في ساعاته الأخيرة قبيل استشهاده بأبي وأمي روت عائشة زوج الرسول صلوات الله عليه وآله كما يروي البخاري في صحيحه في عدة مواضع ومسلم في صحيحه في موضع واحد فقالت: لددناه في مرضه، فجعل يشير إلينا: ألا تلدوني، فقلنا: كراهية المريض للدواء، فلما أفاق قال: ألم أنهكم أن تلدوني، قلنا: كراهية المريض للدواء، فقال: لا يبقى أحد في البيت إلا لد وأنا أنظر، إلا العباس فإنه لم يشهدكم. صحيح البخاري5: 143، وصحيح مسلم ح2213.
واللدود هو وضع الدواء في فم المريض بالإجبار والإكراه، وفي تصوري يحتاج هذا الخبر إلى وقفة متأملة متأنية وألا يغيب مثله عن عقل الإنسان المحب للرسول الأعظم؛ كيف لا؟ وما جرى يمثل اللحظات الأخيرة من حياة الرسول الأعظم صلوات الله عليه وآله وما أجدر أن يعايش الإنسان المسلم تلكم اللحظات التي بقيت قبل أن تفيض روحه الطاهرة إلى ملكوت ربها.
وما يلفت الانتباه هنا أن اللدود لم يعرف كنهه غير أنه جيء به من الحبشة، ولكن ما يثير المرء أن الرسول نهاهم أن يلدوه وهو الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى! ومن كان حاضر بما فيهم زوجه لم يلتزموا بذلك مع أنهم مأمورون بأن يطيعوه فيما يأتيهم به ويتناهون عما ينهاهم عنه! خاصة وأن الحاضرين ليس فيهم من يؤثر أن عنده علما في التداوي، ولو كان ثمة أحد فإن ما ترويه مدرسة الحديث يؤكد أن الرسول صلوات الله عليه وآله كان حاذقا بالطب، وقد ألفوا في الطب النبوي كتبا كثيرة ولا زال أنصار هذه المدرسة إلى يومنا هذا يتغنون في إعجاز الطب النبوي، ترى هل رفض الرسول أن يأخذ الدواء لسبب نفسي أم لسبب صحي؟ مع أن العقل يحكم بوجوب أخذ الدواء إن كان يشفي من المرض، ولئن كانت زوجته خمنت بأنه يكره الدواء بسبب مرضه فهل كانت عالمة بأحواله أكثر من الرسول نفسه؟
والمثير أكثر من ذلك بل المريب أكثر من ذلك هو أن الرسول أمرهم بأن يأخذوا من نفس اللدود وعلى مرأى من ناظريه، مع استثناء العباس بن عبد المطلب لأنه لم يكن حاضر معهم، وبملاحظة أن الرسول صلوات الله عليه وآله لا يهزل ولا يعبث، فما الذي حدا به إلى أن يأمرهم بأمره الغريب هذا؟
الباحث عن الحقيقة سيجد في هذا الخبر محطة صادمة ولا شك ، مع أني أزعم أن البخاري لوحده يحوي على معطيات هائلة لطالب الحق والباحث عما جرى في تاريخ هذه الأمة بعيدا عن سياسة التبجيل والتجميل والتبرير والتجهيل التي وسمت تدوينه.
https://telegram.me/buratha