( بقلم : حسين ابو سعود )
هناك ارتباط قوي جدا بين العيد والامان اذ لا يعقل ان يخرج الناس الي اداء صلاة العيد تحت قصف الطائرات ولا يمكن للاباء ان يسمحوا لابنائهم بالخروج الي المراجيح وهناك خوف من التفجيرات العشوائية في كل مكان، والتي لا تفرق بين امراة ورجل وطفل، واكاد اجزم بان اعياد ايام زمان كانت اجمل من اعياد هذا الزمن الصعب، يوم كنا نستعد للعيد قبل مجيئه بايام وذلك بشراء الملابس الجديدة واهتمام النسوة بصنع الكليجة حيث يجتمعن كل يوم في دار لمساعدة اهلها في اعداد صواني الكليجة ثم طقوس الذهاب الي الفرن واعادة الكليجة المطبوخة في قدر او زنبيل ومحاولة استغفال الوالدة في الطريق واكل ما يمكن اكله من الكليجة الحارة الشهية، وكم كان الواحد منا يتمني لو تتاح لبنت الجيران الاثيرة فرصة المجئ الي البيت بحجة المساعدة في اعداد الكليجة لعله يحظي بنظرة او ابتسامة او لمسة، وعلي ذكر الكليجة يقال بان صحفيا سأل احد المسئولين العراقيين في الخارج عن اماكن تواجد التمر فقال في الكليجة .
وفي ليلة العيد كنا لا نستطيع النوم بانتظار الصباح لنرتدي الملابس الجديدة ونذهب الي بيوت الاقارب للحصول علي العيدية، وكنا نخرج علي شكل مجموعات تعلونا البشر والفرحة والانطلاق، ونذهب الي اقرب دكان لبيع السجاير فنشتري عددا من »جكائر المزبن« بواقع فلس واحد لكل سيجارة، ويبدو ان التدخين كان جزءا اساسيا من طقوس العيد، كما ان الذهاب الي السينما عدة مرات كان امرا لا بد منه في العيد، وكانت افلام ايام زمان تزخر بالاثارة فكنا نصفر ونصفق للبطل وهو يأتي بالخوارق، حتي نخرج من السينما مشحونين ونريد ان »نتعارك« مع اي احد نراه امامنا، لا سيما اذا كان الفيلم عن ماشستي او هرقل او ابو جاسملر، واما الافلام الهندية مثل سنكام او ام الهند فكانت تجري دموعنا الصافية علي الوجنات مصحوبة بالانات والونات، واما افلام المرح مثل لبنان في الليل ومرحبا ايها الحب فكانت تملأنا بالفرح والنشوة المفرطة لبعض الوقت ، كما كانت الافلام الصامتة لشارلي شابلن وطرزان توفر قسطا من المرح والانبساط بأسعار اقل للفقراء .وكانت شهيتنا للاكل تنفتح في العيد بشكل غير طبيعي وكنا لا نتوقف عن الاكل ولاسيما داخل وخارج السينما حيث المرطبات واللبلبي والباقلاء والكرزات والعلك والحامض حلو واللوزينة واللقم او الحلقوم وبيض اللقلق وشعر البنات وكرات الشامية الحمراء.
و لا انسى احد الاعياد في الستينات عندما فتحت عيني علي اصوات المكبرات من الجوامع: الله اكبر الله اكبر الله اكبر، لا اله الا الله والله اكبر ولله الحمد، وكان هذا الترديد الشجي بمثابة اعلان عن العيد، وادرت نظراتي في ارجاء الغرفة فوجدت ان كل شيء متغير فالاثاث ليس اثاثنا، يا الهي قد اكون احلم !، لا لا لست احلم، فهذه الغرفة تشبه غرفة جارنا ابو فهد، نعم انها هي، فعلمت بعد ذلك بان سقف غرفتنا قد تهدم بفعل الامطار الغزيرة وكنت مع اخوتي الصغار نستغرق في نوم عميق بانتظار العيد، فهرع الجيران وحملونا الي بيتهم من دون ان نشعر بشيء، انتقلنا بعدها الي بيت عمي وبقينا هناك لاشهر حتي تم بناء الغرفة من جديد، الا ان تلك الحادثة لم تنغص علينا عيدنا فعشنا كل لحظة من لحظاته في الذهاب الي السينما والتجول في الشوارع ولاسيما منطقة عرفة التي يذهب اليها اكثر اهالي كركوك في الاعياد، وكأن انعدام الامن والامان في عراق اليوم لا ينهي الفرحة في قلوب الاطفال، والتفجيرات العشوائية لن توقفهم من لبس الجديد والخروج الي المراجيح وترقب العيديات من الاهل والمعارف، وعلي طاري العيد قال صاحب حملة حج لجماعته: اذا شديتوا حيلكم علي المناسك راح نرجع الي الوطن قبل العيد انشاء الله حتي تعيدون بين اهلكم واحبابكم، وكل عام وانتم بخير.
https://telegram.me/buratha