د. عطور الموسوي ||
المكان: منتصف الطريق بين مكة المكرمة والمدينة المنورة وبالقرب من الجحفة حيث تقع منطقة (غدير خم) على طريق القوافل.
الزمان: حجة الوداع في 18 ذي الحجة الحرام سنة 10هـ.
الوقت : عند الظهيرة والطقس قائظا .
الحضور: قوافل حجيج المسلمين التي فاق عددها مئة وعشرون ألفا.
المتحدث: رسول الله وخاتم الأنبياء صلوات الله عليه وآله.
لم يكن عبثا أن تحيط بواقعة الغدير تلك الظروف الزمكانية والرمزية وحتى المناخية، كونه يوما ينبغي أن لا ينسى، ففيه امتدت الرسالة المحمدية بالإمامة العلوية لتمضي خلافة الانسان لربه كما أرادها سبحانه لا كما رأتها الملائكة يوم خلق آدم " أتجعل فيها مَن يُفسِد فيها ويسفك الدماء..".
ففي العامل الأول غرابة المكان ليوثق حدثا فريدا من نوعه وله أثر بالغ في مستقبل الاسلام، ولو كان المكان مسجدا لفقد أهميته وغمر بين أحداث وقعت في المسجد، وعامل الزمان له أثر في نفوس المسلمين فهم لن ينسوا حجة الوداع لنبيهم صلوات الله عليه، وهو قد أعلن عن ذلك فرافقته تلك الآلاف المؤلفة منهم، وهم أنفسهم كانوا عائدين من أداء مناسكها ومتهيئين نفسيا وروحيا لتقبل ما نزل به الوحي على صدر نبيهم:" يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ۖ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ ۚ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ".
أما الوقت فهو في ذلك اليوم القائظ حتى ان المرء ليضع ازاره تحت قدميه اتقاءا لحرارة الرمال، طقس غير عادي في مكان غير عادي لحدث غير عادي.. ومحدثهم ذلك الصادق الامين الذي أخرجهم من الظلمات الى النور وهداهم الى الاسلام بعد الضلالة والجهالة، وهاهو يعتلي ماجمعه المسلمون له من أقتاب الإبل ويرفع يد علي ممسكا بساعده الى اعلى ما يستطيع ويردد:" من كنت مولاه فهذا علي مولاه (قالها اربع مرات) اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره واخذل من خذله وادر الحق معه حيث دار الا فليبلغ الشاهد الغائب".
وقد سبق هذا الخطاب تأكيدات منه صلوات الله عليه في كل صلاة أمّهم بها في مكة على حديث الثقلين :" اني تارك فيكم الثقلين: كتاب اللّه وعترتي أهل بيتي، وانهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض، وانكم لن تضلوا ما اتبعتموهما واستمسكتم بهما"، ثم نزلت الآية الكريمة : "الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا"، وسارع الصحابة يهنئون عليا فهو مولاهم بعد الرسول، واشتهرت في المصادر التاريخية كلمات عمر التي يقول فيها: "بخ بخ لك يا علي أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة".
وإذا كان الحج يتعلق بفرع من فروع الدين، فإن عيد الغدير يتعلق بأصل من أصول الدين "الإمامة"، فالإسلام خاتم الأديان ولا يتوقف بوفاة النبي وانما يمتد بالمعصومين من بعده، لم يرق هذا الأمر الإلهي لمن كان طليقا وممن أوغل في دماء المسلمين قبل اسلامه الشكلي، حيث الدنيا لم تزل تستعبده والشيطان لم يزل يوسوس له وينطقه: لن تكون النبوة والخلافة في بيت هاشم !
ويتحدون إرادة الله بعد أن شهدوا ذلك اليوم وسمعوا بآذانهم ورأوا بأم أعينهم كيف أعلن النبي وبلغ رسالته، لقد سارعوا لنكث تلك البيعة رغم كل أبعادها الملزمة لهم دينيا واجتماعيا وأدبيا، وعملوا على طمس هوية عيد الغدير الأغر وقرروا أن يبقى في وادي النسيان بعيدا عن ذاكرة الامة وضميرها، لما ينطوي عليه من مخاطر تهدد وجوداتهم اللاشرعية.
الا أنه وعلى الرغم من قساوة الظروف التي عصفت بالأمة الاسلامية بعد رحيل النبي (ص) وما واجهه أهل البيت وخاصة الامام علي من اقصاء ومحاربة، فقد قدر اللّه سبحانه له أن يبقى وينتشر مثل كلمة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها، وظلت قلوب الأحرار تتناقله جيلا بعد جيل بعيدا عن عيون الرقباء والحكام، وها نحن نحيه عاما بعد عام فلله الحمد على نعمة الهداية ونسأله الثبات عليها.
ولا بد من التفكر ونحن نعيش أيامه أين نحن؟
ومع من ينسجم تفكيرنا وهوى أنفسنا؟ ولو شهدنا الغدير في ذلك العام هل كنا ممن وفى ببيعته أم من الذين نكثوها؟ فالتاريخ يعيد نفسه.
الثلاثاء27 تموز 2021
16 ذو الحجة 1442
https://telegram.me/buratha