الصفحة الإسلامية

تعبيرات قرآنية (ولم يلبسوا ايمانهم بظلم) (ح 1)


الدكتور فاضل حسن شريف

جاء في تفسير الميسر: قوله جل وعلا "الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُولَـٰئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ" ﴿الأنعام 82﴾ وَلَمْ: وَ حرف عطف، لَمْ حرف نفي، يَلْبِسُوا: يَلْبِسُ فعل، وا ضمير، إِيمَانَهُم: إِيمَانَ اسم، هُم ضمير، بِظُلْمٍ: بِ حرف جر، ظُلْمٍ اسم. يلبسوا: يخلطكم، من الالتباس و هو الاختلاط. لم يلبسوا: لم يخلطوا، وَ لَمْ يَلْبِسوا إيمانَهُم بِظُلْمٍ: لم يخلطوا إيمانهم بشرك. بظُلم: بشرك أو بكفر. و الظلم: وضع الشيء في غير موضعه. الذين صدَّقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه ولم يخلطوا إيمانهم بشرك، أولئك لهم الطمأنينة والسلامة، وهم الموفقون إلى طريق الحق.

 

عن النضر بن سويد، عن يحيى بن عمران الحلبي، عن هارون ابن خارجة، عن أبي بصير قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله عز وجل: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} ﴿الأنعام 82﴾ قال: بشك. يقول الشيخ حسين الخشن عن الإيمان سبيلنا إلى الأمن و الأمان: قوله تعالى "الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون" (الأنعام 82)، فالآية الشريفة تطرح معادلة واضحة يمكن اعتبارها في عداد السنن الإلهية ومفادها: أن لا أمان من دون إيمان، ومن يفتش عن الأمان خارج نطاق الإيمان فهو واهم ومخطئ، ولا موجب إطلاقاً لتأطير معنى "الأمن" في الآية وحمله على خصوص الأمن يوم القيامة، فهو يتسع مفهوماً وعرفاً للأمن الأخروي والأمن الدنيوي بكل أبعاده ودلالاته، ويلاحظ أن الآية الكريمة وضعت شرطاً لفاعلية الإيمان ودوره في صنع وتحقيق الأمان، والشرط هو أن لا يُشاب هذا الإيمان بظلم "ولم يلبسوا إيمانهم بظلم" إلا أنّ هذا الشرط ـ في حقيقته ـ ليس مغايراً لعنصر الإيمان، بل هو من مقتضياته ومتمماته، لأن الإيمان لا يتلاءم ولا يجتمع مع الظلم.

 

عن تفسير غريب القرآن لفخر الدين الطريحي النجفي: (لبس) "تلبسون" (آل عمران 71) تخلطون، قال تعالى: "ولبسنا عليهم ما يلبسون" (الأنعام 9) أي لو جعلنا الرسول ملكا لمثلناه كما مثل جبرائيل في صورة دحية فان القوة البشرية لا تقوى على رؤية الملك في صورته ولخلطنا عليهم ويخلطون على أنفسهم فيقولون: ما هذا إلا بشر مثلكم، و "لبوس" (الأنبياء 80) دروع تلبس تكون واحدا وجمعا، و "هن لباس لكم" (البقرة 187) عن مجاهد: سكن لكم، وعن ابن عرفة: من الملابسة وهي الاختلاط والاجتماع وعن غيره: تسمى المرأة لباسا، ولما كان الرجل والمرأة يعتنقان ويشتمل كل منهما على صاحبه شبه باللباس، و "لباس التقوى" (الأعراف 25) الايمان، وقيل: الحياء، وقيل: ستر العورة، و "الليل لباسا" (الفرقان 47) (النبأ 10) أي سترا، وكل شئ يستر فهو لباس، و "لباس الجوع والخوف" (النحل 112) سمي أثر الجوع والخوف لباسا لأن أثرهما يظهر على الانسان كما يظهر اللباس، وقيل: إنه شملهم الجوع، والخوف كما يشمل اللباس البدن فكأنه قال: فأذاقهم ما غشيهم وشملهم من الجوع والخوف.

 

جاء في تفسير الميزان للسيد الطباطبائي: قوله جل وعلا "الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُولَـٰئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ" ﴿الأنعام 82﴾ فالكلام متضمن تأكيدا قويا من جهة إسنادات متعددة في جمل اسمية وهي ما في قوله: "لَهُمُ الْأَمْنُ" جملة اسمية هي خبر لقوله: "أُولئِكَ" والمجموع جملة اسمية هي خبر لقوله: "الَّذِينَ آمَنُوا" إلخ، والمجموع جملة اسمية، وكذلك ما عطف على قوله: "لَهُمُ الْأَمْنُ" من قوله: "وَهُمْ مُهْتَدُونَ" فينتج أنه لا شك في اختصاص الذين آمنوا ولم يستروا إيمانهم بظلم بالأمن والاهتداء ولا ريب. ولا ريب أن الآية تدل على أن خاصة الأمن والاهتداء من آثار الإيمان مشروطا بأن لا يلبس بظلم، واللبس الستر كما ذكر الراغب في المفردات: وأصل اللبس بفتح اللام الستر، فهو استعارة قصد فيها الإشارة إلى أن هذا الظلم لا يبطل أصل الإيمان فإنه فطري لا يقبل البطلان من رأس، وإنما يغطي عليه ويفسد أثره ولا يدعه يؤثر أثره الصحيح. والظلم وهو الخروج عن وسط العدل وإن كان في الآية نكرة واقعة في سياق النفي ولازمه العموم وعدم اقتران الإيمان بشيء مما يصدق عليه الظلم على الإطلاق لكن السياق حيث دل على كون الظلم مانعا من ظهور الإيمان وبروزه بآثاره الحسنة المطلوبة كان ذلك قرينة على أن المراد بالظلم هو نوع الظلم الذي يؤثر أثرا سيئا في الإيمان دون الظلم الذي لا أثر له فيه. وذلك أن الظلم وإن كان المظنون أن أول ما انتقل إليه الناس من معناه هو الظلم الاجتماعي وهو التعدي إلى حق اجتماعي بسلب الأمن من نفس أحد من أفراد المجتمع أو عرضه أو ماله من غير حق مسوغ لكن الناس توسعوا بعد ذلك فسموا كل مخالفة لقانون أو سنة جارية ظلما بل كل ذنب ومعصية لخطاب مولوي ظلما من المذنب بالنسبة إلى نفسه بل المعصية لله سبحانه لما له من حق الطاعة المشروع بل مخالفة التكليف ظلما وإن كان عن سهو أو نسيان أو جهل وإن لم يبنوا على مؤاخذة هذا المخالف وعقابه على ما أتى به بل يعدون من خالف النصيحة والأمر الإرشادي ولو اشتبه عليه الأمر وأخطأ في مخالفته من غير تعمد ظالما لنفسه حتى أن من سامح في مراعاة الدساتير الصحية الطبية أو خالف شيئا من العوامل المؤثرة في صحة مزاجه ولو من غير عمد عد ظالما لنفسه وإن كان ظلما من غير شعور، والملاك في جميع ذلك التوسع في معنى الظلم من جهة تحليله.

 

وبالجملة للظلم عرض عريض كما عرفت لكن ما كل فرد من أفراده بمؤثر أثرا سيئا في الإيمان فإن أصنافه التي لا تتضمن ذنبا ومعصية ولا مخالفة مولوية كما إذا كان صدوره عن سهو أو نسيان أو جهل أو لم يشعر بوقوعه مثلا فتلك كلها مما لا يؤثر في الإيمان الذي شأنه التقريب من السعادة والفلاح الحقيقي والفوز برضى الرب سبحانه وهو ظاهر فتأثير الإيمان أثره لا يشترط بعدم شيء من ذلك. فقوله: "الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ" معناه اشتراط الإيمان في إعطائه الأمن من كل ذنب ومعصية يفسد أثره بعدم الظلم غير أن هاهنا دقيقة وهي أن الذنب الاختياري ـ كما استوفينا البحث عنه في آخر الجزء السادس من الكتاب أمر ذو مراتب مختلفة باختلاف الأفهام فمن الظلم ما هو معصية اختيارية بالنسبة إلى قوم وليس بها عند آخرين. فالواقف في منشعب طريقي الشرك والتوحيد مثلا وهو الذي يرى أن للعالم صانعا هو الذي فطر أجزاءها وشق أرجاءها وأمسك أرضها وسماءها، ويرى أنه نفسه وغيره مخلوقون مربوبون مدبرون، وأن الحياة الإنسانية الحقيقية إنما تسعد بالإيمان به والخضوع له فالظلم اللائح لهذا الإنسان هو الشرك بالله والإيمان بغيره بالربوبية كالأصنام والكواكب وغيرها على ما يثبته إبراهيم عليه السلام بقوله: "وَكَيْفَ أَخافُ ما أَشْرَكْتُمْ وَلا تَخافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطاناً" فالإيمان الذي يؤثر أثره بالنسبة إلى هذا الإنسان إنما يشترط في إعطائه الأمن من الشقاء بأن لا يلبسه ظلم الشرك ومعصيته. ومن طوى هذه المرحلة فآمن بالله وحده فإنه يواجه من الظلم الكبائر من المعاصي كعقوق الوالدين وأكل مال اليتيم وقتل النفس المحترمة والزنا وشرب الخمر فإيمانه في تأثيره آثاره الحسنة يشترط باجتناب هذا النوع من الظلم، وقد وعده الله أن يكفر عنه السيئات والمعاصي الصغيرة إن اجتنب كبائر ما ينهى عنه، قال تعالى: "إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً" (النساء 31) وفساد أثر هذا الإيمان هو الشقاء بعذاب هذه المعاصي وإن لم يكن عذابا خالدا غير منقطع الآخر كعذاب الشرك بل منقطعا إما بحلول أجله وإما بشفاعة ونحوها. ومن تزود هذا الزاد من التقوى وحصل شيئا من المعرفة بمقام ربه كان مسئولا بأصناف من الظلم تبدو له بحسب درجة معرفته بربه كإتيان المكروهات وترك المستحبات والتوغل في المباحات، وفوق ذلك المعاصي في مستوى الأخلاق الكريمة والملكات الربانية ووراء ذلك الذنوب التي تعترض سبيل الحب، وتحف بساط القرب، فالإيمان في كل من هذه المراتب إنما يؤمن المتلبس به ويدفع عنه الشقاء إذا عري عن ملابسة الظلم المناسب لتلك المرتبة.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك