المقالات

مازلت مقيدا

1235 21:33:00 2009-03-03

بقلم : علي الملا

خرجت يوم أمس لتنشق الهواء والسير في شوارع بغداد وشريط الذكريات يعرض أمام عيني صور متناقضة فمنها ما أبهجني ومنها ما أيقظ الجراح وأثار الشجون . ومع كل تلك المشاعر المتضاربة والأحاسيس المتناقضة رحت أساءل بغداد عن حالي وعن حالها فإرتجلت هذا البيت من الشعر :

بغداد ما زال الوثاق بمعصمي        والشعر والكلمات تقتل في فمي

فبعد سنوات من الفراق وشحتها بثوب من الشوق على مقاس أيامها الطويلة نسجتها من عبق الرياحين الدمشقية عندما كنت أسير في أزقة الشام القديمة وأنا أتنشق عبق التاريخ وصوت القصائد النزارية الشفافة يتردد صداه بين جدرانها الحجرية ونبضات قلبي تجيبه باللحن الجواهري الخالد ( حييت سفحك عن بعد فحييني ... يا دجلة الخير يا أم البساتين ) فأشعر أن كل زقاق من تلك الأزقة يسجد لحروف تلك القصيدة الرائعة وتهتز شوارعها تحت قدمي من شدة التأثر بحروف ( دجلة الخير )  . وها قد مضت الأيام وتحول الفراق الى لقاء وطويت صفحة الغربة من كتاب حياتي لتصبح من عالم الذكريات التي لا تنسى .

فبينما كنت بالأمس ماشيا أتأمل الشوارع وأتصفح الوجوه , خطر ببالي سؤال أعيتني الأجابة عليه ودخلت في دوامة لا أعرف لها أول ولا آخر ( لماذا هاجرت من بغداد ولماذا وهجرتها كل تلك السنوات ) ؟ والحيرة ليست في الأجابة على هذا السؤال وإنما فيما يترتب على هذه الأجابة .

لقد تركتها لسنوات لا لأنني من القادة السياسيين ولا لأنني من كبار المعارضين وإنما لأنني رجل لا أجيد فن الصمت ولا أعترف بالضوابط الكمركية على الكلام ولا أطيق كمائنها المنصوبة على الشفاه وأنا أعلم أن تصدير الكلام أكبر جرما من تصدير المخدرات في زمن اللا قانون . وعندما رجعت الى وطني كان لساني وقلمي أكثر سعادة مني بهذه العودة الميمونة وكانت الحروف تتراقص بينهما على أنغام الحرية التي عزفتها قيثارة التغيير وأنا معهما أتمايل طربا وامشي مشية الخلاء وأنا أحمل حقائبي على طريق العودة .

وها أنا بعد عدة سنوات من الإياب  وفي هذا اليوم الربيعي الجميل أسير في شوارع بغداد وأتنشق هواءها النقي ولكن المفارقة في الأمر أنني ما زلت أمشي وأتلفت يمينا وشمالا وكأنني في سنوات التسعينيات الغابرة , أحمل ذات الخوف القديم وأسير بنفس الحذر . فقد قبر النظام وتفسخت جثته في ملحودة جرائمه الآثمة  ولكن كمارك الكلمات ومفارزها اللعينة ما زالت على حالها القديم تترصد الأفواه وتعتقل الألسن وتغتال الأقلام , وهذا هو الجزء المحير من الأجابة على السؤال ( لماذا هاجرت من بغداد ولماذاهجرتها كل تلك السنوات ) ؟ فبعد الشقاء والعناء والثمن الباهظ الذي دفعته كما دفعه غيري من العراقيين وجدت أنني مازلت مقيدا .  

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
محمود الراشدي : نبارك لكم هذا العمل الجبار اللذي طال إنتظاره بتنظيف قلب بغداد منطقة البتاويين وشارع السعدون من عصابات ...
الموضوع :
باشراف الوزير ولأول مرة منذ 2003.. اعلان النتائج الاولية لـ"صولة البتاوين" بعد انطلاقها فجرًا
الانسان : لانه الوزارة ملك ابوه، لو حكومة بيها خير كان طردوه ، لكن الحكومة ما تحب تزعل الاكراد ...
الموضوع :
رغم الأحداث الدبلوماسية الكبيرة في العراق.. وزير الخارجية متخلف عن أداء مهامه منذ وفاة زوجته
عمر بلقاضي : يا عيب يا عيبُ من ملكٍ أضحى بلا شَرَفٍ قد أسلمَ القدسَ للصُّ،هيونِ وانبَطَحا بل قامَ يَدفعُ ...
الموضوع :
قصيدة حلَّ الأجل بمناسبة وفاة القرضاوي
ابراهيم الجليحاوي : لعن الله ارهابي داعش وكل من ساندهم ووقف معهم رحم الله شهدائنا الابرار ...
الموضوع :
مشعان الجبوري يكشف عن اسماء مرتكبي مجزرة قاعدة سبايكر بينهم ابن سبعاوي
مصطفى الهادي : كان يا ماكان في قديم العصر والزمان ، وسالف الدهر والأوان، عندما نخرج لزيارة الإمام الحسين عليه ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يكشف عن التعاقد مع شركة امريكية ادعت انها تعمل في مجال النفط والغاز واتضح تعمل في مجال التسليح ولها تعاون مع اسرائيل
ابو صادق : واخیرا طلع راس الجامعه العربيه امبارك للجميع اذا بقت على الجامعه العربيه هواى راح تتحرر غلسطين ...
الموضوع :
أول تعليق للجامعة العربية على قرار وقف إطلاق النار في غزة
ابو صادق : سلام عليكم بلله عليكم خبروني عن منظمة الجامعه العربيه أهي غافله ام نائمه ام ميته لم نكن ...
الموضوع :
استشهاد 3 صحفيين بقصف إسرائيلى على غزة ليرتفع العدد الى 136 صحفيا منذ بدء الحرب
ابو حسنين : في الدول المتقدمه الغربيه الاباحيه والحريه الجنسيه معروفه للجميع لاكن هنالك قانون شديد بحق المتحرش والمعتدي الجنسي ...
الموضوع :
وزير التعليم يعزل عميد كلية الحاسوب جامعة البصرة من الوظيفة
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
فيسبوك