✍ د. عطور الموسوي ||
11 ذو القعدة الموافق 21/6/2021
روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال: ستدفن بضعة مني بأرض خراسان، ما زارها مكروب إلا نفس الله كربته، ولا مذنب إلا غفر الله ذنوبه.
طيلة عقود البعث المظلمة كنا نزور مولانا الرضا زيارة عن بعد، ولا أمل لنا أن يأتي يوما ونتشرف بزيارته في أرض طوس، وقد أدخلته زمرة البعث في قائمة ممنوعاتها التي يغيب مرتكبها وراء الشمس كما يتشدق البعثيون تعاليا واستكبارا على هذا الشعب المبتلى بحكمهم الأسود.
حدثتنا والدتي الغالية وجدّاتي رحمهن الله بأن الرضا عليه السلام بابا لقضاء الحاجات، وتحدثن عن سهولة ويسر التنقل من بغداد الى مشهد في النقل البري على الرغم من أن المسافة تفوق آلاف الكيلومترات.. إنه الحب والعشق لآل البيت يذلل الصعاب وتهون أمام المحبين .. وفي تلك الوسائل البدائية كانت العائلة بصغارها وكبارها تزور الرضا، حتى جاءت حكومة البعث بقطار أمريكي وأجندة بريطانية لتزرع الفتنة والتفرقة بين شعبين تجمعهما قواسم عديدة أولها الدين والمذهب وآخرها وحدة الأفق الممتد لأكثر من الف ونصف الف من الكيلومترات.
وأشد فتنة أرادها بنا أعداء الإسلام حرب الثمانية أعوام حيث صار شباب البلدين وقودا لها وتهدّمت البنى التحتية بهمجية صدام المولع بالدماء وانتهت الحرب ولم يعرف المقاتلون الأحياء منهم والأموات ما هدفها؟ وما الذي حققته !!
وولى صدام مقبورا بعد تلك الهيئة المخزية وهم يخرجونه من حفرة قذرة ويطأ رأسه الأمريكي بحذائه وهذه الصورة وحدها رسالة بليغة لكل طاغ ولكل من يركن للظالمين .. وبزوال كابوس البعث تسارع الشعبان لمد أواصر المحبة وكأن شيئا لم يكن، شوقهم جميعا لزيارة أهل البيت أذاب كل درنات عقود البعث بدمعات يسكبونها عن أئمتهم .
عندما رزقني الله زيارته للمرة الأولى عام 2005وكانت رحلة برية، لم تضجرني المسافات الطويلة وشعرت بحكمة الهية بالغة في أن يكون مثوى ثامن الحجج في تلك البقعة النائية، فبدون قلوبنا التي تهفو اليها لم تكن أية أواصر متينة بيننا، ولم نوفق لزيارة هذا البلد الجار المحجوب عنا طويلا.
كلما تكررت زياراتي كلما وجدت عمرانا وجمالا جديدا وابداعيا، وكعادتنا نحن العراقيون نشعر بالغصة ونرى بلدنا بكل امكانياته التي حباها الله له سخية يفتقد للمسة ابداع ويعاني بعض اهله من اللامبالاة.. عرفت معنى " حب الوطن من الايمان" هذا الايمان الذي قتلته سياسات الاستبداد يوم ذبحت الوطن وغيّبت الهوية الوطنية للعراقي، عندما اختصر الطاغية بلاد الرافدين وأرض السواد بشخصه الوضيع :" إذا قال صدام قال العراق".
كره الناس الوطن يوم عبّر عن تابوت ملفوف بالعلم في حروب تدوّلت علينا كل عشرة أعوام، واعتقال وتغييب لكل من يسعى لرعاية عيال الله وينشر الوعي والفضيلة، وقطع ألسن ورؤوس (يهوّس) بها فدائيو صدام لكل من نطق بحرف ضده وكائنا من كان..
نعم الامام الرضا ع أنيس النفوس شعرتها بكل معانيها يوم دخلت حضرته المطهرة، وناديته من أعماقي تاقت روحي لزيارتك يا مولاي منذ طفولتي .. والحمد لله الذي أبقانا لهذه اللحظة وقد هلك عدونا الذي أقصانا عن التزود من نفحات قربك..
أدركت أن أهل البيت في حياتهم وفي مماتهم سفن نجاة ووسيلة توحيد للمسلمين بعيدا عن العرق والقومية، ولعل المقولة الخالدة المروية عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله : " سلمان منا أهل البيت "، ووجود مراقدهم في أرجاء العالم جمع المسلمين على حبهم ووّلد قواسما مشتركة جديدة بعيدة عن الرقعة الجغرافية وتقاليد الجاهلية الأولى من نسب ودم وعشيرة ..
وفي يوم مولده الشريف الحادي عشر من ذي العقدة نبتهل الى الله أن يرزقنا الثبات على مودته ومودة آبائه وأبنائه الأطهار، ولا يحرمنا فيوضات زيارتهم في الدنيا وشفاعتهم في الآخرة .