لم يشهد العراق بتأريخه المعاصر والقديم كل هذا الحشد من التآمر على قادة المسيرة المعاصرة التي اودت بالطاغية المجرم صدام وزبانيته ووضعت أيتامهم المتخفين والمعلنين في اوضاع حرجة.
فلو تلفت المرء من اليمين إلى الشمال سيجد أشرعة التآمر تتوجه باتجاه واحد قد تتعدد مسمياته وقد تتباين أشكاله ولكن الهدف هو النيل من هذه القيادات التي عملت على الإطاحة بنظام هو الأعتى من نوعه على مر التأريخ، وبغض النظر عن مبررات البعض إلا إن الثابت أن توحد إرادة المسحوقين من ابناء الشعب العراقي هو الذي أعطى عملية اسقاط النظام المجرم مبررها الأكبر حتى اندفع الأمريكيون ليحافظوا على ما تبقى من مصالح ومن ثم ليحاولوا العودة من جديد بلبوس آخر.
ولكن هؤلاء القادة لم يكتفوا بعملية الاسقاط التي ثابروا عليها عقودا عدة من الزمن وراحوا بجهد مرير وسط كل الوان الإرهاب يحاولون أن يصوغوا العراق الجديد وكم حاول الأمريكيون أن ينفذوا برنامجهم الخاص بهم ولكنهم اصطدموا بصخرة كأداء شكلها التوحد خلف موقف المرجعية الدينية الرشيدة المتمثلة بمراجع الهدى الأربعة وعلى رأسهم سماحة الإمام المفدى المرجع الأعلى آية الله العظمى السيد السيستاني (دام ظله الشريف)، وتحققت الانتخابات وكتب الشعب دستوره بيده واستفتى عليه وجاء بحكومته المنتخبة التي قد نختلف على أداءاتها ولكننا لا يمكن أن نختلف أبدا على شرعيتها العالية المصداقية والتي لم تحظ بمثلها أي حكومة حكمت العراق من قبل في زمننا المعاصر وصولاً إلى أيام الأمويين والعباسيين بعد ان تم اغتصاب الشرعية العلوية من قبل نظام البغي الأموي.
وحين تحقق ذلك دفع هؤلاء القادة الكثير من الأثمان فتقدم أسدهم الأكبر فداء لهذا الشعب وامانيه وهو شهيد محرابه السيد محمد باقر الحكيم، ثم تحرك الجمع المبارك ما بين المفخخات واسلحة الدمار الارهابي المقيت فسيارة عند باب بقية السيف أبي عمار الحكيم وسيارة عند باب السيد عادل عبد المهدي وسيارة مجرمة في جسد شهيد البر عز الدين سليم وأسلحة الدمار من أحزمة ناسفة وصواريخ وقذائف تتناثر من كل حدب وصوب جنب بقية القادة الصغير والعامري والجعفري والمالكي وصولاغ وأبي عقيل وعشرات غيرهم، هذا فضلاً عن ما جرى من كذب وافتراءات عليهم لم يتم بقدرها افتراء على أحد كما تم الافتراء عليهم.
وحين حلت حكومة الشعب المنتخبة تراكمت عليهم حبائل الحقد من اطياف أوسع وتشاطر الجميع النيل من لحومهم لكي يطيحوا بثباتهم وبعزمهم، تحرك طابور الإرهاب ليمنعهم من التواصل مع شعبهم وتحرك خفافيش الظلام لكي يمنعوا الشعب من أن يرى منجزاتهم، وتحرك طابور الحرامية السياسية والإدارية لكي يعمل على إفشال إدارتهم، وتحرك الطابور البعثي المعلن لكي يمرر مخطط الفساد والإفساد في كل بقعة يطالها، فيما كان الطابور البعثي المتخفي يعمل كالطابور الخامس لكي يكمل المشروع سواء من خلال مشاريع أجهضت كجند السماء أو مشاريع أعدت وتحركت ولكنها خنقت شعبياً فلم ترى النور بما يكفيها لكي تكون ممزقة في أشلاء الأمة، أو مشاريع لم تبرز إلى العلن بعد تنتظر دورها ونتوقع قدومها، ولكن هؤلاء لم يعطوا لكل هذه المحاولات مجالا لكي تنال من إرادتهم، ولم ينحنوا راكعين أمام هياج العواصف عليهم، فلقد جعلوا مصلحة الأمة أمام اعينهم ومضوا يحثون الخطى وسط امواج الصعاب.
قيل عنهم كل شيء ولكن لم يتمكن أحد من أن ينال من أحدهم شيئاً لا في مصداقية عملهم ولا في صوابية مشروعهم، وفي هذا القيل والقال اشترك اقصى اليمين من ابن لادن والدليمي والمطلك وبقية الحثالات إلى أقصى اليسار مما لا نحفظ أسمائهم لكثرتهم، والجميع فشل وهم وحدهم من بقي لأن ما كان لله ينمو.
بعد كل هذه الأعمال من الطبيعي أن لا نتوقع ان يخف سيل المتآمرين طالما أن مشروع التآمر يدرّ على المتآمرين إعلاماً وأموالاً وسفرات اقليمية ودولية، وهنا علينا أن نتساءل من المستهدف في كل ذلك؟
لاشك إن القادة حينما يستهدفون فمن الطبيعي إن المستهدف فيهم في غالبية الوقت هو المشروع وليس الشخص رغم إن الأحقاد التي رأيناها موجهة ضد بعضهم ربما تجاوزت المشروع إلى الشخص حتى.
كما ولاشك لدى الجميع إن هؤلاء القادة المستهدفون هم نفسهم من كانوا على قائمة الذين استهدفهم نظام البعث الصدامي أيام حكمه البائد، ولا تخلوا حياة أحدهم من عدة محاولات للإغتيال كانت قد تمت وهم في ساحة المعارضة في خارج العراق، كما إنه مما لاشك فيه إن غالبيتهم كانوا من خريجي السجون الصدامية كالسيد الحكيم والشيخ همام والشيخ الصغير وعشرات غيرهم.
كما ولاشك إن التهمة التي تروج لها الطوابير الخامسة والسادسة والألف هي نفس التهم التي يوجهها الاعلام البعثي الحالي.
الاعلام البعثي يتحدث عن أن هؤلاء ينفذون أجندة خارجية وهذه الطوابير تتحدث عن نفس الأمر.
الاعلام البعثي يتحدث عن أن الذين جاؤوا من الخارج هم السبب في كل ما يحصل في العراق وهذه الطوابير تتحدث عن نفس الأمر، وهم جميعاً خرجوا من عوائل الشهداء ويندر ان ترى أحداً منهم لا يمتلك في عائلته الخاصة من لم يكتو بطغيان البعث ودمويته، إذن كيف غدا الخارج هو الذي يسوق الدمار إلى هذا الشعب؟ وهو الخارج من رحم معاناته وآلامه، بل ما خرج إلا من اجل ان يسمع العالم صوته.
الاعلام البعثي هو الذي قال إن الذي يخرج معارضاً له يخرج من عراقيته، وهؤلاء حينما صنفوا العراقيين إلى خارج يسوق الدمار على الداخل وسلخوه من عراقيته إنما يتحدثون عن نفس ادبيات البعث الصدامي.
الاعلام البعثي هو الذي ينسج من مخيلته قصصاً عن أمور ما انزل الله بها من سلطان وهذه الطوابير كالإمعات او كالحيات الرقطاء يرددون نفس الأسطوانة.
ترى هل هذا مجرد صدفة؟
هل كل ذلك يحدث متجردا عن العلاقة مع الآخر؟
لا يوجد في قاموس السياسة امر اسمه صدفة، ولكن يوجد لطف إلهي لكي يفتضح الأدعياء من الصادقين، ولكي يبان وجه من تغطى بلبوس غير لبوسه، فالمرء من دون العمل ومن دون الكلام لا يبان له وجه حقيقي، وكان هذا اللطف بالمرصاد للجميع.
من سبق للنجفيين أن أروه بواطن أحذيتهم كشف عن وعي عميق لديهم رغم إننا قد نختلف في الأسلوب.
ومن سبق لأبناء الشعب أن لفظتهم او عرفتهم وبقيت ساكتة باتزان ووقار لكي لا ينفرط عقد الغضب لديهم أبرز أفقاً كبيراً في التزامات هذا الشعب.
ولهذا أيها الشعب الكريم... أيها الشعب الممتحن... أيها الشعب الذي انتخبك الرب القدير لكي تكون ملاذ الشعوب المتخمة بالظلم والجور فوضعك في أتون الظلم والجور لكي تتعلم ولكي ترى ولكي تتمرن ومن ثم لكي تطيح بكل الزائفين... ويا أيها الشعب الذي أبرز الغادرون بك انهم الأكثر نزقاً في الرقص على أشلائك المقطعة وجسدك المدمى والأكثر صخبا ومجوناً حينما يعلو صوت آهاتك لكي لا تسمع.
أنت المستهدف بكل ذلك وانت المقصود لكي تستمر مسيرة امتصاص ثرواتك ولكي تمتد رحلة الالام.
بوعيك وببصيرتك ستسقط كل هذه المؤامرات كما أسقطتها من قبل.
وبالتزامك الجاد بمراجع الهدى والصلاح الذين عرفوا انهم لا يبتغون دنيا أعلى منك ولا يريدون جاهاً على أشلائك، ولا يطمحون إلى مصلحة تعلوا على مصلحتك.. المراجع الذين إن رأيتهم يخشع قلبك وانت تتذكر: إن النظر لوجه العالم عبادة.
هؤلاء هم عصمتك من السقوط بأيدي أفاكين السياسة... وهؤلاء هم ملاذك من ثعابين الحياة الغادرة، فلذ بهم وانظر من رجال السياسة من هو الأصدق في اتباعهم فلذ به وخذه منارا لسيرك واترك ما عداهم كائناً من كانوا والله ناظر للجميع وسياخذ بثار خدام الشعب ولكنه لا يحارب بالحجر وإنما يحارب بالاستدراج، فهو يملي ويملي حتى يتصور الطاغية أن لا باب لله إلا بابه عند ذلك يطاح به وحين يطاح به فلات مندم.
محسن الجابري
وكالة انباء براثا
https://telegram.me/buratha