المقالات

الانفال والدجيل ادلة الحسم ووحدة القصاص

1777 00:18:00 2006-08-29

( بقلم: المحامي طالب الوحيلي )

ثلاث جلسات عقدتها المحكمة الجنائية العليا ،كانت مقياسا موجزا لقدرة المحكمة بهيئتها التي ظهرت عليها على الخوض بقضية تأريخية تحمل خلاصات دموية لقضية الشعب العراقي بكافة مظلوميه ،وبشقيه الكوردي والشيعي على حد سواء،وهو جمع يجب ان لايغيب عن بال أي منصف يستقرئ جرائم النظام الفاشي الذي حكم العراق طيلة اكثر من ثلاثة عقود ،فهذه القضية ومحكمتها تختلف بعض الشيء عن سابقتها (قضية الدجيل) من خلال مسرح الجريمة الذي امتد عبر اقليم كردستان وشمتلت قرى وقصبات نائية عن ميادين السياسة او جبهات القتال،حيث تشير بعض التقديرات الى ان 4500 قرية أبيدت وقتل مئات الالاف خلال حملة 1988 التي لا تزال ذكراها حية في شمال كردستان ،بما في ذلك توفر آثارها البيئية التي مازالت ماثلة ويمكن تقصيها عبر الاستعانة بالخبراء المختصين مما يوفر الدليل الدامغ لادانة المتهمين. وقد اكتشف الفريق المذكور ستة مواقع لقبور جماعية بينها موقع في محافظة نينوى الشمالية حيث استخرج خبراء، جثث 123 امرأة وطفلا اطلق عليهم جميعا الرصاص من مسافات قريبة. وفي قبر اخر في الجنوب استخرج الخبراء 114 جثة بينها 79 رضيعا وطفلا من الضحايا الذين القوا في خندق قبل ان يمطروا بوابل من الرصاص من بنادق الية من طراز كلاشنكوف .

ومن خلال الادلة المتوفرة والتي تفوقت عن سابقتها التي اعتمدت على افادات الشهود والوثائق الرسمية المتحصلة من ملفات المخابرات العراقية محكمة الثورة سيئة الصيت ،فيما قال مايكل تريمبل وهو خبير في الادلة الجنائية من ولاية ميزوري الامريكية ويقود فريق البحث عن قبور جماعية في العراق "تقريبا كل شيء نفعله بالمعدات الالكترونية." واضاف تريمبل الذي عمل فريقه من قبل في كوسوفو والبوسنة ورواندا "لم نكن نملك هذه التقنية قبل عشرة اعوام."

. كما ان ميزة هذه القضية ايضا ( قضية الانفال) هي المناسبة الاولى التي يواجه فيها صدام قضائيا بأدلة من القبور الجماعية التي حاول بها قبر كافة آثار جرائمه البشعة ضد شعبنا الكردي وفيما بعد ضد اتباع اهل البيت اثر انتفاضته الشعبانية في آذار عام 1990 والتي كشفت مستوى السادية التي تعامل بها مع الشعب العراقي من اجل بقائه هو وزمره ومواليه على سدة الحكم ،وما دام محاموا دفاعه والراي العام العالمي يبحثون عن الادلة المادية فقد تشكلت فرق متخصصة دوليا بهذا الشأن وقد خرجت بتقارير يهتز لها ضمير الانسانية بعد ان اغمض عينيه وسمعة اكثر من ثلاثين عاما عن انين وصراخ ودماء ودمار هذا الشعب ، يقول كريستوفر كينج وهو اخصائي امراض مختص بعمل ملفات عن الجروح التي اصيبت بها كل ضحية من ضحايا الانفال "يمكنك ان ترى انهم امطروا بالرصاص من اليسار لليمين ومن الاسفل للاعلى." واضاف وهو يشير الى ثقب في عظم فخذ ملقي على طاولة ومغطى بقماش ابيض في خيمته المكيفة "انها رصاصة من بندقية طراز ايه كي-47." وقد نقلت الجثث بعد استخراجها من القبور الى المختبر في طائرات هليكوبتر. وتخضع العظام لفحص بالاشعة الرقمية ثم تغطى.

بحسن نيتهم التي عرفناهم بها ،وبامل النجاة من الموت لانهم موقنون من برائتهم وعدم ارتكابهم أي مخالفة للتعليمات وللقوانين ،ولان الاوامر صدرت لهم بكافة افراد اسرهم بالصعود الى العربات المعدة لنقلهم و بانهم سوف يوطنون في اماكن اخرى من كردستان او من العراق ،يقول الخبراء الذين تفحصوا الجثث في تلك المقابر (كان الكثير من الضحايا يخبئون بطاقاتهم الشخصية في جيوب سرية ويلجأون لخياطتها داخل ملابسهم و ان الضحايا ساورتهم الشكوك عندما اخبروا بأنه سيعاد توطينهم من قراهم الكردية لذا أحضروا بطاقاتهم الشخصية معهم). وقالت اريانا فرناندز وهي عالمة في اصل الانسان "أحضرت النساء معهن ادوات مطبخ وملابس لأطفالهن. اعتقدن انهن سيذهبن في رحلة." وألبست فرناندز فساتين الضحايا لدمى مختلفة لتتبين الثقوب التي احدثها الرصاص. وألبست احدى الدمى فستانا انيقا اخضر لامرأة كانت حاملا في الشهر السابع. وتقول "عندما البسها (الدمى) اشعر وكأنني انتشل الضحايا من القبر. ما يثير الصدمة هو ان الكثير من النسوة كن يرتدين فساتين زاهية عليها نقوش وردية عندما قتلن في القبور."

بقايا جثة جمعت لام وبقربها اشياء تعلق بطفل رضيع عمره يتراوح بين ستة اشهر وعام فكان يرتدي قميصا ابيض عليه كلمة "صيف". وسيحدد اختبار الحمض النووي الصلة بين الحالتين. وتقول فرناندز "احيانا اتساءل من لقي حتفه اولا. هل كانت امه ام اخته؟ هل كن (النساء) يعرفن اين سيذهبن؟ لن نعرف ابدا تفاصيل قصتهن."ولنسأل صدام ووشركاءه في هذه الجرائم .

الكثير من ابناء شعبنا ممن ابتلي بالخدمة الالزامية ،كان يمر ببعض تلك القرى ويحفض اسمائها على ضهر القلب ،وقد كان شاهدا على ان تلك القرى المسالمة لم تكن ابدا مصدر خطر على نظام صدام بالرغم من كرهها له كحال بقية ابناء وادي الرافدين ،واذا ما بدأ المشتكين يدلون بشهاداتهم امام المحكمة ،ستغرقت اقوالهم اسماع وافكار وذاكرة الكثير ،حيث تتراقص تلك المشاهد المأساوية في الخواطر وكيف تحولت تلك القرى الى مكامن اشباح وتلك البيوت الغافية في احضان الجبال الى احجار متراكمة لم يسلم منها بيت ولا مسجد ولا صومعة وقد طمرت الآبار والعيون العذبة واحرقت بساتين العنب واشجار الجوز واللوز .واستكانت تلك المواشي التي فاضت نعما الى جيف وتلك الدواب الى بقايا موت مستديم..

وبالعودة الى وقائع الجلسات الثلاث ،نجد ان المحكمة قد تشكلت محصنة من رهبة الموقف الذي يقف به امامها اكبر طاغية عرفه التاريخ بما استحل به دماء وارواح وشخصية الشعب ،وقد جلس فضيلة القاضي عبد الله العامري على منصة القضاء مستحضرا كل التراث القضائي الذي عرف عنه العراق ،وبفيض من خبرته كرئيس لمحكمة جنايات لاكثر من عشرين عاما ،لم ير امامه سوى متهمين ارتكبوا جرائم بحق الشعب العراقي والحق العام اولا وجرائم ضد الانسانية وجرائم حرب وجرائم ابادة بشرية ،فهي جرائم مزدوجة بين الحق العام والعدالة الانسانية برمتها ،حيث احكام القوانين العراقية والقانون الدولي ،ولان المحكمة قد شكلت اجرائيا على وفق القانون العراقي وقانون اصول المحاكمات العراقي بالذات ،فكان لابد ان نرى محكمة عراقية كما عرفناها نحن المحامون واعتدنا عليها طيلة العقود المنصرمة ،وهذه الحالة قد افتقدناها لدجى انعقاد جلسات قضية الدجيل .

الضبط الذي ظهر عليه رئيس المحكمة لم يكن مفتعلا او رد فعل ما ،بل هو واقع طبيعي ،فلا يمكن لاحد الحديث الا من خلال رئيس المحكمة سواء كان شاهدا او وكيلا او متهما ،ولان ضبط الجلسات منوطا برئيسها ،فقد وضع حدا لاستخفاف محامي الدفاع والمتهمين الذين اذعنوا اخيرا لحقيقة موقعهم وموقفهم ،خصوصا المتهم الاول في القضية الذي حسبت عليه انفاسه وكل تصرف يبدر منه ،حيث كان يسخر المحكمة لخطبه البليدة ،فيما كان لمحامي الدفاع مدى كبير من الضياع وسط توالي الشهادات المؤلمة والمؤثرة للشهود على مختلف مستوياتهم حيث استرسلوا باحاديثهم بكل صدق وعفوية تمنح شهادتهم مصدر قوة من الدلالة المعتبرة في الاثبات ،ولعل ذلك اوقع محامي الدفاع ببعض المطبات التي لايحسدون عليها ،مثال ذلك محاولاتهم التفريق بين الانفال وبين ماقبلها ،او استغرابهم من معرفة الشهود بنوع الطائرات التي شاركت بقصف القرى معتبرين ذلك نوع من المعلومات العسكرية الكبيرة (لعلها كبيرة فعلا بالنسبة لعقول هؤلاء المحامين!!) وعن رائحة الكيمياوي ،هل كانت بمثل رائحة التفاح ؟!وبكل حذلقة اكتشف احدهم مطبا يوقع الشاهد بالكذب او التناقض حين سالها عن نوع الزرع الذي كان موجودا وحين ذكرت كلمة فاكهة ،قال انها ليست رائحة الكيمياوي وانما رائحة التفاح ،فقالت الشاهدة لايوجد في قريتنا تفاح خصوصا في الشهر الرابع!!اما قصة كبيرهم بالسن وخبرته بالثوم فقد وجد مكيدة لاحدى الشاهدات التي قالت بانها شمت رائحة كرائحة الثوم ،فراح يحقق معها عن مصدر الثوم في دارها ،وحين اجابت بعد جزع بانها كانت تقتني الثوم من السوق وتحفظه في البيت ،اكتشف هذا العبقري الحقيقة ،قال انها كانت تشم رائحة الثوم الذي في بيتها ،المبغض في الموضوع هو الضحكات السخيفة التي تعالت من محامي الدفاع على هذه النكتة السمجة ،لكن عزاءنا هو حزم المحكمة القانوني ازاء تصرفات هؤلاء ،مثال ذلك عدم قبوله بالاسئلة الغير مثمرة ،ومنعه وكيل المتهم الرئيسي من التطاول على هيئه المحكمة ومنادات رئيسها باسمه الشخصي ،ويكفي هذا المحامي تقريعا له حين سأله رئيس المحكمة ،منذ متى وانت تمارس المحاماة ،فاجاب بتفاخر عشر سنوات ،قال له بشرفك أي رئيس محكمة جنايات اسميته باسمه اثناء المرافعة ،وانتهت المحاورة بتعنيف ذلك المحامي وفرض التعابير التي تعكس هيبة القضاء ووقاره ،فيما تعمد المحامي الآخر بوصف صدام بالسيد الرئيس ،عندها رده رئيس المحكمة ممتحنا اياه بما يصف قانون اصول المحاكمات المتهم ،فاجابه بكلمة موكلي وهو صاغر .

ويطول الحديث بهذه القضية وتفاصيلها ،وهي توحي بانها لان تستغرق ما استغرقته قضية الدجيل من وقت ومن صبر وغيض انتاب العراقيين ،مما يجعل الجميع يحسب الوقت لكي يأت موعد المرافعة الجديدة ،والامل بسرعة الحسم ..

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك