الصفحة الإسلامية

اشارات الشيخ جلال الدين الصغير عن الامامة في القرآن الكريم (ح 40)


الدكتور فاضل حسن شريف

يستمر الشيخ جلال الدين الصغير عن امامة الوجدان قائلا: ومن يراجع كتب أهل العامة المنصفة نسبيا, أو تلك المناصبة في عدائها لأهل البيت عليهم السلام، ومهما بلغت تبريراتها في التعسف والتمحل، فلن يجد غير حقيقة ناصعة واحدة، وهي أن أهل البيت عليهم السلام هم أصحاب القدح المعلى في تعداد الآيات النازلة بحقهم مدحا وتمجيدا وثناء. أما لو اكتفيت بما ذكر في الكتب التي أنصفت الحق فلن تجد ثناء نزل على أحد بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما نزل عليهم صلوات الله عليهم أجمعين، حتى لقد قال ابن عباس: ما في القرآن آية إلا وعلي رأسها وقائدها وشريفها وأميرها، ولقد عاتب الله أصحابه محمد صلى الله عليه وآله وسلم في القرآن، وما ذكر علياً إلا بخير. ولو أضفنا إلى كل ذلك ما جاء على لسان القوم من حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بحق أمير المؤمنين عليه السلام فإن الحصيلة تكون من الضخامة ما لا يمكن لمن يحترم عقله أن يدع إمامة أهل البيت عليهم السلام ليلوذ بغيرها. وهنا ينبغي أن نلفت الانتباه إلى حقيقة أن القرآن الكريم لا يمكن أن يتحدث عن تلك المناقب والفضائل بشكل مجرد أو بصورة اعتباطية لا هدف لها فهو الكتاب الذي "لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ" (فصلت 42)، ولهذا لا بد من القول بأن أحد صور هذه الهدفية هي غاية جمع الناس حول أصحاب هذه الآيات وشد انتباههم إليهم، ولعمري إن وجد القوم في آية الغار : "ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا" (التوبة 40) على ما فيها من إشعار بضعف موقف رفيق الغار، ما يشكّل منقبة له ليتغنوا بها ويجعلوها أحد مبررات أفضليته، فكيف لا يمكن أخذ هذه الأفضلية من حشد عظيم من هذه الآيات التي تتحدث عن المناقبية الفذة للعترة الطاهرة. يبقى علينا أن نستدل على توافر مواصفات الإمامة التي أشرنا إليها فيما سبق من حديث ضمن نص واضح يشير إلى مصداق هذه الإمامة في الواقع الاجتماعي، ولئن رأينا دلالة في جملة المناقب لاسيما آية الولاية، وآية البلاغ، وآية مودة القربى، وآيات الشهادة وغيرها كثير، فإننا نجد في آية التطهير: " (الاحزاب 33) تشخيصا تاماً ودقيقا لعصمة هذه الإمامة على مستوى المصداق والدور، حيث نلحظ أن العصمة في إمامة الوجدان ضرورة كضرورة عصمة إمامة التشريع وإمامة السياسة والحكم وإمامة الشهادة. من هذا كله يتبين لنا مرة أخرى التوافق التام ما بين المواصفات الفكرية والمعنوية والمصداقية لهذه الإمامة مع مواصفات الإمامات الثلاثة التي مرت علينا.

عن امامة الوجود يقول الشيخ جلال الدين الصغير في كتابه الموسوم الامامة ذلك الثابت الاسلامي المقدس: كنا قد ذكرنا فيما سبق شيئا عن إمامة الوجود ونعود الآن لنتحدث بشيء من التفصيل عن جانب من مفردات ذلك تاركين التفصيل لكتابنا (الإمامة: بحث في الضرورة والمهام). الناظر للآيات التي تحدثت عن الوجود الكوني يمكنه أن يقسمها إلى أقسام ثلاثة حيث سنجد القسم الأول وهو يتحدث عن بدايات النشأة وعلة الوجود كما في قوله تعالى: "وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا" (هود 7). فيما سنلحظ القسم الثاني وهو يتحدث عن الدور الذي سيضطلع به هذا الوجود كما في الآية الكريمة: "أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ" (لقمان 20). أو قوله تعالى: "وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ" (الجاثية 13). فيما سنلحظ أن القسم الثالث تحدث عن كيفية الترابط ما بين دور الوجود، وما بين الهدف المتوخى منه كما نرى في قوله تعالى: "إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا" (الاحزاب 72).أو قوله تعالى : "وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ" (الذاريات 56).

واستطرد الشيخ الصغير قائلا: ونظراً لحقيقة أن الوجود الكوني يمثل إحدى الحلقات الأساسية في تحقيق عملية الهداية الربانية، إذ لا يمكن تصور هداية من دون هذا الوجود، فلا بد من أن نضع هذه الأقسام ضمن النسق الذي تحدده عملية الهداية الربانية، مما يقتضي التفتيش عن إمامة لهذا الوجود ومواصفاتها، ومن ثم البحث عن مصداقها الاجتماعي، فهي لا تتحرك في الفراغ. وفي عملية البحث هذه لا بد وأن ننطلق من أصل الخلقة التي أكد القرآن أنها لم تنطلق في الفراغ، ولم تحصل نتيجة عبث "وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ" الدخان 38) وكذا قوله تعالى: "أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ" (المؤمنون 115)، وإذا ما كانت كذلك فثمة هدف يناقض العبث تماما، وهذا الهدف في صورته العامة عبرت عنه الآية الكريمة: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون)، وفي صورته النهاية: "وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ" (الحجر 99). إذن فإن الموجود المكلف خلق من أجل هدف العبادة، ولذا فإن سائر ما خلق في هذه الكون مسخر لتحقيق هذا الهدف وهذه الغاية.

 

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
آخر الاضافات
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
محمود الراشدي : نبارك لكم هذا العمل الجبار اللذي طال إنتظاره بتنظيف قلب بغداد منطقة البتاويين وشارع السعدون من عصابات ...
الموضوع :
باشراف الوزير ولأول مرة منذ 2003.. اعلان النتائج الاولية لـ"صولة البتاوين" بعد انطلاقها فجرًا
الانسان : لانه الوزارة ملك ابوه، لو حكومة بيها خير كان طردوه ، لكن الحكومة ما تحب تزعل الاكراد ...
الموضوع :
رغم الأحداث الدبلوماسية الكبيرة في العراق.. وزير الخارجية متخلف عن أداء مهامه منذ وفاة زوجته
عمر بلقاضي : يا عيب يا عيبُ من ملكٍ أضحى بلا شَرَفٍ قد أسلمَ القدسَ للصُّ،هيونِ وانبَطَحا بل قامَ يَدفعُ ...
الموضوع :
قصيدة حلَّ الأجل بمناسبة وفاة القرضاوي
ابراهيم الجليحاوي : لعن الله ارهابي داعش وكل من ساندهم ووقف معهم رحم الله شهدائنا الابرار ...
الموضوع :
مشعان الجبوري يكشف عن اسماء مرتكبي مجزرة قاعدة سبايكر بينهم ابن سبعاوي
مصطفى الهادي : كان يا ماكان في قديم العصر والزمان ، وسالف الدهر والأوان، عندما نخرج لزيارة الإمام الحسين عليه ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يكشف عن التعاقد مع شركة امريكية ادعت انها تعمل في مجال النفط والغاز واتضح تعمل في مجال التسليح ولها تعاون مع اسرائيل
ابو صادق : واخیرا طلع راس الجامعه العربيه امبارك للجميع اذا بقت على الجامعه العربيه هواى راح تتحرر غلسطين ...
الموضوع :
أول تعليق للجامعة العربية على قرار وقف إطلاق النار في غزة
ابو صادق : سلام عليكم بلله عليكم خبروني عن منظمة الجامعه العربيه أهي غافله ام نائمه ام ميته لم نكن ...
الموضوع :
استشهاد 3 صحفيين بقصف إسرائيلى على غزة ليرتفع العدد الى 136 صحفيا منذ بدء الحرب
ابو حسنين : في الدول المتقدمه الغربيه الاباحيه والحريه الجنسيه معروفه للجميع لاكن هنالك قانون شديد بحق المتحرش والمعتدي الجنسي ...
الموضوع :
وزير التعليم يعزل عميد كلية الحاسوب جامعة البصرة من الوظيفة
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
فيسبوك