ضحى الخالدي ||
كانت ولما تزل لمولاتنا الزهراء عليها السلام أعظم المكانة وأجلّ المنزلة في ضمير وفكر وأدبيات وسلوك الإمام الخميني رضوان الله تعالى عليه؛ وتجلّت هذه المرتبة عملياً في الأهمية التي أولتها الثورة الإسلامية لدور المرأة في المجتمع استلهاماً من انموذج سيدة نساء العالمين عليها السلام، والدور الذي لعبته في صدر الرسالة المحمدية حتى استشهادها؛ هذا فيما يتعلق بالفهم الظاهري لمكانتها ودورها.
أما من الناحية الباطنية فإن الإمام الخميني وصف سيدة النساء بأنها التجلّي الملكوتي والجبروتي، وأنها حازت فضائل جميع الأنبياء والأولياء الذين سبقوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سوى مقام النبوة والإمامة والحاكمية، وليس هذا انتقاصاً لمكانتها كونها امرأة.
كان رضوان الله تعالى عليه يرى أعظم مآثرها في استمرار نزول جبرائيل عليها مدة خمسة وسبعين يوماً ما بين استشهاد الرسول الأعظم واستشهادها؛ حيث كان يؤنسها ويحدّثها بالحادثات الواقعة بعد استشهاد أبيها صلوات الله عليه وآله [ومن المعلوم أن نزول الوحي بالقرآن الكريم قد انقطع باستشهاد الرسول الأعظم وهو من مختصاته] إلا أن كونها محدّثةً من الملائكة لا سيما الأمين جبرائيل يعتبر أعظم مناقبها لأنه من مختصات الرسل من أولي العزم كما يرى الإمام الخميني، وقد كان أمير المؤمنين عليه السلام كاتباً لهذا الوحي الجبرائيلي للزهراء في ما يعرف بصحيفة فاطمة كما كان كاتباً للوحي [قرآناً وحديثاً قدسياً] في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
وقد يعترض معترض على حديث الملائكة مع الزهراء وهي سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين؛ في حين هو يتلو آيات القرآن الكريم آناء الليل وأطراف النهار ليجد الملائكة حدّثت سيدتنا سارة زوج أبي الأنبياء إبراهيم عليه السلام "أوَتعجبين من أمر الله رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت" وحدّثت الملائكة سيدتنا أليصابات أم سيدنا موسى عليه السلام "ولا تخافي ولا تحزني إنّا رادّوه إليكِ وجاعِلوه من المرسلين" وحدّثت الملائكة سيدة نساء عالمها مريم العذراء "إنما أنا رسول ربكِ لأهبَ لَك غلاماً زكياً"
فلا عجب من حديث الملائكة مع أم أبيها؛ إنما هو قصور لدى الناظر في هذا الأمر، ولذلك كان الإمام الخميني يرى أنه من غير الممكن الإحاطة بالزهراء علماً أو الحديث عنها.
إن الإمام الخميني كان يرى في كوخ الزهراء عليها السلام الذي سقفه عرش الرحمن مصنع أئمة الهدى ومعدن الرحمة، ومن هذا اليقين كان يرى أن المرأة شريك القرآن في صناعة الرجال، ويعبّر عن حضنها بأنه منطلق كل السعادات.
قيادة الزهراء لأولى التظاهرات النسوية في صدر الإسلام احتجاجاً على ظليمة سيد الأولياء عليه السلام وغمط حقها في فدك كانت المثال الذي يُحتذى والأسوة التي يقتدى بها حين شاركت النساء المتدينات في الثورة ضد النظام الشاهنشاهي البائد، وحين استبسلن وناضلن حد الاستشهاد ضد النظام البعثي المقبور.
وبعد انتصار الثورة الإسلامية جعل الإمام الخميني رضوان الله تعالى عليه يوم مولد الزهراء عليها السلام من كل عام عيداً للمرأة المسلمة، وسُنَّت القوانين التي تحفظ للمرأة كرامتها في ظل نظام الجمهورية الإسلامية حسب الشريعة السمحاء والفقه المتجدد الحي دون الجمود على النصوص والاجتهادات التي تغلّفت ببيئة الأعراف المتوارثة، فكانت الجرأة والحقانية في منح المرأة حقوقها بإزاء أداء واجباتها تجاه أسرتها ومجتمعها ودولتها، بل والعالَم أجمع لأن الثورة الإسلامية هي الانموذج الممهد لدولة العدل الإلهية العالمية، فأرست ثوابت جديدة في ميزان بناء الدولة الذي يعد المنطلق لبناء الحضارة؛ الحضارة التي تكون المرأة فيها فاعلةً غير منفعلة، إيجابيةً لا سلبيةً؛ قائدةً لا مقودةً تشارك أخاها الرجل مسيرته بالعدل مشاركة النِّدّ للنِّدّ على ما أنزل الله تعالى وشرّع من خلال الفهم القرآني والثقافة القرآنية.
ولست هنا بمعرض المدح والثناء للشعب الإيراني ونهضته [وهو يستحق أكيداً] إنما أنا في معرض الإنصاف وتسليط الضوء على نجاح التجربة الإسلامية الثورية في تأسيس الحضارة الانسانية التي أتاحت للمرأة المشاركة الفاعلة لا بل ومن مستوى القيادة في شتى المجالات اقتداءاً بتجربة امرأة واحدة هي الزهراء عليها السلام بأبي هي وأمي، ومن بعدها ابنتها العقيلة زينب وأمها خديجة الكبرى وبقية نساء الرسالات السماوية عليهن السلام، لتصنع الثورة أمةً بامتداد وجود الانسان الحُر على مختلف الأديان والمذاهب والقوميات: في إيران، العراق، لبنان، سوريا، اليمن، فلسطين، البحرين، أفغانستان، كشمير، البوسنة، نيجيريا، وحتى فنزويلا.
نعم إنه الرجل الواحد الذي أصبح أُمّة.. أُمّة روح الله.
https://telegram.me/buratha