السيد محمد الطالقاني ||
تعتبر الإنسانية من أعظم خصائص الدين الاسلامي , حتى نجد انها تحتل مكانة عالية في تشريع الله سبحانه وتعالى .
فقد وضع الله سبحانه وتعالى للإنسان مكانة عظيمة في الدين الاسلامي؛ بل تكاد كل عقائد الدين الاسلامي, وأحكامه, وأهدافه, مسخرة من أجل إسعاد الانسان والعناية به وبحقوقه.
ولعل من أبرز دلائل مكانة الانسان في الدين الاسلامي , أنّ أول ما نزل من آيات القرآن على رسول الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم, هي خمسُ آيات من سورة العلق ذكرت كلمة "الإنسان" في اثنتين منها، ومضمونها كلها العناية بأمر الإنسان, حيث قوله تعالى {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ}.
لقد كرم الله سبحانه وتعالى الإنسان, بان جعله خليفته لذاته المقدسة في الأرض وعمارتها، وهيأه بالعلم والعقل الذي فوق به على الملائكة .
ولم يقتصر الأمر الإلهي باختيار الإنسان خليفة في الأرض، بل تأكد ذلك في السماء والجنات العلا، واقترن بالفعل والتطبيق، وأعلن الله تعالى ذلك في الملأ الأعلى بإرادته عن خلق ادم، واتخاذه خليفة، وسجل ذلك في اللوح المحفوظ، وأنزله وحياً يتلى على البشر، ثم أمر الله تعالى الملائكة بالسجود لادم تعظيماً، واحتراماً له؛ لأنّ الإرادة الإلهية تعلقت باختياره.
وقد اختار الله تعالى الصفوة من بني الانسان, ليكونوا القدوة في كل شيء, فجعلهم انبياء, ورسل, وائمة, وهداة.
ومن اولئك الصفوة الامام علي عليه السلام, الذي رسم للاجيال السياسة الحقة, والتي كان هدفها احترام الانسانية, وتحرير البشرية من كافة القيود والعبوديات, فكانت حكومته هي الحكومة الإلهية المطلقة والوحيدة التي أرست العدالة الاجتماعية بعد حكومة الرسول الأكرمصلى الله عليه وآله وسلم.
فالقيمة عند الإمام علي عليه السلام كانت للإنسان, الذي يمثل هدف الحياة؛ وبالتالي فإن كل موارد الحياة هي في خدمته، وتدور في إطار حياته الأخلاقية والاجتماعية.
لقد تمثلث كل معاني الانسانية في شخصية الامام علي عليه السلام , كأقوى ماتكون عليه الانسانية, حين تتركز العفة بالنفس, والاخلاق, والشفافية العالية في التسامح , وهذه الانسانية والشفافية العالية تجدها مع الفقراء والضعفاء والمساكين.
ولقد كانت حياة أمير المؤمنين عليه السلام زاخرة بأمثلة عديدة من التعامل الانساني مع الآخر, في مختلف الاوضاع والظروف، فهي أفضل مثال وقدوة تحتدى، خصوصاً ونحن نستعيد هذه الأيام ذكرى ولادته الشريفة.
ان حضور هذا البعد في حياته، هو الذي جعل من شخصيته، شخصية انسانية خالدة على مستوى البشرية كلها، وليس في تاريخ المسلمين وحدهم.
وقد تجسدت الانسانية بقوله عليه السلام:
"اللهم إنك تعلم أنه لم يكن الذي كان منا منافسة في سلطان ولا التماس شيئ من فضول الحطام، ولكن لنرد المعالم من دينك ونظهر الإصلاح في بلادك، فيأمن المظلمون من عبادك وتقام المعطلة من حدودك، اللهم إني أول من أناب وسمع وأجاب ولم يسبقني إلا رسول الله بالصلاة"
أما أروع صور الحالة الانسانية في حياة الامام علي عليه السلام , فقد تجلت في الساعات الاخيرة من حياته الشريفه، كانت مع الرجل الذي ضربه بالسيف وهو في محراب صلاته,فقال عليه السلام للناس: انظروا إذا أنا مت من ضربته هذه, فاضربوه ضربة بضربة، ولا تمثلوا بالرجل.
هكذا هي القيم الانسانية والاخلاقية المثالية التي تحلى بها الاسلام الاصيل , والذي يحاول الاستكبار العالم من تشويه هذه الصورة الجميلة من خلال تهيئة جماعات تكفيرية مسلحة باسم الاسلام, مهمتها قتل النسل والحرث في البلاد الاسلامية , من اجل بقاء تلك الدول تحت سيطرة القوى الاستكبارية من خلال سلاح العولمة الذي ترفع أمريكا رايته اليوم لتضع العالم كلّه تحت سيطرتها وسلطانها.
واننا اليوم ونحن نعيش عصر الفتن والاضطرابات السياسية, يجب على
على كل المتصدين للعملية السياسية, ان ياخذوا دروساً من المنهج الإنساني الذي كان يتصف به امير المؤمنين عليه السلام , لمعالجة كل الأزمات التي تتعرض لها الامة يوميا .
وليرجعوا الى احسابهم وانسابهم ان كانوا مسلمين ,كما يدعون , فلقد حل الوباء الذي لايعرف صديقا ولاعدوا, ولاكبيرا ولاصغيرا, ولارجلا ولاامراة,ولاشابا ولاكهلا, ولاعالما ولافاسقا, فالموت اليوم يتخطف الناس دون ان يشعروا به, فاستعدوا لمواجهته ايها السياسيون بنكران الذات, والرجوع الى قيم الامام علي عليه السلام بنصرة المساكين والمستضعفين , فانها الفرصة الاخيرة لكم .
https://telegram.me/buratha