المقالات

البكاء على الحسين(عليه السلام) وسيلة للتوحيد الخالص

1506 14:59:00 2008-12-28

( بقلم : محسن وهيب عبد )

لاشك إن الحسين بن علي ابن أبي طالب(عليه السلام)، هو سبط الرسول الأعظم(صلى الله عليه وآله)، وريحانته وشمامته وروحه التي بين جنبيه، ولم يبق احد ممن عاصر الرسول(صلى الله عليه وآله) عاش معه في المدينة، إلا وسمع الرسول(صلى الله عليه وآله) يحدث الناس ويعلمهم منزلة الحسين(عليه السلام) ومجده، وفضله في الأرض والسماء، ومن تلك الأحاديث، الحديث المتواتر التالي:( حسين مني وأنا من حسين، أحب الله من أحب حسينا…) .وفي هذا الحديث شهادة واضحة لتمازج معنى النبوة المحمدية بمعاني الإمامة التي يمثل الحسين نموذجها، فهما شيء واحد، وهي إشارة مقصودة لما ستؤول إليه الأمور، وما سينهض به الحسين من أعباء النبوة ومهامها متجسدا فيما سيحدث للحسين(عليه السلام)، فيكون بذلك محمد بامتداد الحسين عليه السلام. مثلما هو الحسين امتداد طبيعي لجده النبي( صلوات الله عليهما وآلهما)ومن المؤكد أن كبار الصحابة والرعيل الارقى لمعاني صحبة الرسول(صلى الله عليه وآله). من أمثال؛ حمزة ابن عبد المطلب، وجعفر الطيار، و أبو ذر وسلمان المحمدي والمقداد بن الأسود الكندي وعمار بن ياسر…كانوا يعلمون معاني تلك الإشارات، وكانوا يجدون في حب الحسين علامة لسلامة الدين مع انه كان طفلا آنذاك.

فمنذ الصدر الأول للإسلام كان التميز بحب الحسين عليه السلام ميزة الخاصة من المؤمنين، وهكذا شاء الله تعالى، فقد اعلم رسول الله(صلى الله عليه وآله) بشواهد واضحة حبا خاصا للحسين ليري الأمة، إنها ليس مجرد عاطفة الجد للحفيد، بل إن هناك دين يتقوم بهذا الحب.وان حب الحسين عليه السلام هو معيار صدق الأيمان، لأنه وصية رسول الإسلام: أحب الله من أحب حسينا، فحبه حب لله ورسوله.. ومن يتبع وصية الرسول بحب الحسين إنما؛ هو حب الله تعالى حيث قال تعالى:

( قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ * قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ * إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ) .وان نفاذ وصية الرسول الأعظم ( صلى الله عليه وآله ) في النفس الإنسانية بحب الحسين، دليل محبة الله ورضاه، ينعكس ويتجسد في رقة تلك النفس، نستطيع أن يتبين في زفراتها حسرة على الحسين عليه السلام وبغضا للظالمين، ومن صدر محب وعين متطلعة لرضا الله سبحانه، تفيض من الدمع حزنا.وان عدم نفاذ وصية الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله )، في النفس الإنسانية للفرد، سيتبين في صنف الناس من كل جلف جاف صلف، يظهر في سلوكه واضحا؛ دليل سخط الله تعالى، ينعكس في غلظة النفس وفي ضيقها من ذكر المظلوم الحسين عليه السلام، وربما في سخريته من مشاعر المسلمين المتعاطفة مع مصيبة الحسين عليه السلام.والمخلص في تعبده يدعو الله تعالى : اللهم أعوذ بك من قلب لا يخشع ومن عين لا تدمع ومن نفس لا تشبع ومن علم لا ينفع ومن صلوات لا ترفع ومن دعاء لا يسمع.وان الذي نقصده واضح في أمثال الذي يرى في نفاذ وصايا الحبيب محمد (صلى الله عليه وآله)، في حب الحسين عليه السلام ووصايا الله تعالى في مودة القربى من آل محمد، وذوبان القلوب بالحزن على مصائبهم وامتلاء الصدور بحبهم، وفيض العيون لمظلوميتهم(عليهم السلام)؛ يرى في ذلك بدعة، هو المثال السيئ للإسلام المنحرف عن الفطرة، حيث يرى المنكر معروفا والمعروف منكرا، وذلك ما كان يحذر منه الرسول صلى الله عليه وآله، في آخر الزمان، فأمثال الذين يرون في البكاء على الحسين عليه السلام بدعة، ويضعون أنفسهم قادة للإسلام و في قمة الهرم في الدعوة للدين، ومحاربة البدع والمنكر والأمر بالمعروف. هم الذين حذّر الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله منهم في آخر الزمان.

ليس في البكاء على الحسين(عليه السلام) بدعة:

جبل الإنسان على المحبة والعاطفة، وقد شوهد النبي صلى الله عليه وآله، يبكي كلما يرق قلبه لحال يعرض له ولم يرى ارفق منه وارق منه، وبكى يعقوب عليه السلام على ابنه يوسف حتى ابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم، وامتدح الله البكائيين الأواهين من الأنبياء والصالحين، وان الذي لا يملك العاطفة اتجاه من يحب، تتجلى بدمعة يسكبها في مظلوميته او في عاديات الدهر عليه او لتواتر الأحزان عليه، انما هو جلف صلف قد قلبه من صخر، كما يصفه النبي الأعظم صلى الله عليه وآله ، لأنه في الحقيقة فاقد لمقوم أساس من مقومات إنسانيته، فهو منحرف عن الفطرة السليمة التي هي أساس الدين، بل هل هي الدين ذاته.. يقول الله تعالى:( فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) . ان الحسين عليه السلام بالنسبة لدين الفطرة؛ الإسلام، هو بالإجماع: سبط الرسول صلى الله عليه وآله، وريحانته، وحبيبه، وسيد شباب أهل الجنة في المسلمين والمطهر من الرجس بنص الكتاب، والمطلوب مودته بنص القران، وخامس أصحاب الكساء، والإمام المفترض الطاعة بنص الكتاب أيضا وهو من الآل الذين لا تصح الصلاة الا بالصلاة عليهم… وكثير مما لا يحصى وهو من المسلمات عند جمهور المسلمين في فضل الحسين وتميزه بالمحبة.فكيف نجد إنسانا يحب الحسين عليه السلام وهو بهذه الميزات، وتفيض عينه بحب الحسين عليه السلام، طاعة لله وللرسول، وحسب وصايا الرسول والكتاب الحكيم ونقول عنه انه مبدع، وان عمله لا يرضي الله ورسوله!!انه منتهى الجهل، بل هي نعرة إبليس وغواية الشيطان، باتهام الإنسان بما حباه الله تعالى من فضل، فلعنة الله على إبليس والشياطين وحزبهم.والأقرب من هذا ان هذا النوع من الحرص على الدين، هو البدعة، ، وتحت عنوان هذا الحرص ، يمارس كل البدع التي حذر منها الرسول الأعظم دون ان يرعوي، وهو يعلم ان الرسول صلى الله عليه وآله، حذر منها، بل ليخدع نفسه صنفها من البدع المقبولة، وهذا من البلية الشر التي تضحك!والأغرب الغريب من كل هذا ان الذي يرى في البكاء على الحسين عليه السلام، من محبي الحسين عليه السلام بدعة، قد يساوي بين الحسين عليه السلام والذي لعنه الله ورسوله، ويترضى عليهم!!

في البكاء على الحسين عليه السلام حفظ الدين:

إن من أهم ما يلفت نظر المرء في سلوك الأفراد والجماعات في الحياة الدنيا، هو أن يرى، أو يسمع أحدا أو جماعة يبكون، وكلما كان البكاء حادا كلما كان الانتباه يشتد إليه والفضول يحوم حوله.وكلما كان بكاء المسلمين على الحسين عليه السلام سلوكا جمعيا وشديدا كلما كان أكثر إثارة في شد الانتباه، ويبعث على طلب الجواب المقنع، على الصعيد الفردي والاجتماعي ثم على الصعيد السياسي، ولذا كان بكاء المسلمين على الحسين عليه السلام يقض مضاجع الطغاة على مر العصور. وتلك حقيقة تاريخية وسياسية في حياة المسلمين تحتاج إلى دراسة.فالإنسان قد يقول كذبا، او يفعل زورا، او يماري او يجادل باطلا، لكنه لا يستطيع ان يبكي كذبا في مجاميع، وربما في شعوب بالكامل، وفي موضوع تنعقد النفوس عليه كدين، والسلوك الجمعي فيه بقصد القربى لله تعالى، وان يطول بكاؤه أحقابا وقرونا ويتكرر حزنه بصدق تام!!!ولو قلبنا تاريخ الأدب العالمي على الإطلاق فلن نجد شعرا اصدق وأوفر وأكثر وأحسن من أدب ألطف، ترى لماذا؟والشعر الحسيني خصوصا لم يكن له في الشعر العالمي مثيل بصدق عاطفته، حتى إن عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين يقول: كان الشعر العربي علويا وسيبقى علويا، لما فيه من حرارة العاطفة وصدقها الذي ينبض بحب آل محمد( صلوات الله عليهم).من هنا ندرك أهمية الحسين عليه السلام، كثائر يطالب الإصلاح في امة جده ( صلى الله عليه وآله)، قتل ظلما وخيانة وغدرا، ثم سبيت عياله عيال الرسول( صلى الله عليه وآله) الطاهرات، وقدمت الرؤوس المقدسة هدايا لأبناء الباغيات والطلقاء.اذن؛ صدق عاطفة الناس اتجاه الحسين المظلوم، ودوام الحزن والبكاء على مصيبة الحسين عليه السلام وأهل بيت النبوة الأطهار، كلها أمور تؤدي إلى حفظ الدين؛ وديعة الحسين المحبوب المظلوم المذبوح من اجل هذا الدين، ويمكننا ان نشهد اقتران اظهار مظلومية الحسين بحفظ الدين في اتجاهين:الاتجاه الاول:في البكاء على الحسين عليه السلام معاني التصاق العاطفة عند الباكين من أنصار الحسين عليه السلام، بالمبدأ الذي قدم الحسين نفسه شهيدا من اجله، وقدم عياله؛ بنات الوحي، سبايا عند الأدعياء من اجل الدين، فالبكاء هنا احتجاج وتعبير عاطفي مستمر، لاجل أهل البيت( عليهم السلام) المظلومين وضد الظالمين منذ فجر الإسلام الى الآن.ان أهل البيت(( عليهم السلام)) مطهرون بإرادة الله:(إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) .وإرادة الله لاشك نافذة، فالبكاء على الحسين عليه السلام، إنما هو بكاء لفقدان الإسلام الحق الذي يمثله الحسين الطاهر المطهر عليه السلام بكل ما تعنيه إرادة الله تعالى من محض الخير والسؤدد، و الذي يختفي من واقع المسلمين، فالحسين لازال يذبح في كل لحظة، والبكاء عليه تمثيل لواقع مفقود ولا يمكن لمبدأ الحسين إن يسود إلا بمحق الظالمين، وعلى هذا يستمر البكاء على الحسين عليه السلام، ومعه تستمر مبررات هذا البكاء التي هي ضرورة سيادة دين جد الحسين صلى الله عليه وآله.و من جانب أخر نجد أن أعداء الحسين عليه السلام، ولا زالوا، بنفس مواصفات يزيد وعمر بن سعد والشمر وعبيد الله، وخولي وسنان… أوغاد أجلاف ظلمة متسلطون، لا يهمهم من الكرسي إلا التحكم في رقاب الناس واكل أموالهم، والتلاعب بمقدراتهم…والدين لعق على الألسن كما يصف الحسين الناس عليه السلام في خطبته يوم عاشوراءفالبكاء على الحسين عليه السلام إنما هو احتجاج على استمرار الحال وغياب دين الحسين وجد الحسين وأبو الحسين( صلوات الله عليهم).. ترى ما هو دين الحسين الذي يريده الباكون؟وعلى هذا المنوال تستمر هذه الاطروحة الربانية الحسينية الراتبة، الى ظهور امام الزمان عجل الله فرجه، وفي معانيها يستمر حفظ مذهب ال محمد في نفوس المحتجين من المسلمين البكائين على الحسين فقط.وهذا للأسباب التالية:1- في البكاء على الحسين عليه السلام وسيلة للتعبير عن الالتصاق بالدين الصادق وللكون مع الصادقين، الذين امر الله تعالى بالكون معهم. قال تعالى:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) والصادقون هم أهل البيت(صلوات الله عليهم).2- والبكاء على الحسين عليه السلام وسيلة تمثل اختيار السفينة المنجية التي أوصى الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله بركوبها وعدم التخلف عنها.. قال الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله:( ان مثل اهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها هلك) 3- والبكاء على الحسين عليه السلام وسيلة للتمسك بالثقل العاصم من الثقلين الذين أوصى بهم الرسول الأعظم صلى الله عليه واله وسلم بالتمسك بهما عصمة من الضلال4- فقد قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم:( أما بعد أيها الناس فإنما أنا بشر يوشك أن يأتيني رسول ربي فأجيب، وأنا تارك فيكم الثقلين؛ اولهما كتاب الله فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به، فحث على كتاب الله ورغّب فيه ثم قال؛ وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي) والبكاء على الحسين عليه السلام طاعة لرسول الله صلى الله عليه وآله والائمة المعصومين، في محبة الحسين واهل بيته عليهم السلام، كما مر معنا في قوله صلى الله عليه واله: ( أحب الله من أحب حسينا).فالبكاء على الحسين عليه السلام طاعة لله تعالى في مودة ذوي القربى عليهم السلام، المطلوبة في القران. وهو تعبير لتجنب الاصطفاف مع حزب إبليس، فقد قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم:( النجوم أمان لأهل الأرض من الغرق، وأهل بيتي أمان لأمتي من الاختلاف فإذا خالفتهم قبيلة من العرب صاروا حزب إبليس) .وفي الاتجاه الثاني:في البكاء عل الحسين عليه السلام، دعوة لنصرة المستضعفين من كل جنس ولون، الذي هو عماد مذهب أهل البيت عليهم السلام، باعتبار ان الدين أصلا جاء لعصمة الإنسان من ان يكون مستغلا او مستغلا، وهو بيان لكل معنى جميل في الوجود الذي ليس فيه فرق ولا ميزة لعربي على اعجمي الا بالتقوى التي لم تبرز الا من خلال ثورة الحسين عليه السلام؛ لان البكاء على الحسين فيه حجة على بقية المسلمين بالملازمة والتكرار، حيث البكاء يلازم المستضعفين المحبين لناصريهم الحقيقيين، ويتكرر مع الدهر في أيام الله، وضمن معيار شعائره؛ فهو إذن دعوة للجميع؛ ان يسالوا عن سر هذا البكاء السرمدي، ومن خلال هذه الشعائر؛ هل هو معقول ان تكذب عواطف مئات فطاحل الشعراء وعمالقتهم على مر التاريخ.فما من فطحل او عملاق في الشعر الا وهو محب لاهل البيت وللحسين عليه السلام من النادبين المبكين الباكين!!!ليس صدفة ان يكون عمالقة الفكر الإسلامي، هم ممن يبكون الحسين عليه السلام ومن اشد محبيه ومواليه. من امثال العالم المبدع والمفكر العظيم جابر بن حيان الكوفي، والفيلسوف الكبير والطبيب العبقري ابن سيناء الشيخ الرئيس، وابن النديم الذي يصفونه بالمتطرف في حب ال محمد، والفراهيدي، وابو الاسود الدؤلي…وغيرهم كثير، ومن القريبين الفيلسوف المبدع صدر الدين الشيرازي( الملا صدرا).اما كل عمالقة الشعر فهم ممن يبكون الحسين ويندبونه؛ الفرزدق والكميت ودعبل وأبو العتاهية وابو فراس وابو نؤاس..حتى لكأن البكاء على الحسين ملهم الإبداع في كل اتجاه.هل معقول ان هذه العقول العملاقة في التاريخ كلها تبكي الحسين لمجرد صدفة!!!نطلق هذا التساؤل بفرض ان المتسائل عن البكاء على الحسين عليه السلام هو باحث عن الحقيقة، ولم يكمم عقله بمسلمات ما انزل الله بها من سلطان، لذا فان لم يكن باحثا عن الحق، فليس مأسوف عليه ما يفعله بنفسه فان يوم الفصل كان ميقاتا.قال الله تعالى:( قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ)

البكاء على الحسين حرب على الطغاة:

يترافق البكاء على الحسين عليه السلام بذكر قصة مقتله، مع مظاهر الحزن وتعابير الحسرة والأسف، ضمن مراسم للعزاء في سلوك جمعي لشيعته ومحبيه، في كل صقع من أصقاع الأرض وفي كل آن من عمر الناس على سطح هذا الكوكب.الحسين عليه السلام سبط رسول الله صلى الله عليه واله وسلم، وامام بنص الرسول قام او قعد، ومكتوب على الجميع لزوم محبته بنص الكتاب ومطهر من الرجس بإرادة الله تعالى و بنص الكتاب ايضا، وهناك وصايا نصية ومميزة للحسين من جده صاحب الرسالة فهو ابن الرسول والرسالة وأمه الزهراء سيدة نساء العالمين وابو المرتضى سيد الوصيين، وعيله هم عيال رسول الله .اما قتلته فهم أبناء أللعناء الذين لعنهم الله ورسوله في مواطن كثيرة، ومن الذين طردهم رسول الله والمعروفون بانهم القردة والشجرة الملعونة في القران، سلالة النوابغ سمية ومرجانة شاربي الخمور وراكبي الفجور، طغاة العصور.إذن الصورة هكذا: مستضعفون يندبون الحسين عليه السلام، ويبكون مستذكرين قصة الحكام الطغاة أولاد الزانيات، شاربي الخمور وراكبي الفجور، الذين استولوا على السلطة لمآربهم الخاصة، فحرفوا الشرع وساموا الناس الذل والقتل والترويع، وأكلوا الأموال بالباطل، ثم عدوا على عترة نبي الأمة فقتلوا أولاده وسبوا بناته.. وتفاصيل مواقف الشرف التي ليس لها مثيل التي وقفها الحسين عليه السلام وأهل بيته وأصحابه، من جانب ومواقف الغدر والخسة بكل ألوانها التي وقفها الطغاة وقادتهم وزبانيتهم.هذه صورة البكاء الحسيني المتكرر في كل مكان ووقت، احتجاج بالغ التأثير، و في مضمونه تأييد للمظلومين المحرومين وتحريض يؤجج نار الثورة في المستضعفين، مثل ما هو تذكير بعدوان الحكام الظلمة وتحريض الناس على لعنهم والتبرؤ منهم.. إنها سياسة لنصرة الحق دوما وفي منتهى الذكاء، يورثها ويؤسس لها الحسين في قصته.ان مجالس البكاء على الحسين عليه السلام تهز عروش الطغاة حيثما تقام.. ولذا فالطغاة والبكائين على الحسين عليه السلام في حال حرب سجال على مر التاريخ.إن البكاء على الحسين عليه السلام؛ مثار قلق ومشكلة سياسية كبيرة تؤرق الطغاة، وهي في واقعها مشكلة سياسية معقدة جدا، ترتبط بالدين وتحيله الى محض سياسة.. تدفعه للواجهة من جديد وقد ظنوا انهم جعلوا افتراق الدين عن السياسة من المسلمات!ان الباكين على الحسين عليه السلام هم ثوار الدين الحق شعروا بذلك ام لم يشعروا، لأنهم حمالين لمعاني نهج الحسين المظلوم، والبكاء ظاهر يعبر به المظلوم عن مظلوميته، والبكاء تظاهرة كبيرة للمظلوم على ظالمه، بما يرافق البكاء من دعاء على الظالم ولعن ومقت، وهو مباح بنص القران:(لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعاً عَلِيماً) .في البكاء على الحسين عليه السلام يتجدد الدين:وجود شعائر تستبكي الناس دوما:- كل ارض كربلاء وكل يوم عاشوراء - لكل موسى فرعون ولكل يزيد حسين.- إشارات وشعائر متجددة؛ مثل مراسم شعار؛ ابد والله لا ننسى حسينا، ومثل؛ مسيرات راجلة من كل أصقاع الأرض باتجاه كربلاء، ومثل؛ تبرع للعطاء بلا حدود وبشكل جمعي للباكين في ذكرى الحسين المظلوم عليه السلام…وغيره مما تتفتق عنه معاني حب الحسين عند البكائيين عليه.إذن لولا البكاء و البكائيين على الحسين لصار انتقال الخلافة إلى يزيد وأمثاله من الفجرة الطلقاء والأدعياء، ليكونوا خلفاء رسول الله( صلى الله عليه وآله) في عقيدته ومهام رسالته.. لكان هذا الانتقال أمرا عاديا مثل بقية حوادث التاريخ تلقائيا وبهذا لضاع الدين إلى الأبد.لان البكاء على الحسين عليه السلام، عزز سيكولوجية بغض الظالمين في المجتمع الشيعي عبر قرون، وهو بدوره تمهيد لمحقهم على يد المصلح العالمي الثائر الذي يرفع شعار يا لثارات الحسين.وبهذا فإننا نجد حلقات متناسقة مترابطة لها معنى المسؤولية والتكافل، يفرزها البكاء الذكي على الحسين عليه السلام في مذهب ال البيت(صلوات الله عليهم)، ليس لها مثيل في الأديان والمذاهب الأخرى.ضمن ذلك الهيكل السيكولوجي الاجتماعي المحبوك في مجتمع البكائيين، يكمن ضمان حفظ الدين وتجدد مهامه، رغم كل ما يبدو انه خلل.البكاء على الحسين(عليه السلام) محض توحيد لله تعالى:

هناك نسبة ثابتة بين الظلم والشرك، بل هما وجهان لمعنى القبح في الوجود، وان البكاء على الحسين عليه السلام هو تعبير عن كراهية محبي الحسين عليه السلام للظلم، وانه عمليا يعزز سيكولوجية بغض الظالمين في النفوس الباكية..تجسيدا لما ناله الحسين من مظلومية متميزة بمنتهى القسوة والغدر والإجحاف، ليس إلا لأنه صاحب دين صحيح جوهره التوحيد الخالص لله تعالى.. حيث يقول (عليه السلام) يوم عاشوراء يخاطب ربه:تركت الخلق طرا في هواك وايتمت العيال لكي اراكفان قطعتني في الحب اربا لما مال الفؤاد الى سواكوإذا كرهت النفوس الظلم حقيقة؛ فإنما هي تكره الشرك؛ فقد جاء في قوله تعالى:( وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لاِبْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) .ان البكاء على الحسين عليه السلام – كما هو مفترض- يصدر عن نفوس قومت بتوحيد الله تعالى الخالص، لأنها انطوت على بغض الظالمين وعداوتهم والبراءة منهم. وهذا هو منهج واضح في التوحيد يبرزه القران تعلمناه من سيرة سيد الموحدين النبي إبراهيم الخليل عليه السلام التي يحكيها القران الكريم؛ قال تعالى:( قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ) .والآية محكمة واضحة المعاني والدلالات على بغض الظالمين كأساس للتوحيد كعقيدة تستوعب النفوس.وفي موضع اخر من نهج القران في كون بغض الظالمين وعداوتهم هو نهج الموحدين؛ قال تعالى على لسان ابراهيم عليه السلام:( قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ * أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ* فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ) ..وفي موضع أخر يقول الله تعالى عن سيد الموحدين إبراهيم الخليل عليه السلام في جده لامه أو عمه: (وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ) .تبرء إبراهيم من اقرب رحمه، لأنه علم انه عدو لله تعالى.. والشيء اللافت هنا في هذه الآية الذي يحتاج إلى تأمل كبير، هو تذييل الآية، بمدح إبراهيم بأنه أواه، أي بكاء.والبكاء على الحسين عليه السلام بما فيه من حسرة وحرقة على مظلوميته ومصيبته الراتبة، فانه يتضمن لعن الظالمين الكبار ومؤسسي الظلم في العالم والبراءة منهم، خصوصا الذين امتطوا الدين الذي جاء بشريعة التوحيد والوحدانية ومحق الظلمة والظلم، فجعلوه سهما لغاياتهم في الحياة الدنيا وعروة للتسلط على الناس بغير عدل افشوه، ولاحسنا فعلوه.إذا لا توحيد خالص لله تعالى في الأرض بلا بغض حقيقي للظالمين ولا أساس لبغضهم عمليا وعلى الواقع الإنساني اليوم إلا في الباكين على الحسين عليه السلام، ولذا فان أئمتنا(عليهم السلام) قد أسسوا عمليا للتوحيد بدمهم وبدموعنا.فما أغلى ما أعطوا(عليهم السلام) لتوحيده جل وعلا، وما ارخص ما نعطي، ذلك إن كنا نسكب دمعة حقا في سبيل الحسين عليه السلام.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
التعليقات
ابو زهراء
2008-12-29
بارك الله فيك يااخ محسن ورزقك شفاعة الحسين وزيارة الحسين ولكافة المسلمين
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
محمود الراشدي : نبارك لكم هذا العمل الجبار اللذي طال إنتظاره بتنظيف قلب بغداد منطقة البتاويين وشارع السعدون من عصابات ...
الموضوع :
باشراف الوزير ولأول مرة منذ 2003.. اعلان النتائج الاولية لـ"صولة البتاوين" بعد انطلاقها فجرًا
الانسان : لانه الوزارة ملك ابوه، لو حكومة بيها خير كان طردوه ، لكن الحكومة ما تحب تزعل الاكراد ...
الموضوع :
رغم الأحداث الدبلوماسية الكبيرة في العراق.. وزير الخارجية متخلف عن أداء مهامه منذ وفاة زوجته
عمر بلقاضي : يا عيب يا عيبُ من ملكٍ أضحى بلا شَرَفٍ قد أسلمَ القدسَ للصُّ،هيونِ وانبَطَحا بل قامَ يَدفعُ ...
الموضوع :
قصيدة حلَّ الأجل بمناسبة وفاة القرضاوي
ابراهيم الجليحاوي : لعن الله ارهابي داعش وكل من ساندهم ووقف معهم رحم الله شهدائنا الابرار ...
الموضوع :
مشعان الجبوري يكشف عن اسماء مرتكبي مجزرة قاعدة سبايكر بينهم ابن سبعاوي
مصطفى الهادي : كان يا ماكان في قديم العصر والزمان ، وسالف الدهر والأوان، عندما نخرج لزيارة الإمام الحسين عليه ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يكشف عن التعاقد مع شركة امريكية ادعت انها تعمل في مجال النفط والغاز واتضح تعمل في مجال التسليح ولها تعاون مع اسرائيل
ابو صادق : واخیرا طلع راس الجامعه العربيه امبارك للجميع اذا بقت على الجامعه العربيه هواى راح تتحرر غلسطين ...
الموضوع :
أول تعليق للجامعة العربية على قرار وقف إطلاق النار في غزة
ابو صادق : سلام عليكم بلله عليكم خبروني عن منظمة الجامعه العربيه أهي غافله ام نائمه ام ميته لم نكن ...
الموضوع :
استشهاد 3 صحفيين بقصف إسرائيلى على غزة ليرتفع العدد الى 136 صحفيا منذ بدء الحرب
ابو حسنين : في الدول المتقدمه الغربيه الاباحيه والحريه الجنسيه معروفه للجميع لاكن هنالك قانون شديد بحق المتحرش والمعتدي الجنسي ...
الموضوع :
وزير التعليم يعزل عميد كلية الحاسوب جامعة البصرة من الوظيفة
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
فيسبوك