رياض البغدادي ||
مختصر تفسير الآيات (١٢-١٦) من سورة (المؤمنون)
بسم الله الرحمن الرحيم « وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ . ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ . ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ ۚ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ . ثُمَّ إِنَّكُم بَعْدَ ذَٰلِكَ لَمَيِّتُونَ . ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ »
لمّا أمر الله تعالى بالعبادات في الآيات المتقدمة لابد من بيان صفة الخالق ، لأن الإشتغال بالعبادة لا يصح من دون معرفة ، والآيات أعلاه تفتح آفاق النظر في تقلب الإنسان في أدوار الخلقة وأكوان الفطرة وهي :
1. قيل أن السلالة هي من أسماء آدم وقيل ان الإنسان هو آدم حيث إستله الله تعالى من الطين وقيل أن الإنسان هو آدم وذريته وإن كان أصل الذرية من المني إلا أنه ينشأ من الأجزاء الطينية المبثوثة في أعضائه، وقيل أن أصل المني هو الطعام الذي يتغذى عليه الإنسان من نبات وحيوان، الذي هو الآخر من اصول نباتية ،فيكون بالحقيقة أن كل انسان هو بالضرورة من أصل طيني .
2. ( ثم جعلناه نطفة في قرار مكين ) أي جعلنا جوهر الإنسان نطفة في أصلاب الآباء والرحم هو المكان المكين أي الجاهز لإستقرار النطفة وإستمرار نفعها .
3. ( ثم خلقنا النطفة علقة ) أي حولناها الى دم جامد .
4. ( فخلقنا العلقة مضغة ) أي جعلناها قطعة لحم بمقدار ما يمضغه الإنسان في طعامه .
5. ( فخلقنا المضغة عظاماً ) أي صيرناها عظما .
6. ( فكسونا العظام لحماً ) لأن اللحم يكسو العظم ويستره فجاء لفظ الكسوة .
7. ( ثم أنشأناه خلقاً اخر ) أي جعلناه مختلفاً عن أصله الطيني فصار سميعاً بصيراً ناطقاً ،وأودع الله تعالى في كل عضو من أعضائه بدائع خلقه وقدرته وقوله تعالى ( فتبارك الله ) لفظ البركة تدل على الزيادة والإستمرار بالإمداد والعناية ،وقيل تبارك تعني الثبات والدوام وفي قوله ( أحسن الخالقين ) أقول :
الآية تقتضي كون العبد خالقاً ،لأنه لو لم يستحق صفة "خالق" غير الله ، لما قال "أحسن الخالقين" .. اليس الانسان قادراً على خلق الكلام ؟
لكنَّ مَنْ ظنَ أن العبد خالقٌ مستقلٌّ ،كما يتوهم البعض ،فالله أجابهم بأن الله أحسن الخالقين .
- وأما الحسن فيُحمل على الإحكام والإتقان في التركيب والتأليف .
8. ومن مراحل الخلقة هي الموت الذي هو إعدام الحياة والبعث الذي هو إعادة مايفنيه وهما أمران يشيران الى القدرة التي لا تقتصر على الإنشاء والإختراع. وهنا أسئلة :
- مالحكمة في الموت .. فلو إنتقل العبد الى نيل ثوابه مباشرة كان الإنعام أبلغ ؟
وجوابه أن العبد إذا نال ثوابه ، لكان عمله من أجل الثواب لا من أجل الطاعة .
- الآيات تدل على نفي عذاب القبر لأنها تتحدث عن الموت والإحياء ولا ذكر لمرحلة القبر وحياة البرزخ ؟ وجوابه : أنه ليس في ذكر الحياتين نفي للحياة البرزخية وإن كان فيها كلام بين العلماء بين مثبت ونافٍ لها .
لطيفة لغوية
ظهر العطف في الآيات تارة بـ ( ثم ) وتارة بـ ( الفاء ) وقد قيل في وجه ذلك أن ما عطف بثم يشير الى البعد الزماني وأما العطف بالفاء فيأتي عندما لا يكون هناك فارق زماني كبير .
ـــــ
https://telegram.me/buratha