يبدو العنوان صادما لأنه عبارة عن اسم عقيلة الطالبيين، فما هو المغزى من كتابة الإسم؟ هل فعلا تم استخدام الإسم المبارك لهذه السيدة ليشكل صدمة لدى القارئ، حقيقة لم يكن يدور في بالي هذا الأمر، لأني فعلا وقفت طويلا لكتابة عنوان لهذا المقال، فلم أجد أفضل من الإسم عنوان، لأنه يتحدث عنها بصورة مباشرة، ما فعلته طيلة الفترة التي سبقت معركة الطف يوم العاشر من محرم وما تلاه، عندما وقفت أمام يزيد (عليه لعنة الملائكة أجمعين).
مثلت السيدة زينب بنت علي (عليه السلام) أكبر ملحمة تأريخية عرفتها امرأة في تاريخ الإنسانية ما قبل وبعد الإسلام، ذلك إنها شاهدت مصرع اخوتها وأبناءهم، بالإضافة الى ما جرى بعد ذلك من سلب ونهب وحرق للخيم بعد إستشهاد الإمام الحسين (عليه السلام) يوم العاشر من محرم.
شغلت السيدة زينب (عليها السلام) موقعا مهما قبل معركة الطف، من خلال الرمزية التي تحملها من والدتها السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام)، فقد كان جميع من في معسكر الإمام الحسين (عليه السلام) يكن لها الإحترام ويستمع لما تقول، ومع ذلك فقد كانت تتوجس خوفا على إخوتها وخاصة إمامها وأخيها الحسين بن علي (عليهما السلام)، وفي واحدة من لحظات التوجس نجد أن قلبها انقبض عندما حاول (الشمر بن ذي الجوشن عليه اللعنة) استمالة الإمام العباس (عليه السلام) واخوته، ولم يهدأ لها بال الى أن رأت موقف اخوتها من هذه المحاولة البائسة.
يمكن أن نعد السيدة زينب (عليها السلام) أول وزير اعلام في الإسلام، من خلال طرحها لمفاهيم ثورة الإمام الحسين (عليه السلام) في المدن التي يمرون بها، خاصة مع كونهم مكبلين بالأصفاد ويحيط بهم معسكر يزيد (عليه اللعنة) من كل جانب، والتعريف بمظلومية هذا الركب، وماذا يمثلون بالنسبة للإسلام الحقيقي، ويمكن أن نعتبر وقوفها في مجلس يزيد (عليه اللعنة) الطامة الكبرى التي وقعت على حكمه، عندما صدحت بصوتها وهي السيدة المكلومة باستشهاد إخوتها ورجالات أهل بيتها على يدي، حيث كان يتصور بأنها لن تستطيع الرد عليه، لكنه كانت أقوى مما يتصور، ومن أين له التصور فيما يمكن أن تفعله هذه المرأة.
دخلت السيد زينب (عليها السلام) بعد استشهاد أخيها الحسين (عليه السلام) الى ساحة المعركة مهرولة الى جسد أخيها الحسين، وأمام هكذا منظر حيث الجسد الشريف مضرج بالدماء ومقطع بالسيوف، كانت جموع معسكر يزيد (عليه اللعنة) تنتظر منها أن تصرخ أو تشق ثوبها، لكن المفاجأة كانت أكبر منهم، لأنهم قصيروا النظر حيث وضعت يدها تحت الجسد الشريف ورفعته الى السماء قائلة (اللهم تقبل منا هذا القربان) فكانت أول طلقة إعلامية توجهها لمن حولها وهي في أوج حزنها ومحنتها، ومفاد هذه الطلقة بأن الحزن لا يمكن أن يلغي من تفكيرنا المهمة الأكبر ألا وهي تعرية الباطل مهما يمتلك من أدوات البطش والتنكيل.
لم تكتف السيدة زينب (عليها السلام) بذلك، بل مثلت الشخصية الثانية بعد شخصية أخيها الإمام الحسين (عليه السلام)، أخذت تشرح للحاضرين أحقية من قُتلوا ظلما وعدوانا بما ينعم به هذا الدعي ابن الدعي، لأنه وأهله لم يدخلوا الإسلام؛ إلا بعد أن ذاقوا مرارة الهزيمة والإنكسار على يد أبيها (علي بن أبي طالب عليه السلام) في أكثر من موقعة، بالإضافة الى أنها أذلت يزيد (عليه اللعنة) من خلال ممارستها لدورها الإعلامي في التعريف والدفاع عن ثورة الإمام الحسين (عليه السلام)، وتمزيق تلك الهالة التي رسمها لنفسه (يزيد عليه اللعنة) عندما بادرته قائلة: ((الحمد لله الذي أكرمنا بنبيه محمد (ص) وطهرنا من الرجس تطهيرا، إنما يُفتضح الفاسق ويكذب الفاجر، وهو غيرنا يا ابن مرجانة)).
https://telegram.me/buratha