المقالات

النزعة السلطوية في حكم العراق في ضوء الحاكم والامة

842 12:56:00 2009-10-14

بقلم: الاستاذ الدكتور وليد سعيد البياتي

مقدمة:اتصل بي قبل ايام احد الاخوة الاعلاميين العراقيين في لندن حيث نعيش معا، طالبا مني اجراء حوار للحديث في الشأن السياسي العراقي، قائلا : (اريدك ان تتحدث عن الوطن)، فكان جوابي: ( أي وطن؟ هل بقي شيء اسمه الوطن؟ قد حملنا الوطن بداخلنا في عصر الهجرة، وانا لا اريد التحدث عن اشلاء وطن)، لكنه اجاب انه يريد ان اتحدث عن ايجابيات العصر الحالي والنتائج التي تحققت خلال السنوات الاربعة الاخيرة، فاخبرته انني لست من المداحين ولا من اتباع السلطة واقفلت الخط، فعاد واتصل معتذرا، ثم انهيت المكالمة وخاصة انني كنت قد اعلمت الاخوة الاعلاميين في بريطانيا بانني لن اجري حوارا سياسيا باي شكل، وان كل محاضراتي التي القيها هي في الجانب العلمي، سواء في الندوات والمؤتمرات، او في الفضائيات، مع ان بعض كتاباتي تحمل ملامح سياسية ناقدة بعد عودة تفشي النزعة السلطوية في الحكم، ولما كنت مختصا بالتاريخ والتشريع معا، فقد وجدت خلال بحوثي ان النزعة السلطوية قضية مستحكمة في حكم العراق منذ العصور الاولى، وان الشخصية الحاكمة قد تطبعت بالتسلط بشكل مستمر اكثر الاحيان. هل التسلط نزعة ذاتية ام قضية تاريخية:في الكثير من الاحيان يختلط التاريخي بالذاتي، ويتصور الحاكم او صاحب السلطة انه الشخص الوحيد القادر على فهم وادراك حقائق التاريخ وواقع الامة، ومتطلبات المجتمع، وبالتالي يعين نفسه ممثلا لشخصية الامة، فيتم تقزيم الامة وسحقها لتتداخل في شخصية الحاكم، وبالتالي يختفي مفهوم الامة ليحل محله مفهوم الحاكم، وهذا هو الاتجاه الذي ادى الى ظهور معظم الدكتاتوريات في حركة التاريخ، وهنا لايوجد استثناء الا النادر، حتى وان كان الحاكم يرتكز الى خلفية دينية. لعل الطبيعة التاريخية للعراق كمنشا حضاري واجتماعي ادى الى استنزاف الجانب النفسي تاريخيا، فالامة لا تعيش خارج التاريخ بل هي في صلب تفاعلات حركة التاريخ مما يعني التاثير المتبادل، غير ان هذه النظرة يتم تجاهلها على الدوام، وعندما ينسى الحاكم ذلك ويحاول ان يحتل موقع الامة من التاريخ، ويجردها من اصالتها عبر اغتيال العقل المفكر الممثل بالعلماء والفلاسفة والادباء والفنانين والشعراء، او عندما يحاول توظيف كل ذلك لصالح قضيته متجاوزا قضايا الامة فعندها يكون قد استغرقته (الانا) وتجاوز الامة ليحتل مكانة الالهة فيها.نزعة اغتيال الامة:نسال مالذي يريده الحاكم من الشعب؟ فالامة التي اوصلت الحاكم للسلطة تستحق ان يكون الحاكم معبرا عن احلامها ومحققا لذاتها، لا ان يكون الحاكم معبرا عن ذاته خارج قيم الامة ومفاهيمها، اي يجب ان لايحدث العكس، فقلب المعادلة لم يكن يوما في صالح الحاكم ولا في صالح الامة على السواء، ان اعتماد الحاكم على مبدأ القوة لتجريد الامة من حقوقها، وسلبها حقها في التقدم سيعني بالتأكيد اغتيالا لحلم الامة وواقعية استمرارها.ولما كانت الامة على الدوام أقوى من الحاكم باعتبارها احد مصادر التشريع، وهي التي تؤصل لوجود الحاكم واستمراره في السلطة، فبقاء الحاكم يصبح منوطا برضا الامة وقناعتها بقدرته على الاستمرار.من هنا يصبح من الجهالة تجاوز الامة، او محاولة خداعها، وقد ينجح الحاكم في ذلك لفترة من الزمن تحددها الظروف التاريخية ونوع التفاعلات وفق الاطر الزمانية والمكانية من جانب والنفسية الاجتماعية بل وحتى الاقتصادية من جانب آخر، لكنه في النهاية سيخضع لقيم ومعايير العقل الجمعي الناضج وليس العقل الجمعي المسيس، فشراء الذمم خلال الحمى الانتخابية ومحاولات اسقاط الاخر وتجاهل المعايير الاخلاقية ستؤدي لفشل القيادات في تحقيق آمال الامة.تنامي النزعة السلطوية في العراق:قد يصلح هذا العنوان ليكون بحثا مستقلا، فالعراق الحالي يعكس تناميا جديدا للنزعة السلطوية في ضوء العودة الى طروحات تأليه السلطة وتفرد الحاكم مع وجود برلمان شكلي او تعدد سياسي حزبي، إذ يبدو ان الطبيعة النفسية للسلطة اقوى حتى من المعايير الحزبية وهذا ما حدث في الازمنة السابقة حينما تحول الحزب ليكون تعبيرا عن شخصية (القائد) وليس العكس، مما ادى الى تفكيك المعايير السياسية واعادة صياغتها لتناسب مقاسات الحاكم، ومع ذلك لم يرضى الحاكم إلا ان يكون هو من يضع المعايير لكي لا يخدش اي منها تطلعاته المستمرة في الاحتفاظ بالموقع الاول او الكرسي كما نسميه.إن محاولات الايحاء باحتضار الامة ونهايتها وان بقائها واستمراريتها منوط ببقاء هذا الحاكم او ذاك في السلطة لهو عملية تجهيل متعمدة بل هو استخفاف بالعقل الجمعي للامة، وقد تكون الاشكالية في عدم نضج العقل الجمعي للامة ذاتها، لاشك ان المشكلة الاساسية تتعلق في الكثير من الاحيان بالامة نفسها وقدرتها على طرح شخصية أخرى تتسم بالواقعية المستقبلية، ففي العراق الحالي يحاول المالكي استعادة الاتجاه السلطوي في الحكم، عبر تهميش الشخصية العراقية ومسخها وطرح شخصية افتعلها باسم دولة القانون، متصورا ان دولة القانون نظرية جديدة لم تطرحها فلسفة التاريخ من قبل، وما ذاك إلا لجهله بالطبيعة التاريخية للعراق، فالنظريات القانونية في العراق كانت قد نشات عبر سلسلة النبوات والرسالات التي اتخذت من العراق موطئا لها، ولاننسى مسلتي نرامسن وحمورابي وما تحمالان من أسس ومعايير قانونية واشكال تشريعية تؤسس لدولة القانون في ذلك العصر قبل ان يوجد السيد المالكي وحزب وحفنة المستشارين اللاقانونيين، وهنا نجد اشكالية مشتركة بين اخفاق العقل الجمعي في ايصال شخصية حقيقية للحكم وبين تنامي النزعة السلطوية لدى المالكي واشباهه.ماذا عن المستقبل؟قد يتصور البعض ان الانتخابات المقبلة ستوجد حلولا لكل المشاكل العراقية عبر الوعود بالخدمات التي لم يتعرف عليها رجل الشارع الا على شكل وعود وتمنيات وقد تطفح هنا وهناك بعض الاشياء الفردية والتي ما هي إلا نتاجا لعملية الصراع المستمر لاغير، فاذا كان هناك اي تغيير محتمل فيجب ان يتم خارج كل هذه التشكيلات السياسية الحالية وذلك لن يتم الا عبر تحولات تستغرق عدة عقود تتمثل بجيل يتشكل خارج الصراع الحالي، جيل يهتم بإعادة صياغة الواقع وفق معايير اكثر اخلاقية وتتوافق مع نفسية المجتمع، جيل يعمل على إعلاء الوعي الجمعي وتنوير العقل وطرح موقف نفسي جديد من الاحداث.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
محمود الراشدي : نبارك لكم هذا العمل الجبار اللذي طال إنتظاره بتنظيف قلب بغداد منطقة البتاويين وشارع السعدون من عصابات ...
الموضوع :
باشراف الوزير ولأول مرة منذ 2003.. اعلان النتائج الاولية لـ"صولة البتاوين" بعد انطلاقها فجرًا
الانسان : لانه الوزارة ملك ابوه، لو حكومة بيها خير كان طردوه ، لكن الحكومة ما تحب تزعل الاكراد ...
الموضوع :
رغم الأحداث الدبلوماسية الكبيرة في العراق.. وزير الخارجية متخلف عن أداء مهامه منذ وفاة زوجته
عمر بلقاضي : يا عيب يا عيبُ من ملكٍ أضحى بلا شَرَفٍ قد أسلمَ القدسَ للصُّ،هيونِ وانبَطَحا بل قامَ يَدفعُ ...
الموضوع :
قصيدة حلَّ الأجل بمناسبة وفاة القرضاوي
ابراهيم الجليحاوي : لعن الله ارهابي داعش وكل من ساندهم ووقف معهم رحم الله شهدائنا الابرار ...
الموضوع :
مشعان الجبوري يكشف عن اسماء مرتكبي مجزرة قاعدة سبايكر بينهم ابن سبعاوي
مصطفى الهادي : كان يا ماكان في قديم العصر والزمان ، وسالف الدهر والأوان، عندما نخرج لزيارة الإمام الحسين عليه ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يكشف عن التعاقد مع شركة امريكية ادعت انها تعمل في مجال النفط والغاز واتضح تعمل في مجال التسليح ولها تعاون مع اسرائيل
ابو صادق : واخیرا طلع راس الجامعه العربيه امبارك للجميع اذا بقت على الجامعه العربيه هواى راح تتحرر غلسطين ...
الموضوع :
أول تعليق للجامعة العربية على قرار وقف إطلاق النار في غزة
ابو صادق : سلام عليكم بلله عليكم خبروني عن منظمة الجامعه العربيه أهي غافله ام نائمه ام ميته لم نكن ...
الموضوع :
استشهاد 3 صحفيين بقصف إسرائيلى على غزة ليرتفع العدد الى 136 صحفيا منذ بدء الحرب
ابو حسنين : في الدول المتقدمه الغربيه الاباحيه والحريه الجنسيه معروفه للجميع لاكن هنالك قانون شديد بحق المتحرش والمعتدي الجنسي ...
الموضوع :
وزير التعليم يعزل عميد كلية الحاسوب جامعة البصرة من الوظيفة
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
فيسبوك