رياض البغدادي ||
يقول الله تبارك وتعالى في سورة القصص :" وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ"ـ 62 القصص ، والتدبر في هذا الخطاب يضطرنا الى هذا السؤال ..،
بعد انكشاف الملكوت وحصول العلم الكامل بالقدرة والجبروت واستسلام الخلق كلهم لإرادة الله، فما أهمية هذا الخطاب الوارد في الآية ؟؟
الجواب :
لا يخفى ان العباد بعد ان تنكشف لهم أسرار الخلق ، وتظهر لهم موبقات أعمالهم ، ومساوئ افعالهم وعيوب صنيعهم ، تخرس السنتهم ، وتتصاغر نفوسهم ، وتنحني رؤوسهم خجلاً من هذا الافتضاح والخزي والعار ، الذي هم فيه ، والعادة ان مَنْ يقع في هكذا موقف ، تنهار قواه و يستسلم كامل الاستسلام ، ويتقبل ما سيلاقيه من عقوبات ، بل الانسان على نفسه بصيرة ولو ألقى معاذيره ..
ومن اجل ان يهيئ لهم الله تعالى مناسبة للحديث ، وينهي خوفهم من الحديث وما هم عليه من السكوت الرهيب ، والصمت العجيب ، فيفتح لهم باباً للإعتذار والتضرع رحمة منه تعالى بحالهم ، فيبدأ مسلسل تأنيبهم ،فيقول لهم ( أين شركائي ) لتنطلق ألسنتهم و يُجيبوه تعالى ، بأننا لا نعلم لك من شريك ، وهنا يبدأ مسلسل التضرع وطلب المغفرة ، اللهم فاغفر لنا يا ربنا ما قلناه بحقك ، وجلالة قدسك ، وما اقترفته أيدينا من سوء أفعالنا ، وما انطوت عليه قلوبنا من مخازي عقائدنا ، التي ورثناها من القوم الكافرين .. وهذا ما تدل عليه الآية المباركة في سورة فصلت ، قال تعالى: " وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكَائِي قَالُوا آذَنَّاكَ مَا مِنَّا مِنْ شَهِيدٍ ".
{ آذَنَّاكَ } أي أسمعناك { مَا مِنَّا مِن شَهِيدٍ } ..
إذن محصلة الجواب ، أن التوبيخ والتأنيب ، لم يكن الغرض منه ، إلا فتح باب من أبواب الرحمة التي وسعت كل شيء ..
وقد يكون ذلك التضرع منهم سبباً للشفاعة ، ممن يسمع تضرعهم من الشافعين ، الذين لا يشفعون الا بأمره تعالى وبفضلٍ من سعت رحمته ..
ان بمجرد الالتفات إلى الجزاء المترتب على الأعمال ، يقطع الإنسان مدى سعة رحمة الله تعالى وعظمة رحيميته سبحانه في يوم الجزاء، حيث ينكشف للعبد حينها أنَّ الله عزّ وجلّ ، كم وكم يتمسك بأسباب بسيطة وحقيرة ، يريد من خلالها ذريعة لإدخالنا الجنة وينعِّمنا فيها، ويحرم أجسادنا على النار والعذاب ، إلا أنَّ الكيِّس مَنْ يعطي هذه الذريعة لله تعالى ويتمسك بهذه الأسباب اليسيرة كي يحظى بالسعادة الأبديةِ.
عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إنَّ آخر عبد يؤمر به إلى النار فيلتفت فيقول الله جلَّ جلاله اعجلوه، فإذا أتي به قال له: عبدي لم التفت ؟
فيقول: يا رب ما كان ظني بك هذا.
فيقول الله جل جلاله عبدي ما كان ظنك بي ؟
فيقول: يا رب كان ظني بك أن تغفر لي خطيئتي وتدخلني جنتك.
قال: فيقول الله جلَّ جلاله: ملائكتي وعزتي وجلالي وآلائي وارتفاع مكاني ما ظنَّ بي هذا ساعة من حياته خيرًا قط، ولو ظنَّ بي ساعة من حياته خيراً ما روعته بالنار، أجيزوا له كذبه وادخلوه الجنة.
اللهم وفقنا لمراضيك