( بقلم: عدنان آل ردام العبيدي / رئيس تحرير صحيفة الاستقامة / رئيس اتحاد الصحفيين )
منذ ان ابتدأ الفصل التشريعي الثاني لمجلس النواب العراقي والذي من المفترض ان يناقش قضايا هامة ومصيرية ومكملة للمشوار السياسي والدستوري العراقي الذي انطلق منتصف العام 2004 بدأت الاصوات المشككة بهذا المنجز تتعالى وتتصاعد من جهات واتجاهات كنا نعرف سلفاً انها ستكون كذلك.
لا احد باستطاعته ان يقلل من اهمية المنجز التأريخي الذي صنعه العراقيون بمسيرتهم خلال العامين والنصف الماضيين حتى وان سخَّر الاخرون كل ما يملكون وما لا يملكون من ادوات ومؤسسات ومنابر اعلامية تهدف الى التشكيك بصميمية ومنهجية ونزاهة العهد العراقي الجديد.
صحيح ان ما تحقق لم يحظ بقبول ومباركة بعض الاتجاهات، لكن عدم القبول هذا لا يعني الشطب على ارادة اكثر من ثلاثة ارباع سكان العراق في الشمال والوسط والجنوب، واذا كانت تلك المنجزات العظيمة التي توالى ظهورها الواحد بعد الآخر قد لا يروق لجهة سياسية او قائمة برلمانية معينة فهناك آليات متفق عليها لوضع الحلول المناسبة ازاء بعض التحفظات التي تأتي من هنا وهناك.
بالتأكيد ان تجربتنا تعتمد التوافق والشراكة في الآليات التي تسير وفقها، لكن مبدأ التوافق لم يكن وحده بكافٍ للبت في الامور المختلف عليها. وهنا لابد ان نشير الى ان مبدأ التوافق لم يحسم قضايا كثيرة عاشتها الكتلة الواحدة وهذا ما حصل مع الدكتور الجعفري عندما كان هو مرشح الائتلاف لرئاسة الحكومة لكن قطار الائتلاف لم يتوقف عند محطة التوافق عندما عجزت هذه المحطة عن حسم الترشيح من عدمه، لذا فان الائتلاف لجأ آنذاك الى اعتماد صيغ اخرى لتجاوز الاشكالات القائمة انذاك كجنوحه الى مبدأ التصويت.القوى السياسية العراقية ممثلة بالكتل البرلمانية والقوائم الاخرى تحترم كثيراً مقرراتها ولكن عندما تصل بعض المسائل الى طرق متعثرة او مسدودة فهذا لا يعني ان نهدم كل شيء لنعود الى المربع الاول، لذا فان ما لم نستطع ان ننجزه وفق مبدأ التوافق فبالامكان انجازه وفق مبدأ التصويت اذ ان هناك برلماناً يضم 275 عضواً ينتمون الى ما يقرب من الثمانية كتل وبقوائم كبيرة ومتوسطة وصغيرة، وهذه الكتل او القوائم ممثلة باعضائها وزعمائها لها الحق كل الحق ان تختار الآليات والصيغ التي تكفل لها الاستمرار بالمشروع الوطني العراقي وعدم العودة به الى الوراء كما يطالب بذلك بعض الذين يصرون على التوافق كمبدأ وحيد لتجاوز المسائل الخلافية خصوصاً ما يتعلق منها بالفيدرالية.
الفيدرالية باتت اليوم لا تمثل رغبة سياسية لجهة ما، انما اصبحت واقعاً رسمياً ودستورياً ومطلباً جماهيرياً صوّت عليه احد عشر مليون ناخب فمن يعتقد ممن له بعض المقاعد في البرلمان انه قادر على ايقاف العجلة الدستورية والارادة الوطنية فان ذلك اعتقاداً خاطئاً وليس له تفسير عدا انه املاءات تشبه الى حد بعيد املاءات الانظمة الاستبدادية المصادرة لحق الآخر في اختيار النظام الذي يريد.
نحن وبالوقت الذي نشدد فيه على اهمية وضرورة التمسك بوحدتنا الوطنية واعادة بناء دولتنا وفق اسس ونظم عصرية حضارية تكفل التعددية والشراكة فاننا لا نتمنى ان يشطح الغير باتجاه الخطاب الانفعالي الذي يحاول ان يفرض علينا ما لا يستطيع ان يفرضه حتى على من هو في داخل دائرته خصوصاً واننا قدمنا حتى الآن من التضحيات وحسن النوايا ما يكفي لاخراج الغير من كوابيسه واوهامه وتأويلاته التي لا تستند الى واقع سياسي او دستوري عدا كونها دوافع تنطلق من المعادلات القديمة التي لا تريد لابناء الوطن الحقيقيين ان يكتبوا معادلتهم الجديدة.
https://telegram.me/buratha