لقد رعى الامام الحجة بن الحسن عج المجتهدين وغمرهم بعطفه ودعمهم بتسديداته وحفظهم من الأعداء وأمدهم بالعلوم فكان الباب التي تفتح لهم في كل محنة أو بلاء أو إشكال أو معضدة وقد أظهرت المئات بل الآلاف من القصص المروية عن لقاء الإمام الحجة عج بعلمائنا الأعلام وهذا من أهم الأدلة التي تظهر شرعية التقليد ، فقد بدأت هذه الرعاية من المرجعية الأولى للتشيع التي انطلقت من بعد انتهاء الغيبة الصغرى وهي مرجعية الشيخ المفيد (336 هجري-413 هجري) ، يذكر أن أحد القرويين في العراق وفد الى مجلس الشيخ المفيد وسأله عن امرأة حامل ماتت وجنينها حي في بطنها هل تدفن هكذا أم نشق بطنها ونستخرج الطفل منها ؟ فأجاب الشيخ : أدفنوها هكذا فخرج الرجل عائداً أدراجه وفي أثناء الطريق رأى فارساً مشرعاً يتبعه وحين وصل إليه ترجل وقال له : يا رجل الشيخ المفيد يقول : شقوا بطنها هذه المتوفاة وأخرجوا الطفل ثم ادفنوها والتزم القروي بهذا التصحيح وبعد مدة أخبر الشيخ لمفيد بما جرى فقال إنه لم يرسل أحد ولا شك إن الفارس هو صاحب الزمان (عليه السلام) وبالفعل التزم بيته لا يغادر( اي لم يجلس للإفتاء) حتى جاءه التوقيع من صاحب الزمان ( عليه السلام) ( عليكم الإفتاء وعلينا التسديد وعصمكم من الخطأ) فما كان من الشيخ المفيد إلا إن عاود الجلوس على منبر الفتيا ...(1) ، بالإضافة الى هذه القصة فأن الإمام الحجة عج قد أرسل رسالتين للشيخ المفيد يظهر مكانته وعلاقته بالإمام الحج عج وهذه مقتطفات من هاتين الرسالتين التي نشرها صاحب الاحتجاج الشيخ الطبرسي ( بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد : سلام الله عليك أيها الولي المخلص في الدين المخصوص فينا باليقين .... ونعلمك أدام الله توفيقك لنصرة الحق ، وأجزل مثوبتك على نطقك عنا بالصدق – أنه قد أُذن لنا في تشريفك بالمكاتبة وتكليفك ما تؤديه عنا الى موالينا قبلك أعزهم الله بطاعته ..... نحن وإن كنا ناوين بمكاننا النائي عن مساكن الظالمين حسب الذي أراناه الله تعالى من الصلاح ولشيعتنا المؤمنين في ذلك ما دامت دولة الدنيا للفاسقين فإنا تحيط علماً بأنبائكم ولا يعزب عنا شيء من أخباركم ومعرفتنا بالذل الذي أصابكم مذ جنح كثير منكم الى ما كان السلف الصالح عنه شاسعاً ونبذوا العهد المأخوذ ( منه) وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون إنا غير مهملين لمراعاتكم ولا ناسين لذكركم ولولا ذلك لنزل بكم اللأواء وأصطلمكم الأعداء ....)...(2)
، وأغلب علمائنا ومراجعنا العظام قد التقوا بالإمام الحج عج وقد دونت الكتب هذه اللقاءات ومنها قصة السيد ابا الحسن الأصفهاني (لقد كتب احد علماء السنة المتعصبين من مدينة الكاظمية شعراً تهكميا بالإمام الحجة عج ويقول فيه على ان الإمام الحجة عج غير موجود ،وأنتشر هذا الشعر ما بين أهل العلم ، وكان للسيد الأصفهاني أصدقاء كثر منهم عالم يمني أسمه بحر العلوم وقد راسل هذا اليمني الكثير من علماء النجف طالباً منهم أثبات الوجود المقدس لبقية الله في أرضه عليه السلام وقد كتب له العلماء رسائل تثبت بالأدلة الوجود المقدس للإمام الحجة عج ولكنه لم يقتنع حتى كتب رسالة الى المرجع الأعلى للشيعة آنذاك السيد ابو الحسن الأصفهاني ( رضوان الله تعالى عليه) يطلب منه إثبات ذلك أو يقبل بقول العالم السني المتعصب بعدم وجود الإمام الحجى عج ، فأرسل السيد جوابه الى بحر العلوم اليمني ويقول له إذا أردت إثبات ذلك والتأكد من الوجود المقدس لصاحب العصر عج فعليك المجيء الى النجف الأشرف لأثبت لك ذلك حضورياً ، وبعد عشرة أشهر وصل بحر العلوم وأبنه وعدد من أتباعه ( لأنه كان زيدي المذهب) الى النجف الاشرف وزاروا السيد ( أبو الحسن الأصفهاني) وطلب منه أن يثبت له ذلك بعد أن حضر شخصياً الى النجف الأشرف مع ابنه فقال السيد له تعال غداً أنت وأبنك الى داري حتى أعطيك جواب سؤالك ، ثم جاء بحر العلوم وأبنه وبعض أتباعه وبعد تناول العشاء والأحاديث الدينية وانصراف الضيوف وانتصاف الليل ، قال السيد الى خادمه مشهدي حسين ، هات المصباح معك ووجه كلامه الى السيد بحر العلوم وأبنه وقال لهما أتبعاني .
ثم اضاف السيد مير جهاني ( الذي ينقل هذه القصة)كنت أحد الذين بقوا بعد إنصراف الضيوف ، فأردت أن أذهب مع السيد ( أبو الحسن) لكنه قال لي يجب ان تبقى هنا ويأتي معي فقط بحر العلوم وأبنه ، ثم ذهب الثلاثة في تلك الليلة المظلمة ولم نعرف وجهة سيرهم ولا الى أين ذهبوا ، ولكن في الصباح وعندما التقيت مع بحر العلوم وأبنه وسألته عن أحداث الليلة الماضية قال : الحمد لله لقد تشرفنا ليلة أمس بخدمة ولي العصر عليه السلام وأصبحت من المعتقدين بوجوده المقدس فسألته وكيف كان ذلك ؟ فقال بحر العلوم عندما تركنا الدار لم ندر الى أين وجهتنا حتى وصلنا وادي السلام وفي وسط الوادي دخلنا مكاناً قال إنه مقام صاحب الزمان عليه السلام وعندما وصل السيد أبو الحسن الى باب المقام أخذ المصباح من خادمه مشهدي حسين ودخل منفرداً الى المقام ثم اشار اليّ أن أدخل وحدي معه ثم توضأ وبدأ بالصلاة وصلى أربع ركعات ثم قال شيئا لم نفهمه ولكن شاهدت فجأة أنوار خاطفة وقد غمر المكان نور ساطع وهنا يكمل الحكاية ولده فيقول : كنت في هذه اللحظات خارج المقام ولكنني بعد دقائق سمعت صيحة عظيمة من قبل والدي ثم أغمي عليه فتقدمت قليلاً فوجدت السيد أبو الحسن الأصفهاني يمسدَّ كتفيه حتى استفاق من غيبوبته فقال مباشرة : لقد رأيت ولي العصر والزمان عليه السلام وأصبحت من شيعته الإثني عشرية ولكنه لم يزد شيئاَ على هذا الكلام ولم يوضح لقاءه بالحجة عليه السلام ثم عدنا الى اليمن بعد عدة أيام وتشيع أكثر من أربعة آلاف من أتباعه)....(3) .
وننقل مختصر لقاء السيد المرعشي النجفي (قدس) مع الإمام الحجة عج حيث يقول السيد المرعشي النجفي بعد لقائي بالشاب الإعرابي وجلسنا في مسجد السهلة ما يقارب الساعتين وذكرت مطالب أشير الى بعضها منها : التأكيد على قراءة هذا الدعاء بعد ذكر الركوع في الفرائض الخمس سيما الركعة الأخيرة ( اللهم صل على محمد وال محمد وترحم على عجزنا وأغثنا بحقهم) ، وقد مجد بكتاب شرائع الإسلام للمحقق الحلي وقال كلها مطابق للواقع إلا عدة مسائل )......( 4) .
فقد كان الإمام الحجة عج وما يزال عينه على مراجع التقليد يحفظهم في الملمات ويسددهم في الفتن والامتحانات فهو الداعم والملهم والهادي الذي جعل أيديهم تعلو في كل شدة ومحنة خلال مئات السنين والقصص والأدلة من كثرتها لا تحتاج الى دليل أو برهان إلا إذا كان القلب أسود من تعشش الشيطان فيه ، ومواقف المرجعية والعلماء في جميع الشدائد والمحن قد ملأت صفحات الكتب وأشرقت تاريخنا بالرغم من كثرت الأعداء وخباثتهم ودهائهم .
(1) رعاية الامام المهدي للمراجع والعلماء الأعلام – علي الجهرمي ص61(2) الاحتجاج – الشيخ الطبرسي ج 2ص318-324(3) كتاب اللقاء مع الإمام الحجة عليه السلام – السيد حسن الأبطحي ص128(4) قبسات من حياة السيد المرعشي النجفي – السيد عادل العلوي ص112
خضير العواد
https://telegram.me/buratha