( بقلم : سعد البغدادي )
بعد ان اتفقت الاطراف السياسية في العراق على استعارة النموذج الاوربي من الديمقراطية والتخلي عن ديمقراطية الاغلبية او الاكثرية وهو النظام المعمول به في انكلترا وامريكا والاستعاضة عنه بنظام الديمقراطية التوافقية عادت اليوم بعد طرح نظام الاقاليم للتصويت لتنسف كل مبادئ الديمقراطية التوافقية والتي تستند الىاولا حكومة ائتلافية
وثانيا نظام لامركزي فدرالي يضمن حقوق الاقليات والمكونات الاجتماعية في العراق من اجل عدم الاستئثار بالحكم ومن اجل الحفاظ على وحدة العراق المعرضة اصلا للتفتيت فما اذا استمر النظام المركزي في بغداد
هاتان النقطتان هما ابرز ملامح النظام التوافقي , وكانت محل اتفاق بين جميع الاطراف وفي عقيدتي ان الائتلاف العراقي الموحد قدم الكثير من التنازلات في تشكيل الحكومة من اجل انجاح هذه التجربة
لكن ماذا حدث حتى تحول النظام الفدرالي الى شبح يهدد وحدة العراق
وكيف يحاول الاخرون اقناعنا بذلك تشغل موضوعة الفيدرالية حيزاً مهماً في إنشغالات الرأي العام في العراق، وبين مؤيد ومعارض، تتواصل إحتدامات الرأي في تأسيس شاق للمحاورة والمثاقفة، لا تخلوان من هنهنات بعض الساسة، الأمر الذي يدفعنا مرة أخرى إلى إمعان النظر في مواضع الخلاف، لإستجلاء حقيقة الفيدرالية، ورد شبهات المناوئين ولا سيما في ظل التشظي الإجتماعي والسياسي، الذي يساهم في تغذية المخاوف المتقابلة، وتبريرها بكم هائل من المعطيات الواقعية، تقع في متناول الأطراف المتباينة، ولا تخيب رجاءها في البحث عن كل شاردة وواردة، تدعم رأياً وتقوض آخرا.
عملية غسيل المخ هذه ابتدءت حينما حاول الاخر ايهام العراقيين بان الفدرالية تعني الانفصال
قوى علمانية ويسارية وسنية اشتركت في هذا التضليل الاعلامي
كانت فيما مضى تنادي بالنظام الفدرالي وتعتبره العصا السحرية التي تنقذ العراق من مصيره المشؤوم
اليوم هذه القوى ترى في النظام الفدرالي محاولة لجر العراق الى الانفصال تؤيدها بعض الدول الاقليمية والمخابرات الدولية
اشكالات المعترضين على النظام الفدرالي هي
اولا: الفدرالية مقدمة للانفصال
وثانيا ليس هناك ربط بين الفدرالية والتنمية الاجتماعية
وثالثا الفدرالية لاتعني الخلاص من الارهاب
ورابعا الاقتتال الحزبي في حالة اقرار الفدرالية
يبدو لي ان جميع المعترضين لم يتحدثوا خارج هذا الاطار وخارج هذه الاسباب
وقبل الاجابة عن ما اوردوه من اشكالات احب ان اذكر القارئ الكريم ان الدستور العراقي الذي صوت عليه 80% من الشعب العراقي يتبنى وبصراحة النظام الفدرالي وتشكيل لاقاليم فقد نصت المادة الاولى منه
جمهورية العراق دولة مستقلة ذات سيادة, نظام الحكم فيها جمهوري نيابي ديمقراطي اتحادي
اما الاشكال الاول والدال على الفدرالية مقدمة للانفصال فاغلب المعترضين يصرون على هذا الترابط ففي افتتاحية صحيفة البصائر والتي تصدر عن هيئة علماء السنة العدد(156) السنة الرابعة( ان الفدرالية تسير وفق الاجندة الامريكية والتي تقضي بتقسيم البلاد وتفتيت قوى الشعب الى اجزاءلاتقوى على حماية نفسها).انتهى
ويرى احد المعترضين ان خطر تمزيق المجتمع العراقي والاخلال بتوازنه الاجتماعي هو من الفدرالية فكتب يقول (لعل من أخطر ما يواجه المجتمع العراقي اليوم، ويخل في توازنه الإجتماعي، الذي عاش في ظله العراق قرونا بعيدة في الزمن. إن هذا الخطر الذي يداهم المجتمع المسالم ويهدد بالإخلال بتوازنه الإجتماعي، يتمثل بالفدرالية) هذا كل مايملكه المعترضون الاخلال بالتوازن الاجتماعي وتمزيق النسيج العراقي والانفصال
مثل هذا الكلام مجاف للحقيقة وهو يقع ضمن المغالطات المنطقية فكل التجارب التاريخية تدحض مثل هذه الاقوال اذان هناك اكثر من اربعين دولة تعيش في ظل نظام فدرالي يشكلون بمجموعهم 25% من سكان العالم هذه الدول تعيش في ظل وحدة وليس انفصال ولم نسمع تاريخيا ان الدول الاتحادية سارت نحو الانفصال اذن من اين جاء منشا هذا التصور؟ ولماذا يصر هذا البعض على اقناعنا بان الانفصال هو مقدمة للانفصال
يعود هذا التصور تاريخيا الى روح التسلط والاستبداد التي يتمع بها الرفضونللحكم الفدرالي فمنذ تاسيس الدولة العراقية عام 1921 تسلط على سدة الحكم اقلية ارتبطت بالاجنبي على مدى تاريخها من اجل المحافظة على امتيازات الحكم ومارست اضطهاد الاكثرية كل هذا تحقق في ظل الدولة المركزية التي ينادي بها انصارها فعلى صعيد الواقع العملي فان اقليم كردستان يتمع بالفدرالية منذ عام 1991 لكننا لم نسمع من اي مسؤول كرديانه طالب بالانفصال, ثم ان اشكالية المعترضين يفندها قبولهم بفدرالية كردستان اذانهم لايرون فيها اي دعوة للانفصال
هذا الامر يجعلنا ننظر بعين الشك لما يطرحه المعترضون وبسهولة سنجد انهم يخفون ورائهم مشروع اخر بديلا للفدرالية اساسه النظام الشمولي التوليتاري الذي حكم العراق منذ عام 1921,لكن على صعيد الواقع العملي هل يؤمن انصار هذا الطرح فعلا بنجاحعة النظام المركزي لو طبق على مناطق نفوذهم؟
طبعا كلنا يعلم مدى الهجمة البربرية والطائفية التي شنت ضد وزارة الداخلية سواء في زمن الوزير السابق او الحالي والسبب ان الوزارة كانت تطارد الارهابيين في مناطق نفوذهم واوكار الجريمة المنظمة ( الجوامع)
الهجمة الطائفية ضد وزارة الداخلية كان منشاءها ان المناطق السنية تتعرض الى ابادة الى غير ذلك من الكلام وشاهدنا كيف طالبت الاحزابالسنية برفع دعوى الى السفير الامريكي يستنجدون به لرفع الحصار عن الاعظمية التي تحولت الى مخازن اسلحة , واذكر القارئ كيف ان اعضاء البرلمان هددوا بالانسحاب اذا ضربت الرمادي التي تقع حاليا تحت يد الارهاب
اذن لماذا يطالبوننا برفع اليد عن العامرية والاعظمية والرمادي المدن الاكثر ارهابا في العالم كل هذه الامور تجعلنا نعيد التفكير في الاتفاقات السياسية التي حدثت اعادة التفكير تعني المطالبة بالفدرالية .
الامر الاخر تاريخيا هل استطاعت الدولة المركزية ان تحافظ على اجزائها من الانفصال طبعا الاجابة كلا
من كل ماتقدم لانرى هناك اي ملازمة او مقدمة بين الانفصال والفدرالية بل ربما يكون الامر معكوسا بل هوو كذلك فانصار الدولة المركزية هم انصار التقسيم كما سنرى الامر الاخر الذي يتعكز عليه المعترضون انه ليس هناك ربط بين الفدرالية والتنمية الاقتصادية والاجتماعية
يذكر الكاتب ياسر المندلاوي في بحثه الموسوم الفدرالية والمسالة القومية في العراق المنشور في مجلة الثقافة الجديدة في عددها315ان ( القائلون بالفيدرالية، وعلى إختلاف مذاهبهم، يجعلونها شرطاً للتقدم الإجتماعي والإقتصادي، وضمانة للديمقراطية، وسبيلا لحل المسألة القومية وتجاوز مخاطر النزعات الإنفصالية. بينما يذهب الناكرون إلى القول، بأن الفيدرالية تؤدي إلى التشرذم والتبعثر، ومن ثم، تقود إلى عرقلة تطور البلاد في النواحي المختلفة، وتكرس اللاتجانس الطائفي والقومي، لتشكل في النهاية، توطئة لتقسيم العراق إلى دويلات.. وحيث أننا نؤمن بأن العراق يعيش مرحلة إنتقالية على طريق التحويل البرجوازي للمجتمع، وما يتطلبه من إجراءات، تقضي على البنى التقليدية المعرقلة، فإننا نرى بأن الحاجة الفعلية لا تكمن في الإنتقال من دولة موحدة إلى دولة إتحادية، وإنما تعزيز دور الدولة المركزية، وتمكينها من الأدوات التي تؤهلها لكنس بقايا العلاقات التقليدية من قبلية وطائفية وغيرها.) انتهى
بنية هذا النص تقترب من الديماغوجية فالدولة المركزية وطيلة ثمانون عاما لم تستطع كنس العلاقات التقليدية من قبلية وطائفية بل ان روح الطائفية كانت وليد للدولة المركزية بكافة اشكالها الملكية والجمهورية الاولى ثم العارفية وصولا الى قمة النظام الطائفي في الدولة البعثية ,اعتقد ان الباحث توهم كثيرا وهو ينظر الى الدولة المركزية مستعيرا نماذج لاتمتت الى الواقع العراقي ولاتاخذ بنظر الاعتبار التركيبة الاجتماعية للعراق ان ترسيخ الطائفية والقبلية هي حالة ملازمة للمجتمع العراقي ولايمكن تاسيس دولة مركزية دون ان تقفز وتتاصل هذه النزعة الطائفية في البلد ونعتقد ان تجربة ثمانين عامل من نظام مركزي رسخ الطائفية لايمكن تكرارها في ظل وضع دولي جديد يرتكز على مبادئ الديمقراطية ان كنس الروح الطائفية لايمكن ان يتم دن النظام الفدرالي
اما عن علاقة الفدرالية بالتنمية الاقتصادية فجميع الدول التي تبنت هذا النظام حدث فيها تطور اقتصادي هائل وحققت مستويات عالية من النمو الاقتصادي وهي لاتملك الامكانات الاقتصادية التي يمتلكها العراق. واعود الى تجربة كردستان والتي اصبحت باعتراف الجميع وفي اقل من عشر سنوات تتفوق على جميع محافظات الدولة المركزية فهل ينكر الباحث ان التطور الاقتصادي جاء نتيجة اتباعها نظام لامركزي
https://telegram.me/buratha