هل تعتقد أن مبايعة الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه يمكن أن تتحقق باللسان وبمقدار من مسحة في الاعتقاد؟
أم أنها تحتاج إلى ما هو أعمق من ذلك؟
لو تأملت في حراك التاريخ والتجربة التاريخية لقضية الغدير لعرفتم أن حجز مقعد الولاء الصادق والحفاظ على القدم الثابت ليس أمراً هيناً أبداً، بل هو من الأمور التي تحتاج إلى الكثير الكثير من الجد والعمل لإحراز ذلك لكثرة ما تهاوت القلوب وسقطت الأسماء التي كان لها رنينها الخاص دون ذلك، ولكثر ما أدبرت الأعقاب وولت الأنفس اللامعة الأدبار في ثنايا هذه القضية، ولن أسهب في ذلك وإنما سأشير إلى مشاهد مألوفة من شأن تأملها أن تكشف لنا مذابح الانحراف العظيمة وفجائع الارتداد المريرة، وأترك لكل واحد أن يتلمس بشجاعة ومسؤولية مواطن الولاء وثبات الموقف الخاص به.
ففي قضية الغدير ثمة مفارقة يجب أن تحظى بالإنتباه الشديد وأن تثير في مكامن البصيرة الحذر الأشد، وتحفز في القلب كل صور الإتعاظ والاعتبار..
وهذه المفارقة كمنت في المحطات الأخطر في مسار التأريخ الذي أنتج أعظم آلامنا وأفجع رزايانا، وسأضعك أمام الحقائق المريرة التالية، ولك أن تستنتج بعدها ما هو المطلوب في بيعة الغدير وكيف يحيى أمر الغدير ويعصم من الاغتيال؟
هل تعلم أن كل الذين صنعوا رزية الخميس ورفضوا ان يكتب الرسول الاعظم بأبي وأمي لهم كتابا لو تمسكوا به لا يضلوا أبداً كانوا قد هنأوا الأمير عليه السلام في يوم الغدير؟ وهل تعلم أن كل الذين نسجوا خيوط سقيفة بني ساعدة التي غدرت بالغدير كانوا قد هنأوا الأمير عليه السلام في يوم الغدير؟ وهل تعلم أن كل الذين هاجموا بيت الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء صلوات الله عليها سبق لهم أن هنأوا الأمير عليه السلام في يوم الغدير؟ وهل تعلم أن كل الذين اقتادوا الأمير عليه السلام مكتوفاً من بيته الى محل غدر الغدير كانوا قد هنأوا الأمير عليه السلام في يوم الغدير؟ وهل تعلم أن الغالبية العظمى من صنّاع يوم المصاحف الصفينية كانوا قد هنأوا الأمير عليه السلام في يوم الغدير؟ وهل تعلم أن قاتل الأمير عليه السلام في محرابه كان قد أعلن ولاءه للغدير؟ وهل تعلم أن الغادرين بالإمام الحسن عليه السلام هم من سبق لهم أن أعلنوا الولاء في يوم الغدير؟ وهل لك أن تنظر الى مجتمع خذلان مسلم بن عقيل عليه السلام وقد كان ممن يحتفي بالغدير؟ لن أسرد لك المزيد، ولكن سأذهب بك إلى المستقبل المنتظر ولتسمع من الذين كانوا يحتفلون في يوم الغدير وهم يخاطبون الإمام المنتظر روحي فداه: ارجع يابن فاطمة لا حاجة لنا بك! ولن يكتفوا بذلك وإنما سيقاتلونه بأبي وأمي من بعد ذلك!!
حتى تعرف حجم القضية تأمل بهذه الرواية وضع نفسك أمام صورتها فماذا ستجد؟
يروي أبو بكر الحضرمي عن الإمام الباقر عليه السلام في حديث صحيح أنه قال في شأن الوفاء ببيعة الغدير: ارتد الناس إلا ثلاثة نفر: سلمان وأبو ذر والمقداد قال: قلت: فعمار؟ قال: قد كان جاض جيضة ثم رجع، ثم قال: إن أردت الذي لم يشك ولم يدخله شئ فالمقداد!. (اختيار معرفة الرجال: ٥١ ح٢٤) وجاض: أي عدل ومال.
وقد كان من شدة جاهزية المقداد بن الأسود الكندي رضوان الله عليه ونفاذ بصيرته أن الأمير حينما استنصر المبايعين للوفاء للغدير وأبدى بعضهم الاستعداد لذلك قال لهم: اذن آتوني غداً محلقين، فلم يأت إلا هؤلاء الثلاثة، وتميز المقداد أنه رفض الذهاب إلى بيته وبقي مرابطاً في باب الأمير صلوات الله عليه خشية تفويت أي حق من حقوق الغدير.
حقيقة لا يمتلك القلب إلا أن يرتجف وهو يرى مثل عمار بن ياسر وأمثاله يتلجلج في الوفاء، ولا يجد المرء بعد العمل الجاد والحرص الصادق إلا أن يستغيث بصاحب الأمر صلوات الله عليه كي لا نطرد من مائدة الغدير ولا نحرم من زادها، فلا ماء زلال بعدها، ولا رواء في صحراء الافتراق عنها، ولا حول ولا قوة الا بالله
https://telegram.me/buratha