المقالات

المرجعية في العراق والانتخابات البرلمانية

948 20:35:00 2009-10-06

د.طالب الصراف

الذي يلفت النظر ان وسائل الاعلام العراقية والعربية بل وحتى العالمية لم تتعرض للانتخابات البرلمانية العراقية المقبلة بالطرق الرخيصة التي سلكتها ودأبت عليها سابقا دون وازع ولاخجل ولااحتشام لمقدرات الشعب العراقي الدينية والاجتماعية, ووسائل الاعلام من هذا النوع كانت ولاتزال تستعمل كل وسائل الشر والاساءة من اجل الفرقة بين ابناء الشعب العراقي, اما في هذه المرة وعلى الاقل حتى هذة الساعة فان وسائل الضلالة هذه لم تتعرض حتى للمرجعية الدينية التي هي عبارة عن الوتد الذي يدور حوله المحرومون والمستضعفون وغيرهم من طبقات المجتمع العراقي, والتي مسيرتها كموكب متواصل من المسئوليات الجسام وخاصة حين يكون الوضع السياسي يتحمل حرية الرأي او على الاقل ان يسمح للفرد العراقي باختيار عضو مجلس النواب حسب النظم الديمقراطية في العالم فان هذا يتطلب الحزم وكلمة الفصل لان ذلك يخص كرامة الانسان العراقي, وان ابناء الشعب العراقي يطمحون كغيرهم بانتخابات حرة نزيهة يختار الشعب فيها ممثليه بكل حرية وامان. والمعروف ان الذي دعا الى انتخابات حرة نزيهة بعد الاطاحة بنظام صدام وعصابته اية الله العظمى السيد علي السيستاني حفظه الله واطال في عمره, وقد كتب عن ذلك المفكر الامريكي الكبير Noam Chomsky حيث قال " لولا السيد اية الله العظمى علي السيستاني لما كانت هناك قوة تفرض على قوى الاحتلال العملية الانتخابية التي جرت في العراق".

اما في الانتخابات المقبلة فان المرجعية سوف تقف نفس الموقف الذي وقفته ازاء انتخاب مجالس المحافظات الاخيرة- كما هو متداول الان بين الاوساط السياسية والاعلامية- اذ كان موقفها كما كان جليا على مسافة واحدة من جميع الاحزاب والمنظمات والتيارات السياسية. مرجعيتنا الدينية اليوم نأت بنفسها عن التدخلات السياسية اليومية لأنها لاتريد الانغماس في التفاصيل ولا التدخل بجزثيات المسيرة السياسية. ودور المرجعية في العراق واضحا حيث أنها لم تتحمل مسؤولية الدولة كما هو الان في الجمهورية الاسلامية التي يتسم الحكم فيها بولاية الفقيه اذ تكون فيها السلطات العليا تحت اوامر المرشد الاعلى فهو يمتلك سلطة الامر والنهي حيثما يراها تخدم الصالح العام ضمن الاوامر والضوابط والتعاليم الدينية.

ولما كانت المرجعية في النجف الاشرف لم تتسنم قيادة السلطات في العراق بل كل ما في الامر ان المرجعية تتدخل حين ترى ان الواجب الشرعي يتطلب تدخل المرجعية في ذلك الشأن داعية الى العدالة وعدم الاستئثار بالسلطة كما قال الامام علي عليه السلام "من حكم استأئر". المرجعية العادلة ان ارادت اليوم الاشارة الى قائمة ما فانها سوف تحدد مستقبل تلك القائمة دون ادنى شك. والدليل هنا يفرضه واقع المجتمع العراقي باكثريته المطلقة, وهنا لابد من النزول الى معرفة رأي الشارع العراقي وعلاقته بمرجعيته العادلة.

لقد حالفني الحظ ان ازور سماحة اية الله العظمى السيد علي السيستاني وكذلك سماحة اية الله العظمى محمد سعيد الحكيم في نهاية شهر رمضان المنصرم. وقبل الحديث عن الزيارة لابئس من نقل صورة لتأكيد مااعتقده من وزن وثقل وتأثير ا لمرجعية في وسط المجتمع العراقي لاشك ولاجدل فيه, فلاتزال لها من القوة والهيمنة باع طويل في تحديد هوية الحكم في العراق ومن يرى العكس فهو في خطل وسوء فهم بمعرفة الشارع العراقي.

ذهبت لزيارة سماحة السيد السيستاني حفظه الله دون موعد مسبق شأني شأن الالاف من الناس الذين يصطفون بطوابير لزيارة السيد السيستاني والتبرك به في شهر رمضان المبارك باعتباره من نسب وسلالة رسول الله اولا والحامل لمسؤولية التكليف الشرعي الرباني ثانيا, نعم ان الكثير من هذه الجماهير الغفيرة تفلد السيد السيستاني وترى ان تقليدها لأي مرجع هو تكليف شرعي ملزم كما جاء في احاديث الأئمة المعصومين عليهم السلام اذ قال الأمام جعفر الصادق(ع): فأما من كان من الفقهاء صائنا لنفسه حافظا لدينه فقلدوه". نعم ان مراجعنا من هذا النوع من البشر فهم يعيشون ببيوت صغيرة في ازقة ضيقة مظلمة يعيشها الفقراء ولضيقها لاتصلها السيارات بل حتى الدراجات الهوائية, وفي اماكن من هذه الازقة لاتسع الا لسير انسان واحد فقط احيانا.

لقد منّ الله علي ّ بزيارة الامام السيستاني في يوم كانت فيه وسائل الاعلام الرخيصة والعميلة قد اعلنت بان صحة السيد السيستاني متدهورة وهو الان يعالج في مستشفيات لندن. وهنا اقول، ويشهد الله على ما اقول، لقد استقبلني السيد السيستاني في مسكنه المستأجر البسيط والمتواضع وهو بصحة كاملة بل حاولت بكل جهدي ان لايقوم السيد السيستاني لاستقبالي ولكنه اصرّ على الوقوف بكامل قامته ذات الهيبة البهية, هيبة العلماء هيبة ال بيت النبوة. بسيط في ملبسه, جالس على الارض يحاكي امام المتقين علي(ع) وكيف لا وهو يعيش بين اكناف وضلال مدينة النجف الاشرف التي يرقد فيها ابن عم الرسول وصهره وتلميذه. لااريد الاسهاب والاطناب في الحديث عن زيارتي للامام الذي تحفه رحمة الباري بل اردت الاشارة الى الاتصال والتماسك اليومي بين المرجعية وجماهير الشعب العراقي .

واما زيارتي لاية الله العظمى السيد محمد سعيد الحكيم فقد رسمت في ذهني نفس الانطباع الذى عشته مع الامام السيد السيستاني الا انني حضرت المجلس وكان مع السيد حفظه الله من شعراء المجالس الحسينية والسيد الامام يستمع لتلك القصائد واحدة تلو الاخرى وقد تراه يبكي ويذرف الدمع حين يذكر استشهاد الامام الحسين(ع). تحدثت مع الامام الحكيم عن الكفاءات الاكاديمية العراقية في بريطانية وكيف وضعت العراقيل من قبل وزارة التعيم العالي العراقية بسبب نظام المحاصصة الطائفي العنصري الذي هو السبب الرئيسي في هدر هذه الطاقات والكفاءات العلمية التي همها الوحيد خدمة العراق.ان ما خلصت اليه من زيارتي القصيرة للمراجع العظام والعلماء الاعلام في النجف الاشرف هي انه يخطأ من يظن ان هنالك قوى داخلية او خارجية يمكن لها التأثير السلبي على العلاقة بين المرجعية وابناء الشعب العراقي حتى ولو سخرت وصرفت المليارات من الدولارات وسف تستمر هذه المعادلة الجدلية الايجابية بين الجماهير من الشعب اتلعراقي ومرجعيته الدينة العادلة مادام هنلك ايمان بالله ورسوله وال بيته, نعم توجد هنلك ابواق وضوضاء اعلامية رخيصة مدفوع لها مسبقا ولكنها تولد ميتة. لقد قررت المرجعية الدينية في النجف الاشرف ان تختار شظف العيش وان تمارس مسئوليلتها الدينية ومنذ سقوط النظام السابق والمرجعية تعيش كما كانت عليه دون ان تفتنها مفاتن الحياة, كما ان مرجعيتنا ركزت على فضيلة الصفح عن المعتدين واحالت اعمالهم التي وصفت بالاعتداء والسرقة والقتل الى ماتقول به الشريعة الاسلامية السمحاء وقوانين الدولة. فكانت المرجعية راعية لمصالح الناس العليا بحق وحقيقة. ومن بين هذه المصالح انها تركت صوت الناخب العراقي يذهب الى من يعتقد ان هذا المرشح او ذاك الذي يعيش قريبا منه هو الذي لبى او سيلبي مصالح ومنفعة الناس الاخلاقية والدينية والاقتصادية كما هو الحال عند الدول المتحضرة.

نعم ان لكل فرد عراقي ملتزم بدينه من الشيعة مرجعا يقلده -ما عدا المحتاط احيانا-ليرجع اليه في العبادات والمعاملات, فان عرفنا ذلك فان تدخل المرجعية في الامور التي لها تأثير في مسيرة الناس اصبح من صميم واوليات مسئولياتها, ففي اوربا تعتبر الانتخابات البرلمانية من اهم الاحداث التي ترسم مستقبل المواطنين ويظهر ذلك من الوعود التي تقطعها تلك الاحزاب على نفسها. لذلك اصبح تدخل المرجعية الدينية لايقاف الانحراف او الزيغ عن معتقدات الناس الدينية والاجتماعية من واجباتها الاساسية.

صحيح ان سياسة الدول في اوربا تحكمها موؤسسات لاتتغير سياساتها تغيرا جذريا بتغير الاحزاب وتداول السلطات الا اننا نرى في نفس الوقت انه ليس بالهين على الشعب والاحزاب ان تتداول السلطة من حزب الى حزب اخر لان لدى هذا الحزب الجديد سياسة تختلف عن الحزب الذي سبقه, بل اننا نرى احيانا هزيمة محزنة لحزب خسر الانتخابات وحزب محتفل بالنصر, كل هذا يدل على ان الانتخابات ليس حدثا عابرا في حركة المجتمعات, اذ لها تأثير سياسي واجتماعي واقتصادي.ومن هنا نرى ان تدخل المرجعية في الامور التي تشكل انعطافا في اتجاهات الشعوب ومفاصل الحياة المعيشية والعقائدية عملا مبررا وواجبا شرعيا, لذا فان ما صدر عن مكتب السيد اية الله العظمى علي السيستاني حول نوعية الانتخابات البرلمانية في العراق بان تكون على طريقة انتخابات القائمة المفتوحة لا المغلقة لهو عمل مبارك نوعي ارتقى بالعملية السياسية في العراق الى ما هو عليه في الدول المتقدمة. المرجعية في العراق لم تقتصر على معرفة ما يحسه الشارع العراقي بكل مكوناته الوطنية بل انها اختارت النظام الامثل من الطرق الانتخابية في العالم. ففي بريطانيا على سبيل المثال يطالب الناخب بالتعريف عن المرشح الذي يمثل هذا الحزب او ذاك بل حتى لو كان المرشح لاينتمي الى اي حزب فعلى المرشح ان يكتب تاريخ حياته ليعرف بنفسه من درجة علمية وخدمات وطنية بل احيانا حتى تركيب عائلته وكل ما يتمتع به من خبرات ومواهب وماذا سوف يقدم من خدمات لمنطقته الانتخابية وكذلك لوطنه.

وهنا لابد للاشارة الى وعي المرجعية في العراق وتأكيدها على اللقائمة المفتوحة لأنها تدرك جيدا ان الناس قد تعبت من الوعود الزائفة التي قدمتها كثير من الاحزاب السياسية دون تنفيذ, وان البطالة وتدهور موؤسسات الدولة التي تنزلق الى درجة قد تسبب تضاغن القلوب وتشاحن الصدور بين ابناء المدينة الواحدة. لذا ليس من السهل واليسير على مرجعيتنا العادلة الورعة ان ترى الكثرة متفرقة والاحوال متدهورة ومضطربة. وليس الهين على مرجعيتنا ان ترى بعد التحول من الحكم الجاهلي الى الحكم الديمقراطي ان هنالك من يريدون ان يكفئوا الاسلام على وجهه كما قال امام المتقين علي(ع) حين انتقل بعض المسلمين من عصر الهجرة وهو عصر الايمان الى عصر الفتح عصر الاحزاب والموالاة الذي اصبح الناس فيه لايتعلقون من الاسلام الا باسمه, ولايعرفون من الايمان الا رسمه. فهنيئا للمرجعية التي تسير بهدي الاسلام ونبيه وال بيته وسوف تبقى صمام الامان وصاحبة الكلمة الفصل لكل مرحلة تحول تهم المصالح العامة, ولايهمها الا رضا الله سبحانه.

د.طالب الصرافلندن

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
محمود الراشدي : نبارك لكم هذا العمل الجبار اللذي طال إنتظاره بتنظيف قلب بغداد منطقة البتاويين وشارع السعدون من عصابات ...
الموضوع :
باشراف الوزير ولأول مرة منذ 2003.. اعلان النتائج الاولية لـ"صولة البتاوين" بعد انطلاقها فجرًا
الانسان : لانه الوزارة ملك ابوه، لو حكومة بيها خير كان طردوه ، لكن الحكومة ما تحب تزعل الاكراد ...
الموضوع :
رغم الأحداث الدبلوماسية الكبيرة في العراق.. وزير الخارجية متخلف عن أداء مهامه منذ وفاة زوجته
عمر بلقاضي : يا عيب يا عيبُ من ملكٍ أضحى بلا شَرَفٍ قد أسلمَ القدسَ للصُّ،هيونِ وانبَطَحا بل قامَ يَدفعُ ...
الموضوع :
قصيدة حلَّ الأجل بمناسبة وفاة القرضاوي
ابراهيم الجليحاوي : لعن الله ارهابي داعش وكل من ساندهم ووقف معهم رحم الله شهدائنا الابرار ...
الموضوع :
مشعان الجبوري يكشف عن اسماء مرتكبي مجزرة قاعدة سبايكر بينهم ابن سبعاوي
مصطفى الهادي : كان يا ماكان في قديم العصر والزمان ، وسالف الدهر والأوان، عندما نخرج لزيارة الإمام الحسين عليه ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يكشف عن التعاقد مع شركة امريكية ادعت انها تعمل في مجال النفط والغاز واتضح تعمل في مجال التسليح ولها تعاون مع اسرائيل
ابو صادق : واخیرا طلع راس الجامعه العربيه امبارك للجميع اذا بقت على الجامعه العربيه هواى راح تتحرر غلسطين ...
الموضوع :
أول تعليق للجامعة العربية على قرار وقف إطلاق النار في غزة
ابو صادق : سلام عليكم بلله عليكم خبروني عن منظمة الجامعه العربيه أهي غافله ام نائمه ام ميته لم نكن ...
الموضوع :
استشهاد 3 صحفيين بقصف إسرائيلى على غزة ليرتفع العدد الى 136 صحفيا منذ بدء الحرب
ابو حسنين : في الدول المتقدمه الغربيه الاباحيه والحريه الجنسيه معروفه للجميع لاكن هنالك قانون شديد بحق المتحرش والمعتدي الجنسي ...
الموضوع :
وزير التعليم يعزل عميد كلية الحاسوب جامعة البصرة من الوظيفة
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
فيسبوك