المقالات

حدود شيوخ العشائر العراقية .. الى أين ؟

1912 22:00:00 2006-09-08

( بقلم: محمد الوادي )

قد يتردد الكثيرين من الكتابة في مثل هذه المواضيع ولكلآ اسبابه الخاصة او الاجتماعية , وقبل ان أبدا بسرد الافكار لابد من ذكر بعض  ما يخصني في هذا الموضوع , حتى لايتم اتهامي من البعض بعد هذه المقالة بان موقفي هذا ينم عن موقف معادي للمجتمع العشائري العراقي بصورة عامة والذي احمل له كل الاحترام و التقدير  ,فانا أبن عشيرة كبيرة ومعروفة ولها وزنها الاجتماعي والعشائري على مستوى الجنوب والوسط وبغداد العاصمة , ولاافشي سرآ اذا قلت ان ابتدءآ من جدي الاول وحتى جدي الاخير وثم والدي هم شيوخ لهذه العشيرة وانا افتخر بذلك . لكن ليس هذا القصد ولاهذا هو الموضوع , بل هذا جواب مسبق لمن سيحاول التصيد بالمياه العكرة , خاصة اولئك الذين ستصيبهم هذه المقالة في الصميم .

 فمنذ سقوط الصنم وحتى ايامنا هذه وخاصة بعد ان طرحت مباردة السيد المالكي للمصالحة الوطنية بدأ صوت البعض يعلوا بشكل اكثر من اللازم ومبالغ فيه مطالبآ بدور اكبر للعشائر العراقية , وقد وصل الذروة من خلال التجاوز على الدستور ومحاولة " لوي " بعض فقراته لصالح رغبات مايسمى " مشايخ " العشائر عند البعض . حتى وصلت الوقاحة عند البعض بان تطالب مثلآ العشيرة الفلانية باطلاق سراح " السيد الرئيس القائد " واسقاط كل التهم الموجهة اليه وارجاعه الى كرسي الحكم . وكان اكثر تواضع من ابناء هذه العشيرة  يطالب باطلاق سراح " القائد الضرورة " وعدم المطالبة له بالرجوع الى الحكم بل هو يدبر حاله كيف يرجع كما قال احدهم !! وفي جانب اخر اذكر قبل سنيين طويلة كنت قد ذهبت من بغداد الى احدى المحافظات الغربية التي تبعد حوالي ثمانين كيلو متر عن العاصمة لتأدية واجب قراءة الفاتحة لاحد الاصدقاء من ابناء تلك المنطقة . وبعد مرور فترة من الوقت وحسب الاصول نهضت للرجوع الى بيتي في بغداد . لكن وكما هو معروف عن تقاليد أهلنا الخيرين بتلك المناطق أصروا على بقائي على العشاء " لكوني ضيفهم وصاحب خطوة ولايمكن ان اذهب دون ذلك " وقد رضخت احترامآ لهم وللتقاليد . وحين حان وقت العشاء كانت المفاجأءة الكبرى . حيث دخل عدد من الرجال يسحبون بحبال واخرين يدفعون من الخلف عدد من " الصواني " التي يصل طول الواحدة منها الى ستة امتار وعرضها حوالي متر ونصف مزودة باطارات صغيرة تلك التي تسمى في العراق " تاير ابو الصجم "  . وكانت هذه الاواني مملوءة بالرز مكدس على شكل جبال وتلال وفوقه عدد من الخرفان المشوية . كان منظر بالنسبة لبعض الحضور الذي لم يتجاوز مائة شخص غاية الانبهار والمباهات والمقارنة مع صواني اخرين ذكرت اسمائهم في الجلسة . اما بالنسبة لي فان الموقف كان غاية في الاستفزاز لمشاعري الانسانية وحتى الدينية , خاصة واني بعد ان أنهيت الواجب الاجتماعي هذا وانا في طريقي الى سيارتي بين الاشجار رايت منظر اكثر دهشة وألم . عندما شاهدت ماكنة " شفل " تجمع الرز الزائد والفضلات لتضعها في حفرة عميقة تم تجهيزها مسبقآ لهذا الغرض " كمقبرة للتمن " . وهنا صراحة جاء في فكري معاوية وهو يقول " أرفعوا الصوان من امامي فوالله ماشبعت ولكن مللت من الاكل " وايضآ قارنت كل هذا الموقف المؤلم مع ناس وأحبة اعزاء من العراقيين الفقراء في الجنوب وفي بغداد نفسها عندما كانوا ينامون الليل وبطونهم فارغة وخائرة من الجوع او ياكلون خبز من طحين وقد تم خلط سعيف النخيل ونوى التمر معه كما كان يفعل الصنم الساقط ايام الحصار . مع مفارقة بسيطة أن هذا الرز واللحوم الكثيرة والزائدة التي تم دفنها في الحفرة هي من اموال نفطهم وثرواتهم التي تجري من تحت اقدامهم وتستخرج من مدنهم .. لكن الاجرام والمجرمين سرقوها منهم ولم يكتفوا بعدم توزيعها بالعدل والانصاف لكل العراقيين بل اعطوها جميعها الى اصحاب الكروش والالقاب العشائرية والتي كانت تحاكي طائفية الصنم الساقط . وبقي ابن البصرة والعمارة السماوة والكوت والناصرية والحلة وكربلاء والنجف والديوانية وأهلهم في بغداد ينامون وهم " يلكون الصخر خبزآ وعزآ " كما يقول احد المطربين العراقيين . وانا اضيف ويشربون ماء من طين .

لذلك ومن منطلق " مقابر التمن " هذه لن تاخذني المفاجأة وانا اشاهد قبل ايام اثناء انعقاد مؤتمر العشائر العراقية للمصالحة في بغداد , " الشيخ " والد صديقي وصاحب هذه المقبرة الغريبة . وقد أرتفع صوته بالمطالبة مع فريق من مؤيديه لتأجيل الفيدرالية لخمسة سنوات اضافة الى توقيف العمل بالدستور الجديد  واعادة تشكيل الحكومة من جديد !! وكأنه يكمل دور الاخرين الذين طالبوا باطلاق سراح " السيد الرئيس "!!

لان مثل هولاء وقد تعودوا وعاشوا على الباطل وعلى الالام المحرومين , تبدو ضرورات مثل الديمقراطية وحرية التعبير وحقوق الانسان وصناديق الاقتراع والقانون والدستور هي بمثابة طلقة الرحمة على مجدهم الاجتماعي الزائف . لذلك كان من الغريب ان يصرح مثلآ اربعة شيوخ من عشائر المنطقة الغربية خلال الستة اشهر الاخيرة واخرهم كان في هذا الاسبوع وكل "شيخ " يدعي ان عشيرته فيها اكثر من خمسة ملايين شخص !!وفي طريقة حساب بسيطة يتضح ان مجموع هذه العشائر الاربعة هي اكثر من اثنان وعشرين مليون نسمة. وهذا حقيقة الامر يخالف الواقع السكاني على الارض لان كل مجموع محافظات الموصل والرمادي وسامراء لاتصل الى اربعة ملايين بكل الاحوال . ثم ان صناديق الاقتراع موجودة فلماذا هذا الارتجاف والخوف من الدستور والفيدرالية اذا كنتم تملكون ربع هذا الرقم وليس كله من البشر والمؤيدين والاتباع والعشائر !! ولماذا اصلآ تركتم العراق وجلستم على ضفاف النهر الميت الذي هو ميت في الاردن .

 حسنآ فعل السيد المالكي عندما اشار في خطابة في مؤتمر العشائر للمصالحة الى الصفات الكريمة لدى العشائر العراقية . لكن كان بودي ان يعلن بنفس المؤتمر وبصوت عالي وكلمات لاتقبل التأويل واللبس . أن لااحد في عراق اليوم فوق القانون لاالطائفة ولاالمحافظة ولاالعشيرة ولاالمسؤول في الدولة . والا الامور اذا بقت بالطريقة العشائرية الحالية , سياتي يوم تطالب فيه بعض العشائر بحصتها من النفط وحصتها من المناصب الرسمية وايضآ حصة العشيرة من السفارات العراقية في الخارج , خاصة مع هذا التضخيم الرقمي لحجم العشائر والمبالغة الاعلامية المقصودة لبعض هذه العشائر . التي عليها اثبات أولآ وطنيتها وأنسانيتها من خلال منع افرادها من اعمال السلب والنهب والقتل والاغتصاب التي تمارس يوميآ على طرق العراق البرية الدولية التي تربطه ببعض الدول العربية .

 ويبقى السؤال الاهم اذا كان العراق الجديد تسيره وتهيمن عليه العصبية الحزبية في بعض مرافقه الرسمية ويراد ان يضاف اليها العصبية العشائرية . أذن ماهي حصة ابن العراقي الاكاديمي واين مكان الكفأءات العراقية الهائلة والكبيرة والمتميزة تلك الموجودة في داخل البلد او خارجه وخاصة في البلدان الاوربية التي تسخر بالكفاءت العلمية العراقية الرائعة وفي كافة المجالات العلمية والانسانية والتي لم يلتفت اليها اي مسؤول عراقي حتى هذه اللحظة , بينما تلقفت بعضها الدول الاوربية وقدمت لهم كل التسهيلات ومميزات الحياة الرغيدة . لكن رغم ذلك مازالت افئدة وقلوب وضمائر هذه الكفاءات تصبوا نحو الوطن العراق .

وكل ذنبهم انهم مستقلين لاينتمون الى اي من الاحزاب ويضعون علومهم وامكانياتهم الكبيرة في خدمة العراق والعراقيين ,قبل أن يسخروها لصالح عشائرهم وعوائلهم المحترمة التي ينتمون اليها ويعتزون بها .

 ان التضخيم العشائري سيكون على حساب مستلزمات نهوض الدولة الحديثة في عراق اليوم  لذلك يجب الانتباه الى خطورة هذا الوضع . والا فأننا نسير بطرق وعرة ستجعل بغداد مثل صنعاء . حين تكون مقياس الرجولة والشهامة من يحمل خنجره في حزامه والنصف الاخمص على كتفيه واولاد العم من حواليه . وحينها هذه ستكون فاحشة اخرى تضاف الى فاحشة مقابر التمن تلك .

 

 محمد الوادي

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
التعليقات
ali
2006-09-08
3aaaaaash....lisaaanak
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك