✍🏻 د.عطورالموسوي ||
رابحه..كان اسمها..ولم أر مصداقا لذلك الاسم مثلها ..اذ ربحت الاخرة وفازت بالجنان شهيدة على يد شراذم الخلق المختنقين حقدا وكراهية ضد اتباع أهل البيت عليهم السلام..
ولدت في تموز عام 1964واستشهدت في 22/6/2007
وفاءا لذكراها العطرة أدون هذه السطور...
في قضاء بلد حيث يرقد السيد محمد بن الامام علي الهادي عليه السلام(سبع الدجيل) ولدت شهيدتنا وهي ثالث البنات وقبل الاخير من أولاد وبنات الحاج عبد علي الحمزاوي المزارع المؤمن الموالي لآل محمد عليهم السلام ووالدتها المرأة الأصيلة والتي تشيعت بعد الزواج من ابيها..
نشأت بحياة رتيبة واجواء عائلية حميمة فرغم ان والدها متزوج بإمرأتين الا أن الاولاد جميعا في تواد ومحبة..
لم تكمل تعليمها وتركت مدرستها بلد الابتدائية وهي في المرحلة السادسة في ظل مجتمع مغلق ومحافظ ..والعائلة جميعا تتظافر جهودها لإدارة أمور البساتين المثمرة التي انعم الله عليها بالرخاء والوفرة والتي حباها الله بأنواع الثمر عنب .. مشمش.. تفاح وحمضيات ذات جودة عالية وكأنها تفي لأهلها حق اخلاصهم في رعايتها..
ترعرعت في احضان الايمان فقد كان أخوها المهندس قيس من تلامذة السيد الشهيدمحمد باقر الصدر(قدس الله سره)ومسؤول تنظيم الدعوة الاسلامية عن طلبة كلية الهندسة جامعة الموصل فتى شجاعا لا يخشى في الله لومة لائم ..
فاعتقل بعد استشهاد الشهيد الصدر واخته العلوية ومن ثم اعدم وسلم لذويه عام 1980 وضجت مدينة بلد بهذا الحدث ولتصبح العائلة جميعها تحت انظار زمر البعث وتبدأ مرحلة جديدة من حياة هذه الاسرة المؤمنة ..فقد دفنت بحسرة وأسى شابا رائعا وعلى وشك أن يتوج قرانه بشريكة عمره بزواج مبارك ويبدأ حياتة ككل الشباب ..
أعدموه شنقا والتحق بركب شهيده الصدر .. بدد البعثيون المجرمون كل الأحلام واحالوا الفرحة الى حزن مقيم..
عام 1982وفي حادثة اغتيال الطاغية والمعروفة بحادثة الدجيل والحملة الشرسة التي شنها انتقاما من اهالي مدينتي بلد والدجيل اعتقل كل اخوة شهيدتنا وابناء عمومتها من قبل ازلام البعث ..تعذر عليهم في أول الامر اعتقالهم وهم يرابطون في البساتين الوارفة اذ هجروا الدنيا وتأهبوا لجهاد طاغية ماعرف الزمان مثله.. فسمموهم واعتقلوههم وضاعت انباءهم ونكبت عشيرتهم بخيرة شبابها وترملت النساء وتيتم الاطفال...وفقدت رابحه 67 شهيدا بين أخ وابن عم ..
ولم يكتف المجرمون باعتقال جميع الرجال والشباب فماهي الا أيام قلائل حتى اعتقلوا الشهيدة رابحة واختها الاصغر التي تصغرها بعام ونيف وذاقتا أمر انواع التعذيب وهما في ربيع العمر حيث تناقلوهما بين دوائر الامن وحتى محكمة الثورة الجائرة ..
وبعد مدة قصيرة اعتقلت جميع عائلتها صغارا وكبارا وعدد كبير من عوائل بلد والدجيل ورحّلت الى صحراء السماوة ..اهالي بلد في معتقل الشيحيات واهالي الدجيل في معتقل ليا...
وما ادراك ماهما حيث لا معنى لاي شكل من الحياة هناك .. عانت تلك العوائل المسالمة اشد المعاناة في ظروف انسانية لايمكن لبشر تحملها ..الموت يحيط بالمكان وكثبان رمال الصحراء تطوقه ولا منجى من الضواري والسباع فضلا عن انعدام اي من مقومات الحياة ..
بعد سلسلة طويلة من التعذيب والتنقلات المريرة جيء برابحة واختها الى سجن الرشاد للنساء القسم السياسي وذلك صيف عام 1983وقد حكم عليها بالسجن ثلاث سنوات بينما اختها سنتين والتي كانت قاصرا وحدثا..
اكملتا مدة السجن وخرجتا وليس من أهل في استقبالهما ولا بيت يؤيهما، اذ هدمت بيوتهم وجرفت بساتينهم الغناء وأصبحت اثرا بعد عين..لذا لم يكن أمامهما الا بيت اخوالهما في خان بني سعد من أقضية محافظة ديالى وهم من أهل السنة وبعيدين جدا عن معارضة النظام ..الا انهم أدوا واجب صلة الرحم مع أختهم المعتقلة في الصحراء وان تشيعت واووا ابنتيها على مضض..
تزوجت اختها من ابن خالها الكبير وتزوجت رابحة من احد اقرباء والدتها وهو سني متدين ..يومها لم تكن الطائفية قد طغت على المجتمع كيومنا هذا ..وانجبت ثلاثة اولاد سجاد وعبد الحق واحمد ..وكانت نعم الزوجه ونعم الام في زمن شظف فيه العيش على الناس بسبب الحصار والسياسة الرعناء لصدام وزمرته عندما شدد الخناق على الشعب وبذخ على التصنيع العسكري واقام حفلات عيد ميلاده المشؤوم وتفنن في صنع الكعكات والشعب يتضور جوعا واطفاله يعانون من سوء التغذية ويتحسرون على علبة حليب رضاعة او جرعة دواء..
وسقط الصنم .. وحلقت حمامتنا الجريحة تعوض عقودا من الحرمان فكانت اول من تصدى لتعليم القرآن الكريم في مدينتها التي ثكلت بمئات الشهداء عندما نشرت الأسماء وفجع الاهلون بفلذات الاكباد ولم يستثن الطغاة أحدا من موتهم الهمجي حتى الفتيان الصغار ..
التحقت بمؤسسة شهيد المحراب وكلفوها بادارة فرع بلد وكانت اهلا لهذا التكليف وشعلة من عطاء وهاج ..وبعد سنوات من العمل والمثابرة واعدادا من الفتيات التي تخرجت على يديها مجموعات مجموعات حضرت اجتماعا في منطقة الكاظمية لكل فروع المؤسسة وابلغوها انها لاتصلح لادارة هذا الفرع كون أخوتها من حزب الدعوة.. احبطها ذلك واعلمتني نبأ اقصائها بعينين دامعتين ..لكنني شجعتها ان تستمر بالدورات القرآنية ولو في بيتها وان لا تترك هذا المؤسسة وان كانت ليست في الادارة .. واستمرت بعطائها المخلص في معين القرآن الكريم فهي بنت مدينة بلد النجيبة والكل يجمعون على دينها وورعها ولازمتها طالباتها حتى خارج المؤسسة ..
تمسكت بحبل الله الممدود بين الارض والسماء كتاب الله وعترتي ال بيتي كما وصفهما النبي الاكرم فكانت خطيبة وقارئة حسينية صادقة ذات قصائد نوعية وتؤلف بعضا منها تتطرق فيها لجهاد الظلم ومقارعة الظالمين حتى قبل السقوط..لم تكن تقليدية ولا موروثة الاداء وانما كانت بحق داعية عبر هذا المنبر رغم انف ازلام البعث المتربصين بها وصدح صوتها في مجالس مدينة بلد متحديا اعين محيطة بها من اذناب البعث..
خذ يامحمد عالامة اشهد
هذي عترتك هذه مصارعها
هذي امتك انظر لواقعها ...
...
صابر مايزك صابر
يا يوم نشوفك ثائر
تنهض للثار عندك اخبار
...
واحدنا بعلي ثابت يقينه
ندري ويدري بينا
عالم علمه نرويه
مصلح معترف بيه
چا ليش على نهجه مامشينا
وما انفكت تذكر شهداءها وبالاخص المهندس قيس..اقتدت به وانعم به قدوة
لذا كانت معروفة بتوجهها المعادي للبعث ومن يسلك نهجه وداعية اسما ومعنى .
فلم تضيع عليهم يوم اختطفوها وزوجها وابناءها من بستان أهل زوجها في منطقة عزيز بلد الموبوءة بأذناب النظام البائد وتنظيم القاعدة الارهابي ..فكان اختطافها مغنما كبيرا لهم احتضنت صغارها وهي تقاومهم .. لكنهم نزّلوا اولادها من السيارة زجرا وكان آخر لقاء لهم بوالديهم ليصبحوا في لحظة واحدة أيتام الابوين ...بعد اسبوع زاخر بالدعاء وحافل بالسعي الحثيث من أجل نجاتها منهم ..اختارها الله سبحانه للشهادة فوجدوها يوم 22 حزيران 2007في جانب من أحد البستاتين مقتوله وعليها آثار التعذيب واحدى طلقاتهم اخترقت فمها وحطمت راسها يريدون اسكات صوتها القرآني الحسيني .. ومواضع أخرى تعمدوا أن يطلقوا رصاصاتهم القذرة عليها اعلانا عن خستهم ونذالتهم ..
اما زوجها فلم يعثر على جثمانه لحد الان..
لم يتمكن أهلها من دفنها في وادي الغري لسوء الاوضاع الامنية والقتل الطائفي والذبح على الهوية التي انتشرت على مداخل المدن آنذاك ..فأودعوها امانة عند السيد محمد عليه الرضوان.. وبعد ما يقرب على عام أعادوا دفنها في النجف الاشرف حيث مثواها الاخير ..
وتقسم أختها ان رائحة كالمسك فاحت منها وهم يفتحون قبرها لاخراجها .. وساروا بها الى روضة امير المؤمنين لتجدد له العهد قبل دفنها في وادي السلام وتخلد روحها في جنان الخلد مع أنصار الامام الحسين عليه السلام حيث اخوتها يمكثون ..
سلاما اخيتي الحبيبة يامن اختارك الله لتلحقي بركب اخوتك الشهداء سلاما متصلا مادامت دماء الشهداء..
مما يجدر ذكره أنها رضوان الله عليها تشرفت بحج بيت الله عام 2006 مع عوائل الشهداء وهناك طلبت أول مطلبا منه سبحانه عند بيته الحرام ان يرزقها الشهادة ...وكم كان دعاءها مستجابا ارتقت سلم الشهادة بعد أقل من عام واحد..
الفاتحة على روحها وأرواح شهداء الاسلام مسبوقة بالصلاة على محمد وآل محمد
https://telegram.me/buratha