كريم العاقول
منذ خلاص الشعب العراقي من نظامه الديكتاتوري في التاسع من نيسان 2003 وبالطريقة التي جرى بها التغيير كتأسيس خطير في المنطقة اصبح المحيط العربي الرسمي متوجساً من عملية التغيير لاسباب داخلية واخرى خارجية وبات التعاطي مع الواقع العراقي الرسمي الجديد يتم بمبدأ شعرة معاوية وبرؤى قلقة وخطوات مترددة وعلاقات ابتعدت فيها الصراحة والوضوح رغم ان الحكومات العراقية المتعاقبة الاخيرة حاولت تأجيل اتهاماتها لشقيقاتها حرصاً منها على تهدئة العلاقات وتوطيدها واخفاء الاتهامات والمعلومات بالتورط بدعم الارهابيين.القيادات العراقية تتعامل مع ملف العلاقات العربية العراقية بحكمة عالية اضمرت فيها التصعيد والتهديد وطوت فيها صفحة الماضي البغيض كخطوة ايجابية لتعزيز التعاون والتفاهم بين العراق واشقائه العرب الرسميين.تشعر قيادات العراق الجديد ان التقارب والاقتراب من المحيط العربي هو ضمانة اكيدة لجميع دول المنطقة وان التباعد والتصعيد يضر الجميع بلا استثناء ولابد من ايجاد منظومة من العلاقات والتفاهمات بين العراق والدول العربية لكي نبعد اشباح التدخلات والتوجسات والاتهامات وفق انطلاقة جديدة لتأسيس شراكة عراقية عربية مبنية على المصالح الاقتصادية المشتركة وتأكيد التنسيق والتعاون على كافة المستويات ومد جسور التفاهم والتلاحم وعدم التدخل في الشؤون الداخلية.وبين هذه الامنيات والتوجسات غابت المبادرات الحقيقية او اصطدمت بجدار الثقة المهزوز وبقيت العلاقات العراقية العربية رهينة التحالفات الخفية في سياسة المحاور الدولية التي اخذت تقود المنطقة كبديل طبيعي عن سياسة القطبية الثنائية التي كانت تقود العالم اثناء الحرب الباردة وانفراد العالم بالقطبية الواحدة بعد انهيار الاتحاد السوفياتي السابق وترتيب اصطفافات اقليمية في المنطقة.والمبادرة التي قام بها سماحة السيد عمار الحكيم رئيس المجلس الاعلى الاسلامي العراقي بزيارة المنطقة الخليجية مبتدئاً بالبوابة البحرينية والقطرية للانطلاق الى ايجاد علاقات حقيقية مبينة على التعاون الجدي وهي مبادرة حطمت جدار الجمود والركود في العلاقات العراقية العربية من جهة والعراقية الخليجية من جهة اخرى، واستطاعت هذه الزيارات ترميم التصدع الحاصل في جدار الاخوة والمحبة العراقية العراقية.التفاعل العربي والخليجي مع هذه الزيارة يعكس الرغبة العربية والخليجية على ضرورة اعادة العلاقات الى سياقها الصحيح وتطويرها الى المستوى اللائق الذي يرقى الى العلاقات النموذجية والشراكة الحقيقية دون هواجس او مخاوف او تدخلات.ومن الحقائق الذي ادركها الجميع بان العراق لم ولن ينفصل عن محيطه العراق وهذا المحيط لم ولن يتخلى عن العراق ودوره الريادي في المنطقة واي تأزيم او تحجيم في هذه العلاقات يفسح المجال لتقاربات عراقية اقليمية لا تريح المحيط العربي وتقلقه وتؤرقه.وثمة حقيقة ثابتة وبديهية وهي ان ما طرأ على العراق بسبب ظروف التغيير الناتجة عن اخطاء القيادة العراقية السابقة ستنتهي عاجلاً ام اجلاً ويبقى العراق معافياً من جراحاته النازفة وان الامريكيون راحلون عن العراق بالتأكيد واما العراق واشقائه وجيرانه هم الباقون والثابتون ولن ينزاحوا عن مواقعهم وبلدانهم فليس من المنطقي ان نفرط بالثابت والباقي من اجل الزائل والراحل وهذا يبدد كل التبريرات والحجج الواهية التي يستند عليها المقاطعون او المتراجعون عن توطيد العلاقات مع العراق الجديد.ودعوة سماحة السيد عمار الحكيم الى اهمية مدارسة عودة العراق الى مجلس التعاون الخليجي يشكل منعطفاً مهماً في ايجاد العلاقة الاستراتيجية بين العراق والشقيق الخليجي وهو ما ينعكس بالضرورة على علاقات العراق مع محيطه العربي من طريق اولى.هذه الدعوة الحكيمة والذكية تقطع الطريق امام محاولات ابعاد او استبعاد العراق عن اشقائه العرب والخليجيين ويمنح هذه العلاقات اندفاعة جديدة وجدية كما سيعزز دور العراق الايجابي في مواجهة الارهاب الذي يهدد امن المنطقة كما يؤكد حقيقة خطيرة هي ان اية محاولة لاجهاض المشروع الديمقراطي في العراق او هزيمته - لا سمح الله- سيفتح ابواب جهنم امام دولة الخليج اذا تمكنت عصابات القاعدة وحزب البعث بالعودة الى الحكم الديكتاتوري المتطرف.واصبح واضحاً ان ثمة تحديات واقعية تواجه وتهدد العلاقات العراقية العربية والعلاقات العراقية الخليجية.ولا مجال لهذه العلاقات الا في دخول دول مجلس التعاون الخليجي منفردة او جماعية في شبكة مصالح متداخلة وثيقة مع العراق بحيث يقود ابتعاد او استبعاد أي طرف منها الى خسائر غير محتملة وهذا يحقق العلاقات النموذجية المبنية على المصالح المشتركة والمصير الواحد.وهذه العلاقات الحقيقية ستبدد كل مساحات الهواجس والمخاوف من التجربة العراقية وامكانية تداعياتها السلبية على مجمل الوضع العربي والخليجي.ان وجود نظام ديمقراطي في العراق ودولة قوية مبنية على القانون والدستور سيكون ضمانة اكيدة لامن المنطقة لا يهدد انظمتها ولا يستهدف استقرارها بينما وجود نظام حكم متطرف وعنيد ومغامر سيكون مصدر تهديد للمنطقة برمتها وسيعيد اليها محاولات عسكرة المنطقة وتأزيمها.لا نأمل بعودة العلاقات العراقية العربية والخليجية الى مستواها اللائق وحجمها المناسب فحسب بل نطمع في دخول العراق الى مجلس التعاون الخليجي وايجاد شراكات استراتيجية وعلاقات اقتصادية وهذا ما يعزز الامن والتفاهم والتعاون في المنطقة ويغلق الطريق امام محاولات التدخلات في الشؤون العراقية.
https://telegram.me/buratha