الدكتور فاضل حسن شريف
قوله تعالى "لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّآئِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ" (البقرة 177) روى الحاكم الحسكاني باسناده عن السدي قال: (نزلت في علي بن أبي طالب، في ناسخ القرآن ومنسوخه).
عن سؤال مفاده عند ضرب ابن ملجم اللعين لأمير المؤمنين عليه السلام فقد نزل جبرائيل عليه السلام قائلا (انفصمت والله العروة الوثقى)، ألا يناقض ذلك قوله تعالى: "فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا" (البقرة 256) فاجاب السيد محمد سعيد الحكيم قدس سره: التعبير بـ (انفصام العروة الوثقى) يدلّ على عظم الفاجعة، وفداحة الخسارة التي أصابت الأمة، حيث استشهد إمامها وحاميها، والمدافع الأول عنها، وذلك من باب الكناية والمجاز، وليس المراد انفصام العروة الوثقى حقيقة، وهذا الأسلوب من التعبير متعارف في اللغة العربية، وعموم ما نعرفه من اللغات.
بين الخطيب الشيخ جعفر الابراهيمي ان الايات التي تبدأ بيا ايها الذين امنوا كما في "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ" (محمد 7) يقصد بها امير المؤمنين عليه السلام. كما قال الرسول محمد صلى الله عليه واله وسلم لاحد الاشخاص: بلغ علي بأمرة المؤمنين. الغني المطلق هو الله والفقير المطلق هم بني ادم، في حين ان نمرود قال لنبي الله ابراهيم عليه السلام "قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ" (البقرة 258) فاجابه "قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ" (البقرة 258) فبهت نمرود.
قوله جلت قدرته "يُؤتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاء وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ" (البقرة 269) روى الحاكم الحسكانى باسناده عن عبدالله قال: (كنت عند رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فسئل عن علي فقال: قسمت الحكمة عشرة اجزاء، فأعطي علي تسعة أجزاء واعطي الناس جزءً واحداً). وروى باسناده عن عامر قال: ذكر عند الربيع بن خثيم عليٌ فقال: ما رأيت احداً محبه اشد حباً له ولا مبغضه أشد بغضاً له منه، وما رأيت أحداً من الناس يجد عليه في الحكم. ثم قرأ: "وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً" (البقرة 269). قوله جل جلاله "وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ وَتَثْبِيتاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّة بِرَبْوَة أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِن لَّمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ" (البقرة 265) روى الحاكم الحسكاني باسناده (عن أبي عبدالله قال: "وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ" (البقرة 265) نزلت في علي عليه السّلام).
روى الحاكم الحسكاني باسناده عن أبي سعيد الخدري قال: لما أسري بالنبي صلّى الله عليه وآله وسلّم يريد الغار، بات علي بن أبي طالب على فراش رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فأوحى الله إلى جبرئيل وميكائيل: اني قد آخيت بينكما وجعلت عمر أحدكما أطول من الآخر، فأيكما يؤثر صاحبه بالحياة؟ فكلاهما اختاراها وأحبا الحياة فأوحى الله اليهما: أفلا كنتما مثل علي بن أبي طالب آخيت بينه وبين نبيي محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم فبات على فراشه يقيه بنفسه، اهبطا الى الأرض فاحفظاه من عدوّه، فكان جبرئيل عند رأسه وميكائيل عند رجليه وجبرئيل ينادي بخ بخ من مثلك يا بن أبي طالب؟ الله عزّوجل يباهي بك الملائكة فانزل الله تعالى: "وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ وَاللّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ" (البقرة 207). وروى باسناده عن ابن عباس قال: (شرى عليٌ نفسه ولبس ثوب النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم ثم نام مكانه). وروى باسناده عن قيس بن الربيع، عن حكيم بن جبير، عن علي بن الحسين قال: أول من شرى نفسه لله عزّوجل علي. ثم قرأ: "وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ" زاد الحاكم: عند مبيته على فراش رسول الله. وقال علي ابن أبي طالب: وقيت بنفسي خير من وطىء الحصى * ومن طاف بالبيت العتيق وبالحجر رسول الهي خاف أن يمكروا به * فنجاه ذو الطول الاله من المكر وبات رسول الله في الغار آمناً * موقى وفي حفظ الإله وفي ستر وبت اراعيهم وما يثبتونني * وقد وطنت نفسي على القتل والأسر. وروى باسناده عن حكيم عن علي بن الحسين في قوله: "وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ" (البقرة 207) قال: نزلت في علي بن أبي طالب، لما توجه رسول الله إلى الغار وأنام علياً على فراشه. قال السيد شهاب الدين أحمد: (فقد جزم عزمه على أن يفدي نفسه ويبذل مهجته دون رسول الله صلّى الله عليه وآله وبارك وسلّم). وروى ابن عساكر باسناده عن أبي رافع: (ان علياً كان يجهز النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم حين كان بالغار ويأتيه بالطعام، واستأجر له ثلاث رواحل، للنبي صلّى الله عليه وآله وسلّم ولأبي بكر ودليلهم ابن ارهط، وخلفه النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم فخرج إليه أهله وأمره ان يؤدي عنه امانته، ووصايا من كان يوصي إليه، وما كان يؤتمن عليه من مال، فأدّى امانته كلها، وأمره أن يضطجع على فراشه ليلة خرج، وقال: ان قريشاً لن يفقدوني ما رأوك، فاضطجع علي على فراشه، وكانت قريش تنظر إلى فراش النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم فيرون عليه رجلا يظنونه النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم حتى إذا أصبحوا رأوا عليه علياً، فقالوا: لو خرج محمّد لخرج بعلي معه، فحبسهم الله عزّوجل بذلك عن طلب النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم حين رأوا علياً ولم يفقدوا النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم وأمر النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم علياً أن يلحقه بالمدينة، فخرج علي في طلبه بعدما أخرج إليه فكان يمشي من الليل ويكمن بالنهار، حتى قدم المدينة، فلما بلغ النبي قدومه، قال: ادعوا لي علياً، فقالوا: انه لا يقدر أن يمشي، فاتاه النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم فلما رآه النبي اعتنقه وبكى رحمة له مما رأى بقدميه من الورم، وكانتا تقطران دماً، فتفل النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم في يديه ثم مسح بهما رجليه، ودعا له بالعافية، فلم يشتكهما علي حتى استشهد). هذا، ولا خلاف في ان نوم علي أمير المؤمنين على فراش رسول الله أفضل من خروجه معه. وذلك انه وطن نفسه على مفاداته لرسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وآثر حياته على حياته، وأظهر شجاعته بين اقرانه. وقد استدل العلامة الحلي في كشف الحق ونهج الصدق ومنهاج الكرامة بالاية والروايات على امامة أميرالمؤمنين عليه السّلام وقال: (هذه فضيلة له لم تحصل لغيره تدل على أفضليّته على جميع الصحابة فيكون هو الإمام).
https://telegram.me/buratha