الشيخ خيرالدين الهادي||
الاختبار سنة كونية فكل بني آدم يعترضه الاختبار, وليس بالضرورة أن تكون الاختبارات في العسرة؛ بل قد يقع في اليسرة, ولعل الاختبار في اليسرة أقسى منه في العسرة, ففي اليسرة عادة يعيش الانسان نشوة الراحة وينشغل بما بين يديه من الابتلاء كما كان قارون الذي طغى وتجبر بعد أن كان صوته الحنون يدوِّي مسامع الناس وهو يناجي الله ربه, فلما ابتلاه الله بالمال فشل في الشكر فأصبح في الاذلين, وفاته التوفيق الذي ينبغي أن يكون مقترناً بالطاعة والولاء, وهكذا سقط أيضاً في فخ السلطة والجاه مروان بن الحكم الذي بُشِّر بالخلافة وكان قارئاً ملازماً للقرآن فقال له هذا فراق بيني وبينك.
إن مما ينبغي ان ندركه جميعا هو أن الابتلاء رحمة فلو لم تكن بعين الله لما وقعتَ في الاختبار, ولمّا أصبحت في عين الله فكل ما يكون من الله فهو من رؤوف رحيم وقد أحاط بكل ما يتعلق بنا وليس من العدالة أن يكلَّفنا ما لا نطيق, وعلى هذا فان كان حملك مثقلٌ بالبلاء فاعلم أن المؤمن مبتلى, وهذه اشارة إلى أن المؤمن قد يبتلى أكثر من الآخرين؛ ومع كل صنوف البلاء ينبغي أن نثق بالله تعالى فهو القائل: (فإن مع العسر يسراً إن مع العسر يسرا) والآية تشير إلى أن مع كل عسرٍ يسرين؛ لان العربية تفيد بأن تكرار النكرة دلالة على شيئين فلو قلت: قابلت رجلاً وأكرمت رجلاً , بمعنى أنك قابلت رجلاً وأكرمت رجلاً غيره, واما المعرفة فتكرارها يفيد الدلالة على الواحد, فلو قلت: قابلت الرجل وأكرمت الرجل, فان ذلك يفيد أنك قابلت وأكرمت الرجل ذاته فقط, لذلك فقول الله تعالى: (فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسراً), يفيد وجود يسرين مع كل عسر, وهذه من أبهى صور العناية الالهية بخلقه, فالله تعالى مع غناه عن الخلق إلا إنه يحب خلقه كثيراً ويحب أن يراهم متوجهين إلى ربهم صابرين على بلاه في العسر واليسر .
وعلى هذا فإن فلسفة الابتلاء ليس لغرض عبثي, والله تعالى يستطيع أن يجعل الجميع في راحة تامّة دونما عناء أو نصَبٍ؛ ولكن رحمته اقتضت وجود الاختبار لتمييز الصابرين عن غيرهم, وجعل منازلهم على قدر تحمُّلهم, لذلك نجد الأولياء يسألون الله صعوبة الدنيا ومشقتها إن كان في رضا الله تعالى ومعرض الابتلاء, كما كانت الحوراء زينب في رمضاء كربلاء, إذ توجهت إلى الله تعالى وقالت: إن كان هذا يرضيك فخذ حتى ترضى, وصبرت حتى قيل عنها أنها جبل الصبر عند البلاء, ولذلك فان الانسان ينبغي أن يكون في المحنة على قدر المسؤولية ولا يخرج عن صوابه فيكفر فيكون مستحقاً للسخط بعد أن فشل في الابتلاء, وتبقى الدنيا بكل ما فيها من اللذة والشقاء عرض زائل قابل للفناء.
https://telegram.me/buratha