السيد محمد الطالقاني ||
ان مسيرة الامام الحسين (عليه السلام) من الحجاز الى العراق تعتبر من أهم الحوادث التاريخية التي ينبغي أن تُدرس بدقة و إمعان ، وذلك لما تحمل هذه المسيرة في طياتها الكثير من الحوادث و الوقائع و اللقاءات و المراسلات و الدروس و العبر التي يجب ان يستفاد منها كل القادة والزعماء والمتصدين للعملية السياسية في كل زمان ومكان.
فبعد ان رفض الإمام الحسين (عليه السَّلام ) باعتباره وريث الرسالة، وحامل راية القيم السّامية التي أوجدها الإسلام في الاُمّة وأرسى قواعدها, البيعة ليزيد بن معاوية رفضاً قاطعاً, خرج (عليه السَّلام ) من مدينة جده رسول الله (ص) قاصداً مكة المكرمة, متخذا قرارا ثوريا بازاحة الظلم والفساد عن الاُمّة التي فقدت ارادتها نتيجة تسلّط المنافقين ونفوذهم في أجهزة الدولة, الامر الذي سبب تراخي وفتور الاُمّة عن نصرة الحقّ.
فكانت مكة محطة الانطلاقة الاولى لمسيرة الاصلاح الحسيني تجاه الانحراف المستشري في كلّ مفاصل الدولة، وتجاه التغيير الحاصل في بنية الاُمّة الإسلاميّة, وهي محطة توقف فيها الامام (عليه السلام) مدة من الزمن, ولم تكن في نيته البقاء فيها, لانه كان يعلم أن بيئة مكة غير ملائمة لاتخاذها مكاناً لثورته ضد الحكم الأموي, لأن أكثر الناس الموجودين في مكة لم يكن هواهم مع الإمام الحسين (عليه السلام) , بل كان هواهم يميل إلى الأمويين.
وهناك توافدت على الامام الحسين (عليه السلام) وفود من أهل الكوفة ورجالاتها, وكان (عليه السلام) بشرح لهم أهداف مسيرة الاصلاح ودوافعها, فأعلنت تلك الوفود موالاتها للإمام الحسين (عليه السلام ) ودعته للقدوم إلى العراق لاجراء التغيير الشامل وازاحة الكابوس الاموي عن صدر الامة.
لذا بعث الامام الحسين (عليه السلام) رسوله وسفيره الى العراق مسلم بن عقيل (عليه السلام) من اجل التمهيد لوصوله الى العراق .
اما الحزب الاموي فكان يخطط لاغتيال الامام (عليه السلام) وجعل توقيتها في موسم الحج. لكن الامام الحسين (عليه السلام) فوت هذه الفرصة عليهم بخروجه قبل وقت التنفيذ, فخرج يوم التروية في الثامن من ذي الحجة سنة (60هـ) بالرغم من معارضة عدد كبير من الصحابة والتابعين وبني هاشم لهذا الخروج، لكن الامام (عليه السلام) قد حسم أمره واتخذ قراره بالرحيل إلى العراق لأنه لا يريد أن يكون سبباً في انتهاك حرمة هذه المدينة وبيت الله الحرام.
فغادر(عليه السلام) مكّة حفاظاً على المقدّسات الإسلامية, وكان خروجه في ذلك الوقت الحسّاس من أهم الوسائل الإعلامية ضدّ السلطة الاموية ، فإنّ حجاج بيت الله الحرام قد حملوا إلى أقطارهم نبأ خروج الإمام (عليه السلام) في هذا الوقت من مكّة وهو غضبان على الحكم الأموي، وأنه قد أعلن الثّورة على يزيد، ولم يبق في مكّة صيانة للبيت الحرام من أن ينتهك على أيدي الأمويين.
واليوم نرى مسيرة الاصلاح الحسيني تستكمل على يد المرجعية الدينية العليا في النجف الاشرف, والتي هي بمثابة الامتداد الطبيعي للإمامة, نراها منذ سقوط البعث الكافر في العراق ولحد وقتنا الحاضر رائدة عملية الاصلاح في هذا البلد, من خلال توجيه النصح والإرشاد وكل ما ينفع المسار السياسي فكانت صمام الامان لعدم انجرار البلاد إلى حرب طائفية في تعزيز قيم التسامح ونبذ التطرف والدعوة الى الوحدة الوطنية ومواجهة التحديات الخارجية، لذلك كان دورها بارزا للجميع في مسيرة الاصلاح, بالرغم من معاناتها مع الحكومات المتعاقبة والتي تحمل اسم الاسلام وليس الاسلام الحقيقي
https://telegram.me/buratha