرتها في السير مع هذا الجنين المشوه، في نفس الوقت الذي يتاح لخيارات التآمر قدرة مناورات أفضل وسط التآمر الاقليمي المحسوس، وهذا التآمر من الضعة بمكان بحيث إن دولة كالإمارات باتت هي احد عناصره الأساسية، رغم ان حامل الراية هم آل سعود ونظرائهم.
أنا احدد في البداية أربعة من القوى التي كان لها الدور الأكبر في عملية الاسقاط ولا زالت مستمرة بنفس الأهداف التي انطلقت مسيرتها من أجل تحقيقها: المجلس الأعلى وهو صاحب الدور الأكبر شعبيا وحزب الدعوة بطبيعة وجود الحكومة بيديه، والحزبين الكرديين الاتحاد الوطني والحزب الديمقراطي لما لهما من ثقل أساسي في المكون الكردي، ويمكن لتحالفات هذه القوى أن تضيف الأرقام الأخرى واحدة من بعد أخرى ليسير الجميع وفق خيارات مبادرة جديدة تأخذ من أيدي المتآمرين المبادرة وتضيق عليهم خناق الإمكانات السياسية، مع ضرورة اعطاء دورا أساسيا للمكوّن السني الحقيقي، فمن دون هذا المكوّن لا يمكن لأي عملية سياسية ان تنطلق، واصدقاء العملية السياسية من أهل السنة أكثر من المهرجين ضدها واقوى، شريطة أن لا تخضع هذه القوى لابتزازت الارهاب من أجل القبول بحلفاء الارهابيين لتمثيل أهل السنة وفي ذلك ابتزاز كبير لأهل السنة وتشويه لحقيقتهم، واعتقد ان معالم هذه المبادرة يجب ان تتكون من ما يلي:
أـ اصلاح البرلمان وتحسين آليات التشريع القانوني واصلاح الخلل القانوني الذي وجد نتيجة للعملية الانتقالية.
ب ـ تحسين الأداء الحكومي من خلال مشاركة حقيقية لكل المكونات شرط أن يكون العمل وفق الانسجام حول برنامج جاد لانقاذ العراق.
ج ـ حسم خيارات الملف الأمني في المعركة ضد القوى التي تعبث بالقانون وتعتدي عليه، وهنا لابد من القول بأن تفاهماً جاداً مع الأمريكيين من شانه ان يحل الكثير من الأزمات التي تسببت بها اجندة الثنائي (زلماي ـ كيسي) لاسيما وأن الافاق التي تبرز من اعمال الثنائي (كروكر ـ باتريوس) يمكن أن تتسم بايجابية عالية، وواضح إن ازمات اجندة (زلماي ـ كيسي) خلفت افجع النتائج في الملف الأمني.
د ـ لا بد من إجراءات شجاعة وسريعة لمشروع تنموي طموح وواقعي في قطاعات الخدمات والاعمار والتنمية الاقتصادية، وكل المفاتيح موجودة غاية الأمر انها تحتاج إلى إدارة توافق مسؤول حول المصالح المشتركة بين القوى والمكونات لكي تنطلق عملية البناء لكل هذه القطاعات الحيوية والتي ترتبط بكون هذه القوى لديها الجمهور الأكثر حرمانا ومظلومية طوال العهد البائد، ومن المعيب جدا ان تستمر هذه المظلومية في هذا الوقت.
هـ ـ لابد من تعزيز سلطة وقدرة الحكومات المحلية في المحافظات باعتبار انها احدى ضمانات العملية السياسية لعدم وقوع الانقلابات العسكرية، ومن الواضح إن الائتلاف العراقي الموحد يجب عليه ان يأخذ مسألة الفيدرالية لمناطق الوسط والجنوب بمنتهى الجدية وان لا يرهب المشاغبات التي تطرح هنا وهناك، وهذه المسألة التي يمكن ان تكون مفتاحاً لحل الكثير من مشاكل العوز الاقتصادي والمحرومية العمرانية يجب ان تعالج بشجاعة لا سيما وان من الواضح أن العبث البعثي المتحرك بالمال الإماراتي والسعودي بدأ يخرج إلى العلن بوضوح أكثر.
ز ـ لا بد من اطلاق مبادرة لتشكيل جبهة واسعة من القوى الوطنية التي تتبنى هذا الخيار، ويتم التلاحم معها بشكل حقيقي، واعطاء العمل الجبهوي صدقية عالية في واجبات الالتزام به وفي حقوقه.
ورغم عقيدتي ان مثل هذه المبادرة سوف تواجه بالكثير من الارهاب الرامي لقمعها، وقد تأتي عملية التشكيك بها من خلال قوة في نفس الخط وفي نفس الاتجاه، لكن مسؤولية القوى الأساسية والكبرى عليه ان تبني وان تتيح المجال للآخرين في أن يلتحقوا بالبناء والمتأخر يتحمل مسؤولية تأخره، والمبادر يحظى بفرص المبادرين.
إن اطلاق مثل هذه المبادرة يجب أن يبتدأه طرف، أي طرف كان من هذه القوى، وبالتالي على الأطراف الأخرى أن تتلقى المبادرة بايجابية وتلتحق بها... والله سيفقكم والشعب سيحتضنكم وما التوفيق إلا بيد الله.
محسن علي الجابري
وكالة أنباء براثا (واب)
https://telegram.me/buratha