من هو المسؤول عن إراقة الدماء في محافظاتنا الآمنة؟
ومن هو العابث بامن هذه المناطق؟
في النجف والديوانية، وفي العمارة والبصرة، وفي السماوة والكوت، وفي مدينة الصدر والشعلة؟
أي يد لديها تلك الخفة في إراقة الدم الشيعي المعصوم؟
لاشك ولا ريب إن أيادي القاعدة ترتكب جرائم في هذه المناطق ولكن في واقع الحال ليس كل ما يرتكب هو مما يمكن القول بانه من هذه الجماعات التكفيرية.
كما يمكن لنا ان نعلق على شماعة المؤامرات الكثير الكثير من هذه الدماء والأحداث المؤسفة التي تجري هنا وهناك.
ولكن من الواضح إن للأحداث طابعها الخاص اللصيق بنا والذي يجب ان ننهض بجدارة الحريص على التخلص من هذه الجريمة النكراء لتشخيص أسبابه وعناصره.
ورغم إن التيار الصدري هو الأكثر التصاقاً بكل هذه الأحداث، إلا إن من الصحيح أيضاً مراقبة حقيقة ان القائمين على هذا التيار بما فيهم السيد مقتدى الصدر يتبرأون من هذه الأعمال وينسبونها لعناصر خارجة عن التيار، وهو أمر أثبتته أحداث اليومين الماضيين في بغداد، فلقد كان واضحاً ان عناصر كثيرة وجدت نفسها غير معنية بالقتال الذي حصل لمهاجمة مقر بدر في الحبيبية ببغداد لأنها وجدت وببساطة أن القتال هنا لا معنى له ولا يعنيها، وبالفعل جاء وفد من المكتب السياسي للتيار الصدري إلى المنظمة وأعلن أنه برئ من هذه العناصر، ونفس الأمر حصل في الشعلة أيضاً حينما احتدم القتال بين حزب الفضيلة وافراد من التيار، فلقد كان الكثير من أفراد التيار بعيدين عن هذه المجابهة والتي انسكبت فيها دماء معصومة بريئة.
في عالم تختلط فيه الأوراق بصورة سهلة، وفي أجواء يمكن للأعداء ان يخترقوها ببساطة تكمن الكثير من الاستحقاقات والواجبات الكبرى على السياسيين والأحزاب السياسية، لاسيما وأن الأسلحة في الأيادي، والنفوس فيها الكثير من الغضب ضد كل هذا الظلم مما يسمح لها ان تنفّس عن هذا الغضب بصورة عابثة في الكثير من الأحيان.
واعتقد أن التيار الصدري هو أكثر المعنيين بذلك للعديد من الأسباب، واحدة من هذه الأسباب هي شعبية التيار واعتماده على التمدد في وسط الشعب بطرق مختلفة ولكن مما لا ريب فيه إن هذه الطرق تنطوي على كمائن وأفخاخ معادية كثيرة جداً للشيعة بشكل عام وبعضها للتيار بشكل اخص، مما يجعل هذه الأفخاخ تعمل كموجهات خفية لأعمال يتم فيها توريط التيار بما لا مصلحة حقيقية له به، ولنضرب مثالاً على أحد النماذج التي تسمح لنا من رؤية أوضح للمشهد في داخل التيار الصدري، فمن الواضح للقاصي والداني إن الالاف من العناصر الصدامية التي كانت تعمل في داخل صفوفنا بأردية متعددة كانت ومنذ يوم السقوط قد أعدت بدائل لنجاتها، ومن هذه الأساليب والبدائل هي ركوب الموجة القادمة مع السقوط، ومن طبيعة المخترق انه يبدأ بالمزايدة على الراكبين الرئيسيين بالشكل الذي يمنع الناظر إليه من التفتيش عن الخلفيات والدوافع لهذا التشدد، وهذا الأمر يصح بشكل فائق مع جهة كالتيار الشعبي التي اعتمدت لغة الولاءات الشعبية القائمة في بعض الأحيان على الصخب أكثر من الدقة، مما مكن هذه العناصر من ان تمدح التيار وتتملقه بشكل اكبر من الاستحقاق بصورة تستهوي فيها نفوس الصدريين بالتدريج، وتعضيد ذلك بموجة من الغضب المتشدد على أعداء محتملين او حقيقيين أو مصطنعين للتيار الصدري مما يسمح لهذه العناصر بان تخترق شيئاً فشيئاً.
ورغم إن إمكانية الاختراق قائمة وموجودة في كل مكان إلا إن آليات الجهات المخضرمة سياسياً تجعل العملية أكثر تعقيداً ولو سمحت الاختراقات الذكية في بعض الحيان ان تحرز نجاحات هنا وهناك فإنها تبقى من المحدودية بشكل لا يسمح لها بان تكون مؤثرة بشكل جوهري على مسار هذه الجهات.
أنا اعتقد إن التيار الصدري والذي لاشك انه ذخيرة أساسية إن لم يقم بعملية تنقية شاملة لكشف هذه العناصر التخريبية التي تحاول ان تفجر التيار من داخله من خلال افتعال الازمات المتكررة مع الدولة ومع الأحزاب السياسية التي يفترض انها تقف في نفس الخندق، فإن هذه العناصر ستجعل التيار يوميا أمام أزمة مع الانجازات التي تحققت، وأمام تآكل في العناصر التي تريد الخدمة حباً لا خداعاً.
كما إن وجود هذه العناصر يملي على التيار الكثير من الصبر والتحمل والتأني في تقييم الأحداث وسبل معالجتها، لأنها قد تدخله في معارك هو في غنى عنها، أو تورطه في مشاكل تستهدف استنزافه، ولهم في حالة الصدام مع تيار البدريين مثالاً مهماً، ففي الاحداث المؤلمة التي نجمت من بعد احراق مكتب السيد الشهيد في النجف قبل ما يقرب من عامين تم احراق ما يقرب من 160 مكتبا لتيار شهيد المحراب في يوم واحد، والملاحظ أن البدريين لم يردوا أبدا ولم يتحركوا لمواجهة العنف بمثيله فوقوا الساحة فتنة كادت تطيح بكل انجازات الساحة السياسية، ومما لا شك إن البدريين لا تنقصهم الشجاعة ولا هم من الذين يمتلكون مشاعر بليدة حينما يرون مواقعهم تهاجم بتلك الطريقة، ولكن ما بين حكمة المعالجة والالتزام الديني في طبيعة الموقف المطلوب والوعي لمهام المرحلة كان موقف العض على النواجذ والصبر على الألم هو الأكثر قدرة على تفكيك الأزمة والخروج بمكسب شعبي كبير لتيار شهيد المحراب (رض).
إن حقيقة وجود بعثيين في داخل من يسمي نفسه بانه من التيار الصدري تعطي لهؤلاء الحصة الاكبر فيما نراه من استخفاف بدماء المسلمين وعدم مبالاة بمصالح الشعب، ومن هو أكفأ وأقدر من البعثيين في ضرب المثل على مثل هذه الأمور، وقد اكتشف التيار في الكثير من حملات التنقية لكوادره إن هؤلاء المجرمين هم من تسبب للتيار بالكثير من المشاكل والألم.
وكل هذه الأمور في الوقت الذي تفرض على التيار التزامات جوهرية، تستلزم من التيار أيضاً ان يدخل في حوارات جادة مع إخوانه من أبناء الصف الواحد، ليطرح معهم مشاكله ويطرحوا معه مشاكلهم وليضعوا سوية الحلول والبدائل الكفيلة بعدم تكرار هذا الألم الذي نراه مرة في العمارة وأخرى في البصرة وثالثة في السماوة ورابعة في النجف وخامسة وسادسة... إلخ
وفق الله العاملين من أجل خير هذه الأمة ورحم الله من حصّن دم مسلم وصان كرامة من وصفت كرامته بأنها أكرم عند الله من الكعبة المشرفة.
محسن الجابري
https://telegram.me/buratha