الدكتور فاضل حسن شريف
جاء في کتاب تفسير القرآن الكريم للسيد مصطفى الخميني: المسألة الأولى عن متعلق الباء اعلم أن الباء تأتي لمعان: الاستعانة، والإلصاق، والقسم، والسبب، والحال، والظرفية، والنقل. وأمثلتها هكذا: ذبحت بالسكين، مسحت برأسي، بالله أفعل كذا، جاء زيد بثيابه، زيد بالبصرة، والنقل: قمت بزيد. وتأتي زائدة للتوكيد. وتأتي لمعان اخر: البدل، والمقابلة، والمجاوزة، والاستعلاء، وغير ذلك. هذا ما عند النحاة. والذي يظهر: أن بعضا منها مع بعض مختلف المعنى، مثلا: "ذهب الله بنورهم" (البقرة 17)، وقولهم: كتبت بالقلم، فإنهما لا يمكن إرجاعهما إلى واحد، وهكذا القسم، ولكن كثير من هذه الموارد المزبورة في الكتب الأدبية، ترجع إلى معنى واحد، وإنما التشتت جاء من اختلاف لواحق الكلام به. ثم إن أصل احتياج الجار والمجرور لكونه جملة ناقصة لا يصح السكوت عليها إلى متعلق مذكور أو محذوف، متقدم أو متأخر، فعل أو مشتق اسمي، مما لابد منه ولا محيص عنه. فأما إذا كان مذكورا فلا يختلف فيه اثنان، وإذا كان محذوفا، ربما تبلغ الأقوال إلى عشرين أو أكثر ولك أن تعد هذه الأقوال، احتمالات المسألة، ولا معنى لتعيين المحذوف معينا بعد إمكان كونه كثيرا، حسب اختلاف موارد الاستعمال ومقاصد الكلام مع القرائن المختلفة، ومع ذلك لا بأس بالإشارة الإجمالية إلى اختلاف الأفاضل والمفسرين: فعن الفراء: " ابدأ بسم الله " بالأمر. وعن الزجاج: " ابتدأت بسم الله "، فتكون الجملة في موضع نصب. وعن آخر: "ابتدائي بسم الله"، فيكون في موضع رفع. وعن رابع: " ابتدائي مستقر وثابت بسم الله "، فيكون في موضع النصب، ونسب ذلك إلى نحاة أهل البصرة. وعن خامس منهم: " ابتدائي بسم الله موجود وثابت "، فيكون في موضع النصب بالمصدر وهو ابتدائي. وعن سادس: "ابدأ أو اقرأ أو شبهه، أو قولوا بسم الله" هكذا في "التبيان. وقيل: لا يجوز تقدير جملة ابتدائي، لصيرورة الباء للصلة، فيحتاج إلى الخبر، هكذا في "المجمع" وفيه: أن ذلك تابع لقصد المتكلم. وقيل: إن المحذوف جملة فعلية كانت أو اسمية تكون متأخرة، لأنه - مضافا إلى مناسبة كرامة الاسم الشريف بعدم تقديم شئ عليه - يناسب المتعارف من الاستعمال، فإن المسافر إذا حل وارتحل فقال: " بسم الله " كان المعنى: بسم الله أحل وأرتحل، وكذا الذابح وكل فاعل يبدأ في فعله " بسم الله "، كان مضمرا ما جعل التسمية مبدأ له، وإنما قدر المحذوف متأخرا لأن الأهم من الفعل والمتعلق به هو المتعلق به، وكانوا يبدؤون بأسماء آلهتهم، فيقولون: " باسم اللات والعزى "، فوجب أن يقصد الموحد معنى اختصاص اسم الله عز وجل بالابتداء والتقديم وتأخير الفعل.
عن كتاب بصر الهدى للسيد مصطفى الخميني: انتبه من نفسك وممّن تعاشر: واعلم: أنّ النّفس من أسوأ الأعداء، وأشدّ الخصماء، وألدّ الخصام، وأنّها أمّارة بالسّوء إلا ما رحم ربيّ، وأنّها المنافق الحقيقيّ، وهي الشّيطان القرين، وساء قريناً، ولا تريد ولا تقصد إلا أن تصل إلى آمالها وأمانيها بهتك حرمات الله، وهدم السّنن والشّرائع الكلّيّة العامّة والشّخصيّة الخاصّة في قلبك، فاستعن بالله العزيز، واصبر "وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ" (البقرة 45) حتّى تخرجوا من هذه الورطة المحيطة، ولا تعتن بهذه الأمور العلميّة، ولا تقنع بالمفاهيم الكليّة الظّلمانيّة والحجب النّورانيّة المانعة، بل اجتهد إلى أن يتمثّل فيك حقيقة الإيمان.
وعن کتاب مستند تحرير الوسيلة اللسيد مصطفى الخميني: عن إثبات حرمة السحر بإطلاقه، فإن قوله صلى الله عليه وآله وسلم: ساحر المسلمين يقتل، وساحر الكفار لا يقتل بعد شبهة في سنده، وإشكال أدبي في عبارته، لا يدل على أن السحر بذاته حرام، وعلى إطلاقه ممنوع، ولاسيما على ما احتملناه في الكتاب الكبير، من أنه من الاضافة اللفظية أي سحر الكافر لا يورث شيئا في نفس الكافر حتى يقتل ساحره، بخلاف المسلم، فلو أتى الكافر بسحر المسلم فهو أيضا يقتل. قوله تعالى: "ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر وما انزل على الملكين ببابل هاروت وماروت وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم" (البقرة 102). بل في قوله تعالى: "ولا ينفعهم" (البقرة 102) إشارة إلى تجويز الضرر المتدارك بالنفع، كما لا يخفى. ومما يدل، أو يشهد على ما مر رواية إبراهيم بن هاشم عن شيخ من أصحابه الكوفيين، قال: دخل عيسى بن ثقفي على أبي عبد الله عليه السلام وكان ساحرا، يأتيه الناس، ويأخذ على ذلك الاجر، فقال له: جعلت فداك، أنا رجل كانت صناعتي السحر، وكنت آخذ عليه الاجر، وكان معاشي، وقد حججت منه، ومن الله علي بلقائك، وقد تبت إلى الله عز وجل، فهل لي في شئ من ذلك مخرج؟ فقال له أبو عبد الله عليه السلام: حل ولا تعقد. ولو كان نفس السحر وتعلمه حراما كان صرفه في الحل أيضا ممنوعا، وكان اللازم الامر بإنسائه وإزالته من النفس، فيعلم منه: أن إعماله فيما تعارف مما يكشف عن اعتقاد العامل والمستأجر به - محرم. والامر بالحل ليس مقصورا بأن صورة جوازه تنحصر به، بل العرف يفهم منها أن الممنوع هو العقد، ولو كان في عمله تفريح فلا بأس به.
جاء في کتاب الصوم للسيد مصطفى الخميني: أن من المحتمل قويا كون الصوم قبل الاسلام، حقيقة في قصد الامساك عن بعض الاشياء الذي لم يعتبره الشرع فيه. في تاريخ الصوم قبل الاسلام وبعده وله نفع كثير، فربما يستظهر من الكتاب العزيز قوله: "كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم" (البقرة 183) أن الصوم المشروع في الاسلام، متحد من جميع الجهات مع الصوم المشروع في الامم السابقة. والحمل على أن التشبيه يكون في أصل التشريع، في غير محله. ثم إن المستفاد من مروي علي بن بابويه أن الصوم كان من لدن آدم عليه السلام وأيضا يستفاد من حديث منسوب إلى أمير المؤمنين عليه السلام، في بعض التفاسير أن أولهم آدم، كما أن هذا هو الظاهر من الاية الكريمة: "كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون" (البقرة 183). ثم إن الظاهر المتراءى من الايات الشريفة مما تعرضت لبعض حدودها، أن الاكل والشرب والجماع، كانت مما يترك في أيام الصيام قبل الاسلام، فقال: "أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم" (البقرة 187). فإنه يستشم منه أن الامر كان على الاجتناب عنه في جميع المدة المفروضة له، وإلا لم يكن يمنع عنه، فالتحليل في موقف التحريم والمنع. وقال: "كلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الابيض من الخيط الاسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل" (البقرة 187). فإن من ذلك يعلم: أن ترك الاكل والشرب من الامور الاولية المعتبرة فيه، وكانوا يتركون الاكل من نصف الليل إلى نصف النهار، كما عرفت من الاقرب فأمر بالاكل والشرب إلى الفجر، وأمر بإتمام الصيام إلى الليل، فأسقط ساعات من الاول، وأضاف ساعات إلى الاخر، فافهم وتدبر.
وعن کتاب ثلاث رسائل العوائد والفوائد للسيد مصطفى الخميني: قوله مد ظله: الجماع. بضرورة الاسلام، وعد تركه من الشروط لا يخلو عن مناقشة، لما يظهر أنه كان من مقومات الصوم عند طلوع الاسلام، ولاجله وردت آية التحليل في الليل، بعد الامر بالصوم على إطلاقه "أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَىٰ نِسَائِكُمْ ۚ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ ۗ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتَانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ ۖ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ ۚ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ۖ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ ۚ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ ۗ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ" (البقرة 187). وأما التمسك بقوله تعالى: "فالان باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم وكلوا واشربوا حتى يتبين" (البقرة 187) ذكرا كان الموطوء أو انثى بدعوى أن الغاية مربوطة أيضا بقوله تعالى: "باشروهن" فتدل الاية على المنع عن المباشرة نهارا، فهو غير جيد، محرر تفصيله في كتابنا الكبير. وربما تخلل قوله تعالى: "وابتغوا ما كتب الله لكم" (البقرة 187) يكفي لصرف الغاية عنه، واختصاصها بالجملة الاخيرة. فالجماع في الجملة مما لا شائبة خلاف فيه.
https://telegram.me/buratha