✍ محمد شرف الدين ||
قال تعالی: «انْفِرُوا خِفافاً وَ ثِقالًا وَ جاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ»
تبين هذه الآية المباركة صور الجهاد وأساليبه، ثم تنص على مفردة قرآنية مهمة وهي " خير لكم " فالخروج في سبيل الله تبارك وتعالى من الأحكام الإلهية التي تعود بخيرها وبركاتها على الإنسان وهو في عالم الدنيا قبل الآخرة، و تقرير هذه الأهمية للجهاد يأتي نتيجة تشكيك بعض الناس حول مسألة الجهاد وما يثيروه اليوم عملاء واذناب المستكبرين والطغاة في البلاد الإسلامية، من شبهات على المستوى النظري والعملي ، ولكنهم تناسوا بأن الحق تبارك وتعالى ينص على أفضلية الجهاد والخروج في سبيل الحق تعالى، هذا بالنسبة إلى النتيجة المترتبة على الجهاد ،
أما نفس الجهاد فقد ذكرت الآية المباركة بعض صوره وأساليبه، ومنها:
** " انفروا خِفافاً وثقالاً ..."
فلهاتين الکلمتين المتقابلتين "خِفاف" و"ثِقال"، مفهوم شامل وواسع يستوعب جميع حالات الإنسان من بينها: متزوّجون أم عزّاب، فقراء أم أغنياء، مشاة أم راکبون، معيلون أم غير معيلين، أصحاب تجارة أم أصحاب زراعة.
فكيف ما كنتم فعليكم أن تستجيبوا لدعوة الداعي إلی الجهاد، و أن تنصرفوا عن أيّ عمل شغلتم به، و تنهضوا مسرعين إلی ساحات القتال، و في أيديكم السلاح.
فلا ينبغي للمرء أن يضع العصي في الدواليب أو يختلق الأعذار، «انْفِرُوا خِفَافًا وثِقَالاً»؛ (المشاکل الحياتية لا تشکّل أعذاراً للتخلّف عن الجهاد).
وعليه يظهر أن الأمر في الآية مطلق لا يأبی التقييد بالأعذار التي يسقط معها وجوب الجهاد كالمرض و العمی و العرج و نحو ذلك فإن المراد بالخفة و الثقل أمر وراء ذلك. طبعا هذا في حالة الوجوب العيني.
** " جاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ "
هنا يبين الحق بعض أساليب الجهاد جهادا مطلقا عاما من جميع الجهات، لأنّهم كانوا يواجهون عدوّا قويّا مستكبرا، و لا يتحقق النصر إلّا بأن يجاهدوا بكل ما وسعهم من المال و الأنفس.
فالدين أغلی من المال والنفس، فکلّ شيء فداءً للدين، أموالنا وأرواحنا. لاحظ أنّ الآية الکريمة تقول: «بِأَمْوَالِكُمْ وأَنْفُسِكُمْ»، ولم تقل: "أموالكم أو أنفسكم".
و لئلا يتوهّم أحد أنّ هذه التضحية يريدها اللّه لنفسه و لا تنفع أصحابها، فإنّ الآية تضيف قائلة: ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ. أي إن كنتم تعلمون بأنّ الجهاد مفتاح عزتكم و رفعتكم و منعتكم.
و لو كنتم تعلمون بأنّ أية أمّة في العالم لن تصل بدون الجهاد إلی الحرية الواقعية و العدالة.
و لو كنتم تعلمون بأنّ سبيل الوصول إلی مرضاة اللّه و السعادة الأبدية و أنواع النعم و المواهب الإلهية، كل ذلك إنّما هو في هذه النهضة المقدسة العامّة و التضحية المطلقة.
https://telegram.me/buratha