المقالات

عيد الفطر المبارك بين العادات والعبادات

1819 17:29:00 2008-09-30

( بقلم : حسن الهاشمي )

ونحن على أعتاب عيد الفطر فإننا نودع على مضض شهر رمضان المبارك بما يحمل من خير وبركة ورحمة وضيافة إلهية، وبالرغم من أجوائه الإيمانية الحلوة فإننا مضطرين من وداعه شأن كل ما له بداية أن تكون له نهاية.. فإن شعوراً غريباً ينتاب الفرد منا.. ولست أدري أهو شعور بالحزن والأسى على تلك الأيام التي كنا نقضيها نهاراً مع الله في سكناتنا وحركاتنا وأقوالنا وأفعالنا. ونقضي لياليها في بيوته قائمين على عبادته نؤدي الفرائض والنوافل ونعلي اسمه ونقرأ كتابه المجيد ونتأسى بسنة أحب الخلق إليه ومصطفاه محمد صلى الله عليه وآله وسلم وسيرة الأئمة المعصومين من ذريته الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا. وطالما نتحسر على تلك المساجد التي كانت تموج بأنوارها الربانية ووفود الرحمن تكلل هامتهم وتغمر سرائرهم مظاهر السماحة والتقوى والصفاء والنقاء وهم يؤمونها ويتجمعون في حلقات دينية تحفها الملائكة. وهو حق شعور بالفرحة بانتصارنا على شهواتنا وأهوائنا التي أعطيناها إجازة وتغلبنا فيها على أنفسنا ومن ثم استبشارنا بالتوبة والفوز بالجائزة التي وعد الله تعالى بها الصائمين. فها هي صفحات الأيام تطوى وساعات الزمن تنقضي.. بالأمس القريب استقبلنا حبيبا واليوم نودعه.. وقبل أيام هل هلال رمضان واليوم تصرمت أيامه.. ولئن فاخرت الأمم الكافرة ـ من حولنا ـ بأيامها وأعيادها واخلعتها أقدارا زائفة، وبركات مزعومة وسعادة واهية فإنما هي تضرب في تيه وتسعى في ضلال.. ويبقى الحق والهدى طريق أمة محمد، فالحمد لله الذي هدى أمة الإسلام سبيلها وألهمها رشدها وخصها بفضل لم يكن لمن قبلها.. أطلق بصرك لترى هذه الأمة المرحومة مع إشراقة يوم العيد تتعبد الله عز وجل بالفطر كما تعبدته من قبل بالصيام. وبغض النظر عن المعنى اللغوي للعيد إلا أن النتيجة وهي الأهم حيث يحددها الراسخون في العلم وأهل العرفان والتقوى والإيمان والأطباء لنفوس البشر أهل بيت النبي (ص) بأن العيد ليس بلبس الثياب الجديدة والزينة الفاخرة وتناول أنواع الأطعمة والأشربة اللذيذة والانتشاء بسائر الملذات وإن كانت محللة طبعاً بل لا بد من النظر إلى الجانب المعنوي أيضاً للعيد من أنواع العبادات والأذكار والصلوات والأدعية والمستحبات في هذا المجال، ( ليس العيد لمن لبس الجديد، إنما العيد لمن خاف الوعيد ). فالبُعد الرابح في الإنسان دائماً هو الروح وإليه أشار عز وجل (ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها، قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها..) وصفاء النفس وجلاء الروح يتجلى بالدين وأوّل الدين معرفة الجبار. والإمام الحسين بن علي (عليه السلام) يقول: يا أسمع السامعين يا أبصر الناظرين ويا أسرع الحاسبين ويا أرحم الراحمين صلى على محمد وآل محمد السادة الميامين وأسألك اللهم حاجتي التي إن أعطيتنيها لم يضرني ما منعتني وإن منعتنيها لم ينفعني ما أعطيتني أسألك فكاك رقبتي من النار لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك، لك الملك ولك الحمد وأنت على كل شيء قدير). تلك أسمى معاني العيد في الخوف من الوعيد ومن عذاب الحريق الذي يصفه الإمام (عليه السلام) بأنه حاجة إن أعطيها العبد لم يضره ما منعه غيره وإن منعها لم ينفعه ما أعطاه غيره، وكما يستفاد من بعض الروايات أن في الجنة والنار كليهما ما لا أذن سمعت ولا عين رأت، طبعاً في الجنة من النعيم الخالد وفي النار من العذاب المخلد. والأول من شوال من كل عام هو عيد الفطر السعيد وهو يوم عظيم مبارك، وليلته كذلك، فقد كان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) يعجبه أن يفرغ الرجل أربع ليال من السنة : أول ليلة من رجب، وليلة النحر، وليلة الفطر، وليلة النصف من شعبان.وفي ليلة الفطر، ويوم الفطر : أعمال واجبة ومستحبة: فالواجب من يوم العيد ، يجب إخراج زكاة الفطرة ، وهذه الزكاة واجبة على المكلف وعلى كل من يعول به ، ويلحق به الضيف إذا نزل عليه قبل الهلال وبقي عنده ليلة العيد ولا تجب على من يكون ضيفا على الإفطار فقط.ويجب دفع زكاة الفطرة: عند طلوع الفجر، بعد صلاة العيد، وإذا لم يصل صلاة العيد فيمتد الوقت إلى الزوال، وبعد الزوال تدفع بنية القربة المطلقة.وزكاة الفطرة هي صاع من : الحنطة - الشعير - التمر - الزبيب، (وهذه أفضل أنواع الطعام ) وأفضلها التمر والصاع : حوالي ثلاث كيلوغرامات، والحرام : هو صيام هذا اليوم. والمستحبات كثيرة منها: الغسل. ومنها : وهو أهمها إحياء ليلة الفطر بالعبادة، وأفضل الأعمال فيها: زيارة الإمام الحسين (ع) ، فعن الإمام الصادق (ع) : من زار قبر الحسين في ليلة من ثلاث ليال، غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر: ليلة الفطر، وليلة الأضحى ، وليلة النصف من شعبان، هذا من الجانب الروحي والمعنوي المكنون في العيد أما الجوانب الترفيهية التي تبرز على شكل طقوس وعادات وتقاليد، وعلى الرغم من تشابه عادات المسلمين في البلدان العربية والإسلامية خلال عيد الفطر المبارك، إلا أن لدى بعض الشعوب والدول عادات تختص بها دون غيرها، وإن كانت صلاة العيد وزيارات الأقارب وصلة الرحم واحدة في الدول الإسلامية لأنها صادرة من تعاليم الدين الحنيف، إلا أن لكل دولة طريقة مختلفة بعض الشيء في ممارسة مثل هذه العادات والتقاليد.

ففي العراق تبدأ مظاهر عيد الفطر بأجوائها الروحية والترفيهية، ومع أول ساعة من صباح العيد يتجمع الناس لصلاة العيد في الجوامع والعتبات المقدسة والحسينيات وطالما تلعلع فيها أصوات التكبير والتهليل من الصباح الباكر إيذانا للمؤمنين لإقامة صلاة العيد، حيث يقومون بعد أداء الصلاة بتهنئة بعضهم البعض وتقديم العبارات الخاصة كمثل (كل عام وأنتم بخير) و(أيامكم سعيدة) و(تقبل الله طاعتكم) و(ذهب التعب وبقي الأجر) وغيرها، وبعد ذلك يذهب الناس إلى منازلهم استعداداً للزيارات العائلية واستقبال الضيوف من الأهل والأقارب، أو تبدأ الزيارات العائلية عقب تناول إفطار الصباح بالذهاب إلى بيت الوالدين والبقاء هناك لتناول طعام الغداء ثم معايدة الأقارب والأرحام ومن ثم الأصدقاء.ومن الجدير بالذكر تبدأ الأسر في وقت سابق بشراء حاجياتها من ألبسة وأطعمة وغيرها، ويتم الإعداد للعيد عن طريق نصب المراجيح ودواليب الهواء والفرارات وتهيئتها للأطفال، أما النساء فيشرعن بتهيئة وتحضير (الكليجة) بأنواع حشوها المتعددة إما بالجوز المبروش أو التمر أو السمسم والسكر والهيل لتعطيها نكهة معروفة، حيث يقدم للضيوف مع الشاي أو الشرابت وبعض قطع الحلويات كالحلقوم أو من السما (المن والسلوى) أو (المسقول) وتعمل النساء نوعاً من الصمون المدور( الكماج) حيث يضاف إليه قليل من السكر ويدهن بصفار البيض ويخبز إما بالفرن أو بالتنور، كما تقوم ربة البيت بإعداد المنزل وتنظيفه وترتيبه رغم أنه في الغالب يكون مرتباً لكن ذلك يعد من ضروريات العيد. وفي أيام العيد تخرج بعض العوائل إلى الحدائق والمتنزهات والبساتين للترفيه عن النفس وقضاء أوقات ممتعة بمعية الأطفال وبقية أفراد العائلة الذين هم بأمس الحاجة إلى هكذا أماكن حيث أنها قليلة في الكم والكيف في عراق ما بعد السقوط لما عاناه من إهمال النظام البائد وما يلاقيه من الإرهابيين في هذه الحقبة العصيبة التي يمر بها وطننا الحبيب، ونأمل من الحكومات المحلية والمركزية أن تولي توسعة المناطق الخضراء اهتمامها الحثيث لما لها الأثر البالغ في التفريج عن الهموم والتنفيس عن الكروب وما أكثرها في بلاد الرافدين. وفي مصر تتزين الأحياء الشعبية بمظاهر العيد ويعود الأطفال مع والديهم محملين بالملابس الجديدة التي سيرتدوها صباح عيد الفطـر، وتجد الازدحام على أشده قبل العيد في جميع المخابز لأنها تستعد لعمل كعك العيد والذي هو سمة من سمات العيد في مصر، وتتفنن النساء في عمله مع الفطائر الأخرى والمعجنات والحلويات التي تقدم للضيوف، أما بيوت الله فتنطلق منها التكبيرات والتواشيح الدينية حيث يؤدي الناس صلاة العيد في الساحات الكبرى والمساجد العريقة في القاهرة، وعقب صلاة العيد يتم تبادل التهاني بقدوم العيد وتبدأ الزيارات ما بين الأهل والأقارب وتكون فرحة الأطفال كبيرة حيث ينطلقون بملابسهم الجميلة فرحين لركوب المراجيح ودواليب الهواء.وتحتفل الجزائر بعيد الفطر بطقوس ذات نكهة خاصة جدا، لما يتميز به الشعب الجزائري من عادات وتقاليد تعود إلى ما يملكه من تعدد وتنوع ثقافي، إلا أن هذا التنوع بزخمه يجد له روابط وثيقة مع باقي الشعوب العربية والإسلامية.وعادة ما تبدأ مظاهر العيد في الجزائر عشية الاحتفال بليلة القدر وهي المناسبة التي تستغلها الكثير من العائلات والجمعيات الخيرية لتُقيم ختانا جماعيا للأطفال في جو أسري بحضور الأهل والأقارب، وفي أجواء احتفالية رائعة. كما تبدأ الأسر بشراء احتياجاتها من ملابس جديدة وهدايا متنوعة للأبناء وتحضير ما لذ وطاب من الحلوى كمثل المقروط، البقلاوة، الدزيريات، المشوك، التشارك وحلوة الطابع وغيرها التي تبرع ربة البيت الجزائرية في صناعتها، هذا بجانب أعمال تنظيف للمنازل وتزيينها استقبالاً للعيد المبارك.وبحلول فجر أول أيام العيد يتعالى التكبير والتسبيح من مآذن المساجد في مختلف ربوع الجزائر وتبدأ جموع المصلين بالتجمع لأداء صلاة العيد، وبعد أداء الصلاة والاستماع للخطبة والدعاء يتغافر الناس ولا يفترقون إلا وقد عانق أحدهم الأخر، ومن ثم التوجه للأهل والجيران والأصدقاء وتهنئتهم بالعيد السعيد.وعقب صلاة العيد تسارع الأسر الجزائرية في تبادل الزيارات واحتساء القهوة مصحوبة بحلوى العيد، وهي من العادات الأكثر شيوعاً في البيوت الجزائرية. كما تتبادل الأسر الحلوى صباح أول أيام العيد. وتحرص معظم العائلات على التجمع في بيت كبير العائلة لقضاء اليوم كله مع الأقارب والأرحام.والعيد في الجزائر يعتبر يوم للأطفال فالفرحة التي تكسوا كل طفل تظهر للعيان خاصة وإنهم يخرجون بأبهى حلة يرتدون الجديد ويفرحون بالألعاب ويقصدون حدائق التسلية والترفيه إلى جانب تقديم العيدية لهم ويعتبر العيد في الجزائر عطلة مدفوعة الأجر تدوم يومين.ويتشـارك جميع أطفال الدول العربية في أمر واحد خلال العيد ألا وهو الحصول على ما يطلق عليها (العيدية) أو (الخرجية) وهي عبارة عن مبالغ من المال تعطى من أفراد الأسرة الكبار للصغار لشراء الحلويات والألعاب وركوب المراجيح وبقية الألعاب الأخرى.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
محمود الراشدي : نبارك لكم هذا العمل الجبار اللذي طال إنتظاره بتنظيف قلب بغداد منطقة البتاويين وشارع السعدون من عصابات ...
الموضوع :
باشراف الوزير ولأول مرة منذ 2003.. اعلان النتائج الاولية لـ"صولة البتاوين" بعد انطلاقها فجرًا
الانسان : لانه الوزارة ملك ابوه، لو حكومة بيها خير كان طردوه ، لكن الحكومة ما تحب تزعل الاكراد ...
الموضوع :
رغم الأحداث الدبلوماسية الكبيرة في العراق.. وزير الخارجية متخلف عن أداء مهامه منذ وفاة زوجته
عمر بلقاضي : يا عيب يا عيبُ من ملكٍ أضحى بلا شَرَفٍ قد أسلمَ القدسَ للصُّ،هيونِ وانبَطَحا بل قامَ يَدفعُ ...
الموضوع :
قصيدة حلَّ الأجل بمناسبة وفاة القرضاوي
ابراهيم الجليحاوي : لعن الله ارهابي داعش وكل من ساندهم ووقف معهم رحم الله شهدائنا الابرار ...
الموضوع :
مشعان الجبوري يكشف عن اسماء مرتكبي مجزرة قاعدة سبايكر بينهم ابن سبعاوي
مصطفى الهادي : كان يا ماكان في قديم العصر والزمان ، وسالف الدهر والأوان، عندما نخرج لزيارة الإمام الحسين عليه ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يكشف عن التعاقد مع شركة امريكية ادعت انها تعمل في مجال النفط والغاز واتضح تعمل في مجال التسليح ولها تعاون مع اسرائيل
ابو صادق : واخیرا طلع راس الجامعه العربيه امبارك للجميع اذا بقت على الجامعه العربيه هواى راح تتحرر غلسطين ...
الموضوع :
أول تعليق للجامعة العربية على قرار وقف إطلاق النار في غزة
ابو صادق : سلام عليكم بلله عليكم خبروني عن منظمة الجامعه العربيه أهي غافله ام نائمه ام ميته لم نكن ...
الموضوع :
استشهاد 3 صحفيين بقصف إسرائيلى على غزة ليرتفع العدد الى 136 صحفيا منذ بدء الحرب
ابو حسنين : في الدول المتقدمه الغربيه الاباحيه والحريه الجنسيه معروفه للجميع لاكن هنالك قانون شديد بحق المتحرش والمعتدي الجنسي ...
الموضوع :
وزير التعليم يعزل عميد كلية الحاسوب جامعة البصرة من الوظيفة
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
فيسبوك