✍ محمد شرف الدين ||
إِلاَّ تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً وَ يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَ لا تَضُرُّوهُ شَيْئاً وَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
تذكر الاية المباركة نوعين من عواقب ترك النفور والخروج في سبيل الله تعالى ، وهما :
1- " يعذبكم عذاباً أليما"
فقد ذكره الحق تعالى بصغية النكرة ، وقد اخفى تبارك وتعالى نوعية العذاب "عذابا اليما" لما له من وقع وتاثير على المؤمنين ، وقد ذكر بعض المفسرين بعض مصاديقه ، وهذا العذاب قد يكون في الدنيا والاخرة ، ف «إلا تنفروا» للجهاد «يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً» هنا – الحياة الدنيا - و في الأخرى، فهنا تقلبون فتغلبون أما أشبه، و هنالك تعذبون،
وبعبارة اخرى : التنكير – هنا - لتعظيم هذا العذاب، و أنه شديد يتطابق فى شدته مع التثاقل عن الجهاد عند وجوب موجبه و دعوة الإمام الحق إليه، و إطلاقه يفيد تعدده و كثرته، فهو يشمل الغزو من الأعداء، و الذلة، و المهانة و الصغار، هذا فى الدنيا، أما يوم القيامة فنار الجحيم و غضب اللّه، و سخطه، و بعده عنه.
عذاب الذلة التي تصيب القاعدين عن الجهاد و الكفاح، و الغلبة عليهم للأعداء، و الحرمان من الخيرات و استغلالها للمعادين؛ و هم مع ذلك كله يخسرون من النفوس و الأموال أضعاف ما يخسرون في الكفاح و الجهاد؛ و يقدمون على مذبح الذل أضعاف ما تتطلبه منهم الكرامة لو قدموا لها الفداء. و ما من أمة تركت الجهاد إلا ضرب اللّه عليها الذل، فدفعت مرغمة صاغرة لأعدائها أضعاف ما كان يتطلبه منها كفاح الأعداء.
2- " ويستبدل قوماً غيركم "
لا يتثاقلون عند الدعوة إلى الجهاد، لأنهم يتحركون في الحياة من مواقع القاعدة الإيمانية التي تحكم كل تصوراتهم و أعمالهم و علاقاتهم على أساس من وعي المسؤولية أمام اللَّه، في ما يعيشون من محبة اللَّه و خوفه، و بذلك فهم يجدون الحياة، في مفهومهم لموقعها الحقيقي من شخصيتهم، هبة اللَّه التي يملك أمر استمرارها، كما يملك أمر إزالتها من أجل غايات الحياة التي أراد اللَّه لها أن تعيش من أجلها، فليس لهم أن يمتنعوا عما يريده لهم من ذلك كله، لأن الأمر كله بيده، و هذا ما ينبغي لكم أن تعيشوه و تواجهوه و تنتظروه، فلا تعتبروا المسألة مقتصرة عليكم، فلستم أوّل الناس الذين يدعوهم الرسول إلى الجهاد، و لستم آخرهم، بل أنتم مجرد مرحلة طارئة من مراحل المسيرة الإسلامية الطويلة، التي قد تتأثّر بعض الشيء بالمواقف السلبيّة التي يقفها السائرون في الطريق، و لكن ذلك لا يلغيها و لا يجمّدها
وبعبارة أخرى : في هذا المقطع يبين الحق تعالى مصداقاً واحد من مصاديق العذاب الدنيوي للذين لم يخرجوا في سبيل الحق تبارك وتعالى ، وهو عبارة عن عملية الاستبدال ، التي تعتبر من السنن الإلهية في الحياة الدنيوية ، وقد ذكرها الحق تعالى اكثر من مرة منبهاً بها المؤمنين والمسلمين ،
وقد تكون فيها إشارة الى " لا تمنوا علي باسلامكم ... " فان الفرد الذي يؤدي التكاليف الإلهية لفترة من الزمن فقد يصيبه العجب او غيره وتتبادر الى ذهنه انه قدم للاسلام والمسلمين ما لم يقدم غيره فيمن على الدين والحق ، فتنطبق عليه هذه السنة الإلهية فيستبدله تبارك وتعالى بغيره ، يقومون على العقيدة، و يؤدون ثمن العزة، و يستعلبون على أعداء اللّه، وحسب التعبير القراني
" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ۚ ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ "
فيكون معيار الاستبدال العلاقة مع الحق تبارك وتعالى واحترام المؤمنين والتواضع لهم والمجاهدة الكفار .
جعلنا الله واياكم ممن ينتصر به لدينه ولا يستبدل بنا غيرنا .
https://telegram.me/buratha