المقالات

الشهور السبعة ومابعدها

658 23:22:00 2010-10-13

عادل الجبوري

انقضت سبعة شهور على اجراء الانتخابات البرلمانية العراقية، ودخل العراق في موسوعة غينيس للارقام القياسية من خلال تأخر تشكيل الحكومة لوقت طويل كاسرا بذلك الرقم القياسي المسجل في هولندا عام 1977 ، اذ استغرق تشكيل الحكومة هناك بعد اجراء الانتخابات (108) ايام.وحتى بعد انقضاء الشهور السبعة، فأن بوادر وملامح حقيقية لم تلح في الافق على قرب حل الازمة وانجاز الاستحقاقات المطلوبة، رغم طرح الكتلة النيابية الاكبر-بأستثناء بعض مكوناتها-مرشحا رسميا لها لرئاسة الحكومة المقبلة.اين يكمن الخلل؟.. ولماذا كل هذا التأخير الذي لايستبعد ان يمتد لشهور اخرى؟.. وماذا لو استمر الخلاف والتقاطع بين الفرقاء السياسيين؟..مثل هذه التساؤلات والاثارات لابد ان تطرح نفسها او تطرح على الساسة المعنيين بزمام الامور، وفي داخل المحافل والاوساط السياسية المختلفة، وفي عموم الشارع العراقي، مترافقة مع هواجس خوف وقلق من الاتي.جملة حقائق ومعطيات يمكن من خلال الاشارة اليها ان تتوضح الصورة وتنفرز وتتميز خطوطها والوانها وملامحها ومعالمها، ومن تلك الحقائق والمعطيات:-لم تنصهر بعد المصالح الخاصة بعناوينها الشخصية والحزبية والقومية والمذهببية والطائفية في بوتقة المصالح الوطنية العامة، والتقاطع بين الخاص والعام مازال كبيرا وحادا لدى معظم القوى والتيارات والشخصيات السياسية.-لم تؤسس التجربة الديمقراطية الجديدة في العراق حتى الان لمنهجيات وسياقات سياسية تهيء الارضيات والاجواء والمناخات المناسبة لترسيخ مبدأ التداول السلمي والسلس والمرن والسريع للسلطة على ضوء ماتفرزه صناديق الاقتراع من نتائج، ووفق ضوابط ومحددات الدستور، وبدلا من ان تتبلور المسارات وتختزل المسافات، يحدث العكس، فقبل اربعة اعوام او اكثر بلغت الفترة الزمنية الفاصلة بين اجراء الانتخابات البرلمانية، وبين تشكيل الحكومة وشروعها في عملها خمسة شهور وسبعة ايام، بينما مازالت الفترة الزمنية الفاصلة بين الانتخابات البرلمانية الاخيرة(7 اذار 2010) وبين تشكيل الحكومة مفتوحة وبلغت حتى الان سبعة شهور وخمسة ايام، ومن المرجح في ظل حالة الجمود والتصلب السياسي لمختلف الاطراف المعنية ان تمتد الى ثلاثة او اربعة شهور اخرى، وهذا امر ينطوي على مخاطر حقيقية يمكن ان تلحق بالنظام الديمقراطي الذي مازال هشا الى حد كبير، ويفتح الباب واسعا لكل الخيارات لاسيما السيئة والسلبية منها. -مازالت مؤسسات الدولة العراقية وبمفاصلها العليا هشة وعرضة للتلاعب بمقدراتها وتغييب ادوارها وتهميش عناصرها، ناهيك عن غياب مبدأ الفصل الحقيقي والكامل بين السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية في البلاد، فالغياب او التغييب الكامل للسلطة التشريعية-الرقابية المتمثلة بمجلس النواب يعد واحدا من ابرز مظاهر الضعف والخلل والقصور في البناء المؤسساتي للدولة العراقية المعاصرة، والا كيف يمكن للمرء ايا كان مستواه او توجهه او انتمائه ان يتقبل واقع تعطيل السلطة العليا التي يفترض انها تمثله وتدافع عن حقوقه، بسبب عدم انبثاق سلطة تنفيذية جديدة وفق معطيات ونتائج العملية الانتخابية، واكتفاء غالبية اعضاء البرلمان بالانتظار السلبي لحلول ومخارج لازمة تشكيل الحكومة علها تأتي من هذا الجانب او ذاك، بينما الحل والمخرج الحقيقي في النظام الديمقراطي يجب ان ينبثق من البرلمان.وعلى افتراض ان ازمة تشكيل الحكومة ستمتد وستطول، فالا ينبغي ان يكون هناك حضور ودور لمجلس النواب يتجاوز الحراك السياسي في نطاق دوائر ضيقة؟.والانكى من ذلك ان كل مفاصل ومؤسسات الدولة لم تتعطل ولم تتوقف بسبب الازمة السياسية الا السلطة التشريعية-الرقابية(البرلمان)، أي بعبارة اكثر وضوحا بقي المدرس والطبيب والمهندس والمحامي وموظف البلدية ووو.. يمارس دوره ويقوم بوظيفته الا عضو البرلمان، والانكى من ذلك هو ان الاخير الذي لم يجلس على كرسي البرلمان وتحت قبته اكثر من سبع عشرة دقيقة تمتع خلال الشهور السبعة الماضية بكافة امتيازاته وحقوقه المالية التي بلغت بحسب التقارير اثنين وسبعين مليون دينار لكل نائب أي مايتجاوز الستين الف دولار اميركي ماعدا بعض مخصصات السكن وغيرها!. -لم تتأسس حتى الان ارضيات قوية ورصينة ومحكمة للتعايش الاجتماعي والسلم الاهلي بين المكونات المختلفة للمجتمع العراقي، ومازالت اجواء ومناخات ومشاعر عدم الثقة والتوجس من الاخر مهيمنة وطاغية وشاخصة في الكثير من مفاصل وزوايا المجتمع، واقرب واوضح دليل على ذلك ان المعادلات الطائفية والقومية وحتى المناطقية مازالت هي المتحكمة في مسارات البحث والحوار والتفاوض من اجل الخروج بصيغة مرضية ومقبولة لادارة الدولة، او بعبارة اخرى لتشكيل الحكومة.وفي هذا السياق اعجبتني رؤية الكاتب والمفكر اللبناني السيد هاني فحص، اذ يقول في هذا الشأن "لا داعي ولا مصلحة في انكار التعدد العراقي او ادارته بطريقة عشوائية او انفعالية... واذا ما كان في التعدد بعض العيوب التي تقل كثيرا عن محاسنه، فإن العيب الحقيقي يأتي منا، أي من ادارتنا للتعدد، الذي تسبب جهل ورعونة الحكومات السابقة في ترسيخ الحساسية بين أطرافه، سواء كانت اتنية أم طائفية.هناك يقظة عراقية على هذه المسألة وكلام صادق أو مخادع على ضرورة العناية بها ومعالجتها والوقاية من تحولها الى ازمة قاتلة وان كنا لم نشهد الا المزيد من التعقيد، بحيث اصبح التعدد وكأنه مرض عضال، ما يعني اننا لم ننجح في هذا المجال الذي يعادل النجاح فيه او الفشل، بقاء العراق أو زواله".ويضيف قائلا "إن البداية المنهجية لادارة التعدد بشكل صحيح يقطع الطريق على التضخيم المدمر للاحساس بالهويات الفرعية، كما قد يتفق كثيرون من أهل الرأي والرؤية أن تتأسس حالة من تبادل تخفيف خوف الاطراف من بعضها البعض، ليتحرر السنة العرب مثلاً من الخوف على المستقبل، فيساعدون الشيعة العرب على التحرر او التخفيف من الخوف من الماضي، ليعود ذلك فيؤثر في طمأنينة السنة واستقرارهم، ويعود اطمئنان الشيعة واستقرارهم وتفاهمهم مع السنة، وإن بقي مجال للاختلاف غير التناحري، ليسهم في تحرير الاكراد وسائر الاثنيات والطوائف من قيود الذاكرة والمخاوف المضخمة او المتزايدة".قد يبدو من خلال نظرة موضوعية وهادئة ان اشكاليات وتعقيدات الواقع السياسي العراقي في جزء كبير منها تعد استحقاقا طبيعيا لتجربة ديمقراطية حديثة العهد شيدت على انقاض وتركة ثقيلة خلفها نظام ديكتاتوري استبدادي شمولي، بيد انه من زاوية اخرى ينبغي القول والتأكيد بأن هناك خللا في البناء المؤسسساتي للدولة العراقية المعاصرة، ساهمت في ايجاده عوامل وظروف مختلفة بعضها داخلية وبعضها الاخر خارجية، كذلك ينبغي التأكيد على ان الثقافة الديمقراطية الحقيقية لم تتبلور حتى الان بالقدر الكافي لدى الكثير من النخب والقوى والتيارات السياسية، بحيث ان الهوة مازالت وستبقى الى امد غير معلوم كبيرة بين الشعارات النظرية والممارسات والسلوكيات العملية.وازمة تشكيل الحكومة الماثلة امامنا اليوم والظروف والملابسات المرافقة لها هي في الواقع اكبر واخطر مما قد يفترضه ويتصوره البعض، فهي قد تنتهي وتعالج بعد شهر او شهرين او ثلاثة شهور عبر التوافقات او الضغوطات او خيارات الامر الواقع، لكنها ستبقى قائمة في بنية النظام السياسي وستطل علينا بعد اربعة اعوام، وبعد ثمانية اعوام، اذا لم يصار الى البحث في عمقها وجوهرها، والسعي الى مواجهتها وحلها جذريا بدلا من اللف والدوران حولها او الهروب منها.بعبارة اخرى القضية اعقد واكبر واخطر من سبعة شهور مرت دون جدوى ويمكن ان تصبح عشرة شهور او حتى اكثر من ذلك.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
محمود الراشدي : نبارك لكم هذا العمل الجبار اللذي طال إنتظاره بتنظيف قلب بغداد منطقة البتاويين وشارع السعدون من عصابات ...
الموضوع :
باشراف الوزير ولأول مرة منذ 2003.. اعلان النتائج الاولية لـ"صولة البتاوين" بعد انطلاقها فجرًا
الانسان : لانه الوزارة ملك ابوه، لو حكومة بيها خير كان طردوه ، لكن الحكومة ما تحب تزعل الاكراد ...
الموضوع :
رغم الأحداث الدبلوماسية الكبيرة في العراق.. وزير الخارجية متخلف عن أداء مهامه منذ وفاة زوجته
عمر بلقاضي : يا عيب يا عيبُ من ملكٍ أضحى بلا شَرَفٍ قد أسلمَ القدسَ للصُّ،هيونِ وانبَطَحا بل قامَ يَدفعُ ...
الموضوع :
قصيدة حلَّ الأجل بمناسبة وفاة القرضاوي
ابراهيم الجليحاوي : لعن الله ارهابي داعش وكل من ساندهم ووقف معهم رحم الله شهدائنا الابرار ...
الموضوع :
مشعان الجبوري يكشف عن اسماء مرتكبي مجزرة قاعدة سبايكر بينهم ابن سبعاوي
مصطفى الهادي : كان يا ماكان في قديم العصر والزمان ، وسالف الدهر والأوان، عندما نخرج لزيارة الإمام الحسين عليه ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يكشف عن التعاقد مع شركة امريكية ادعت انها تعمل في مجال النفط والغاز واتضح تعمل في مجال التسليح ولها تعاون مع اسرائيل
ابو صادق : واخیرا طلع راس الجامعه العربيه امبارك للجميع اذا بقت على الجامعه العربيه هواى راح تتحرر غلسطين ...
الموضوع :
أول تعليق للجامعة العربية على قرار وقف إطلاق النار في غزة
ابو صادق : سلام عليكم بلله عليكم خبروني عن منظمة الجامعه العربيه أهي غافله ام نائمه ام ميته لم نكن ...
الموضوع :
استشهاد 3 صحفيين بقصف إسرائيلى على غزة ليرتفع العدد الى 136 صحفيا منذ بدء الحرب
ابو حسنين : في الدول المتقدمه الغربيه الاباحيه والحريه الجنسيه معروفه للجميع لاكن هنالك قانون شديد بحق المتحرش والمعتدي الجنسي ...
الموضوع :
وزير التعليم يعزل عميد كلية الحاسوب جامعة البصرة من الوظيفة
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
فيسبوك