أمل هاني الياسري||
وثيقة عظمى في مسار الحقيقة المحمدية، التي إكتملت بتمام النعمة وإكمال الدين، بولاية علي (عليه السلام) وتواتر أبنائه على خلافة المسلمين، وتأسست على أيديهم أركان النظرية الإسلامية، إنها خمسون حقاً، تمثل مجموعة من القواعد، والأسس، والضوابط، تشكل بمجموعها منظومة متكاملة، يراعي فيها الناس بعضهم بعضاً، وتأتي هذه الحقوق في إطار الفرد الواحد، بدءاً من الدائرة الضيقة، (الزوج، والزوجة، والأبناء، مروراً بالعشيرة وحتى المجتمع)، وأساس وثيقة الحقوق للإمام علي زين العابدين (عليه السلام)، هو الكرامة الإنسانية.
السجاد علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام)، الإمام الذي كان شاهداً على واقعة الطف الأليمة، حيث لم تنتهِ في العاشر من محرم سنة (61) للهجرة بل بدأت منه، فأيام يزيد الطاغية ومَنْ جاء بعده، تتطلب من الإمام المعصوم حفظ الدين والعقيدة، لأن الوثيقة التي كتبها الإمام زين العابدين، كانت مستوحاة من مسيرة الإصلاح، التي سعى إليها والده الحسين (عليه السلام)، لكن وثيقة السبط ناطقة بالدم والعطاء، أما ولده السجاد فكانت ناطقة بالحقوق.
طبيعة الظروف التي أحاطت بالإمام زين العابدين (عليه السلام) جعلته يركز على الموازنة بين إحياء القضية الحسينية، حتى عرف أنه من ضمن البكائين الخمسة، والذي قضى حياته حزناً وألماً على مصيبة كربلاء، حيث عاشها بدقائقها الجسام والمرض حالَ بينها، فرُفِعَ رأس والده الشهيد وعمه وإخوته على أسنة الرماح، وبين تعبئة الأمة عبر معرفة حقوقها العبادية، والإجتماعية، والسياسية التي بدأت الأمة بفقدانها، لأنها ولّت أمرها لمَنْ لا يستحق، ففي أيامه كل أرض كربلاء، وكل يوم عاشوراء.
رابطة مقدسة بين العرب والعجم، ساقها العلي القدير سيدة جليلة، كشاه زنان(ملكة النساء أو سيدة النساء)، لتتزوج الإمام الحسين عليه لتنجب علي زين العابدين، وهي بذلك والدته وجدة الأئمة الأطهار(عليهم السلام)، فهي سيدة مرضية ولدت خير أهل الأرض بعد أبيه الحسين، ومن سيد الساجدين إستمر نسل البيت العلوي، فكانت هذه الرابطة زيادة للألفة، ومحواً للفرقة، وتقارباً للناس، وكان وليدها السجاد أهم سبب لبقاء الإسلام، بسبب وثيقته الناطقة بالحقوق، لتشكيل منظومة إسلامية عالمية شاملة لحقوق الإنسان.
الإمام السجاد (عليه السلام) اختار الصمت ولجأ الى العبادة؛ لأنها لغة العظماء، وهي مؤشر على النضوج العقلي والحكمة والخبرة الحياتية، فهو قد عاش في زمن الضلال الأموي، لذا وجد في وثيقة الحقوق العبادية العظيمة، مخرجاً لبيان أحكام الدين، والحفاظ عليه من البدع والإنحراف الأموي البغيض، فكانت طاقة إيجابية للمؤمنين الموالين، بأن احيوا أمر المنظومة الفكرية لمذهب أهل البيت (عليهم السلام) وإحياء مظلوميتهم، وبذلك حافظ زين العابدين (عليه السلام) على سلامة الأوطان وبناء الإنسان معاً.
ثنائية الدفاع عن حق الإمامة، والحفاظ على وحدة المسلمين، كان يتطلب من الإمام السجاد (عليه السلام)، مواجهة حقوقية وإعلامية، وليست مواجهة مسلحة مع بني أمية، فأشاع بين الأمة أن الإستعباد يعطل الطاقات، وأن كرامة الإنسان وحريته هما مَنْ يصنعان الإنتصار، فكانت وثيقته ذات الخمسين بنداً، من أهم الوثائق التي تؤكد على حقوق الإنسان، وتنظيم حياته مع نفسه، ومع ربه، ومع الآخرين، وصولاً للمجتمع الأمثل، فمنحت الباحثين دروساً عظيمة، ما تزال تنهل منها الأجيال حتى يومنا هذا.
https://telegram.me/buratha