الصفحة الإسلامية

آيات قرآنية من كتاب الحج ضيافة الله للسيد المدرسي (ح 4)


الدكتور فاضل حسن شريف

جاء في كتاب الحج ضيافة الله للسيد محمد تقي المدرسي: عن المنافقين: فانهم لايمتلكون الفهم لكي يدركوا عمق وحكمة هذه الممارسات، فترى الواحد منهم يتصور ان الذي يعطي يصاب بالخسارة. في حين ان الذي يعطي لابد ان يأخذ اكثر مما اعطى، لان الله اعّد له اجراً عظيماً مضاعفاً في الدنيا والآخرة. فهو يعطي ليحصل في المقبل على الطيبة في القلب، والطهارة في النفس، والتحرر من اسر المادة، والانطلاق في رحاب الحقيقية. العزة في الوحدة والايمان: ثم يقول عز وجل بشأن المنافقين: "يَقُولُونَ لَئِن رَجَعْنَآ إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ" (المنافقون 8). فهم يجهلون ان العزة الحقيقية تكمن في الوحدة والاتحاد، والانضواء تحت راية التوحيد. فان افتخر شخص على آخر بانه اعز منه، فان هذا الشخص لايريد العزة في الحقيقة، بل يريد الذلة من حيث لايشعر، لان التفاخر سوف يدفعه الى الاختلاف، والاختلاف ذل. ولذلك فان المنافقين كانوا يطلبون الاختلاف، في حين ان رسول الله صلى الله عليه وآله كان يستهدف الوحدة. وبهذه الوحدة استطاعت تلك القبائل المتناحرة في الجزيرة العربية ان تكون اكبر حضارة في التأريخ. وياليتنا نفهم منطق التأريخ، ونعود الى ابسط الحقائق في القرآن الكريم وتأريخ امتنا، لندرك مخاطر هذه الاختلافات والنعرات والطائفيات القوميات والشعوبيات التي تجعلنا نسقط في مستنقع الذلة والصغار. ان العزة الحقيقية في الوحدة والايمان والتمسك بحبل الله، كما يقول عز من قائل: "وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ" (المنافقون 8). بعد ذلك يذكرنا ربنا جل وعلا بجملة وصايا تربوية واخلاقية، قائلًا: "يَآ أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لآ تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلآ أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ" (المنافقون 9). أي لا تهبطوا الى الارض، وتركنوا الى الاموال والاولاد، بل ارتفعوا الى مستوى ذكر الله عز وجل، لان من يفعل ذلك فهو الخاسر الاكبر. ثم يقول ربنا تعالى: "وَأَنفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُم مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلآ أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِنَ الصَّالِحِينَ* وَلَن يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذَا جَآءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ" (المنافقون 10-11). فعندما ينظر الانسان الى ملك الموت واقفاً على رأسه ومنشغلًا في نزع روحه، ثم ينظر نظرة اخرى الى امواله وممتلكاته وذهبه وفضته فحينئذ تغمر الحسرة وجودة، ويطلب من الله تعالى بالحاح ان يمهله. ولكن الاجل اذا حل، فان كل شئ ينتهي.

 

وعن الحج وسيلة التعارف يقول السيد محمد تقي المدرسي: كثيراً ما نتساءل: ما هي الحكمة من اداء فريضة الحج؟ للاجابة على هذا السؤال نقول: ان هناك حكماً عديدة تكمن وراء حج بيت الله الحرام، وهذه الحكم يبينها الله جل وعلا في القرآن في أكثر من آية وسورة، كقوله عز من قائل في سورة الحج: "وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ * لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِن بَهِيمَةِ الانْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَآئِسَ الْفَقِيرَ * ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ" (الحج 27-29). فالحج هو معراج روحي للانسان، كما هو الحال بالنسبة الى الصلاة. فقد جاء في الحديث الشريف: (الطواف بالبيت صلاة). والحج هو تذويب للفوارق بحميع انواعها وإثارة، وتأجيجاً لمشاعر الوحدة الاسلامية القائمة على اساس المبادئ السامية، وهو ايضاً حركة اقتصادية واسعة، ومؤتمر حضاري اسلامي عظيم كل ذلك وغيره يمثل حكما تدفع الانسان نحو الحج. وهنا سوف اركز حديثي على حكمة اساسية من حكم الحج، قد تكون خافية على الكثير منا، الا وهي حكمة التعارف الذي جعله الله سبحانه وتعالى هدفاً وغاية لخلق البشرية، وذلك في قوله سبحانه: "يَآ أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِن ذَكَرٍ وَانثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ" (الحجرات 13). والتعارف الذي يعني، تعرف الناس على بعضهم البعض، يمثل اساس حضارة الانسان فوق هذا الكوكب. ونحن نعلم ان كلمة (الحضارة مشتقة من الحضور، والحضور على نوعين، حضور لجسد مع جسد آخر، وحضور الروح عند الروح، والارادة لدى الارادة الاخرى. وبتعبير آخر، هو حضور معنوي يفرز الحضارة والتقدم والتطور لدى الانسان، لان الانسان الذي يكون له حضور الى جنب أخيه الانسان روحياً ومعنوياً، ويعترف منذ البدء بوجوده وحقوقه، فان هذا الشعور هو الذي يجعل الفردين الحاضرين عند بعضهما يتعاونان. من المعلوم ان التعاون سوف ينتهي بالتالي الى التقدم والتكامل.

 

وعن الحضور المعنوي هو الاساس في الحج يقول المرجع الديني السيد المدرسي في كتابه الحج ضيافة الله: ولذلك فان الحضارة المستنبطة من فكرة الحضور والشهود، انما تنفع اذا كانت تعني الحضور المعنوي ولم تكتف بالحضور المادي. فكلما كان حضور الانسان عند الآخرين اكثر، فان حضارتهم سوف تكون اسرع نمواً واكثر نضجاً، لان الانسان الذي يتعاون مع انسان آخر في جوانب معينة فان الحضارة عندهما ستكون محدودة بحدود تعاونهم مع بعض. ومما لاشك فيه ان هذا التعارف يتجسد كأحسن ما يكون التجسد في حج بيت الله الحرام، لان نخبة من ابناء الأمة الاسلامية من كافة الاقطار والطبقات سوف يتوافدون على منطقة واحدة، ويجردون انفسهم عن الفوارق، ومن ضمن مظاهر هذه الفوارق الثياب، والجدل، والتفاخر بالآباء، والعمل، واستخدام الوسائل الترفيهية ولكن هذه الفوارق تذوب جميعها اثناء موسم الحج، كما يقول تعالى: "الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِ" (البقرة 197). فالجدال الذي يفرق بين الانسان واخيه الانسان محرم، وكذلك الفسوق والرفث، وكل ما من شأنه ان يميز انسانا عن انسان آخر. وهكذا فان الحج هو البوتقة الواحدة التي تذوب جميع الفروق والحدود والحواجز المصطنعة بين ابناء البشر. وقمة هذا الذوبان، هو التعارف. ونحن المسلمين بحاجة ماسة الى هذه الحكمة سواء عبر فريضة الحج، او الوسائل الاخرى.

 

وعن ضرورة استقاء المعلومات في الحج يقول السيد محمد تقي المدرسي حفظه الله: لذلك فاني اوصي المسلمين جميعاً ان يخصصوا جزء هاماً من اوقاتهم، للتعرف على اخوانهم في العالم من خلال الجرائد والمجلات، والاتصالات الشخصية عبر السياحة والسفر. وموسم الحج خير فرصة لذلك. لذا يجدر بالمسلم عندما يذهب الى الحج، ان لا يكون همّه التفتيش عن الامتعة والبضائع الجديدة، بل يتعين عليه ان يحاول جاهدا اقامة جسور العلاقات مع اخوانه مهما كانت انتماءاتهم، وان يتعرف على احوالهم وافكارهم وتجاربهم في الحياة. فليس من الهين ان يجتمع مليون انسان في مكان واحد يمثلون مجموعة مختارة من صفوة المؤمنين في جميع ارجاء العالم الاسلامي. "وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ" (الحج 27).

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك