د. نعمه العبادي ||
إن إرتكازاً وجدانياً عميقاً لدى كل بني البشر، حتى الذين يسمون أنفسهم بالملحدين أو اللادينيين، يؤكدُ وجودَ حقيقة قطعية ولازمة الوقوع، تتجاوزُ حدود سياق الاحداث المنظورة، وتقعُ في نقطة ما من المستقبل (القريب أو البعيد) ، وهي الوحيدةُ القادرةُ على احداث تغيير شامل وكامل، يبسطُ العدلَ بصورة متساوية، ويتغلبُ على كل أشكال الفرعنة، وهذه الحقيقة ترتبطُ بأسباب غير منظورة وغير مفسرة، ومن المنطقي، ان يكون وراء تحقيقها قيادةٌ متفردةٌ تملكُ من الصفات والخصائص ما يمكنها من القيام بهذه المهمة، وهذا الأمل بمثابة (خيط النجاة) الذي يسحبُ حركة الحياة بمجملها العام، ويحصنُها من السقوط في دوامة اليأس والانكسار جراء تسيّد صوت الظلم وعجز ادوات الاصلاح والتغيير أمامه، وكلما خفتَ هذا الارتكاز او قلتْ جذوتُه، ذهبَ الناسُ إلى فكرة التماهي والتصالح مع الظلم والانحراف والخطأ، وتنازلوا تدريجياً عن حقهم في العيش بكرامة، وكلما عادَ إلى الاتقاد خلقَ ألف صوت وصوت للرفض والممانعة، لذا تسعى كلُ اتجاهات الظلم والفرعنة والزلل بكل ما تستطيع إلى إيهام الناس إما بتضليل شعورهم تجاه هذه الحقيقة أو عقلنتهم بعدم جدوى انتظارها والتمسك بها.
هذه الحقيقة تقعُ في طول الرجاء والأمل بالله سبحان وتعالى، وهي أحدى تجلياته العملية، وإن جحودها او الزهد بها يساوي القنوط، وهو ما ورد اللعن الشديد بشأنه، إذ جاء في الروايات متواتراً: "ملعون ملعون من يقنط الناس من رحمة الله" ، كما انها، لا تتضمن مفهوماً إتكالياً، ولا تنزعُ المسؤوليةَ من الافراد في كل لحظة، ولكنها أكسير منشط وفعال يعين الناس على تحمل التحديات والتوجه لتغييرها، وإزالة الانحراف والزيغ، وإن هذه الجهود المبثوثة في طريقها مقدمات ضرورية لتحقيقها.
ولما كانت هذه الحقيقة غير مشخصة بصورتها الدقيقة لدى جمع من البشر (ممن لا يؤمن بالسلسلة الذهبية) أو انها تنطبق على اكثر من صورة بظن البعض، زحفَ الدجالون والمشعوذون والنفعيون والمغرضون الى عقول هؤلاء ونفوسهم عبر انفاق التضليل والتزييف، ليتقمصوا رداء المهدوية والانقاذ، وليطرحوا انفسهم او اسيادهم كممثلين لهذه اللحظة المقدسة، وكلما قصّر اهلُ المعرفة والبصيرة عن دورهم، سنحتْ الفرصةُ بشكل اكبر لزمرة المضللين للعب دور اوسع في الحياة، وهو ما يطبع لحظتنا الراهنة التي تشهد في كل يوم بدعة مهدوية، الأمرُ الذي يوجب على كل مستطيع فضحَ هذه الدعوات الموهمة والمضللة، التي تستهدف تضييع واهدار اغلى ما يملكه الناس من مصادر القوة لتجاوز مصاعب الحياة بنجاح، وهي الأمل الوحيد الذي يعيننا على مواجهة كل صور الظلم والطغيان والانحراف.
https://telegram.me/buratha