( بقلم مهدي الحسني )
تمر علينا هذه الأيام ذكرى واحدةً من أكبر المجازر الجماعية التي ارتكبها النظام الفاشي المقبور ضد ابناء العراق والتي راح ضحيتها اكثر من 100 الف شهيد , انها جريمة مروعة بسبب هذا العدد الكبير من ضحاياها والاسلوب الهمجي الذي اتبعه النظام في عملية القتل والابادة الجماعية لكل شي يمشي على الأرض في المناطق الكوردية, وقد اشتركت هذه المجزرة مع المذابح الجماعية التي ارتكبها النظام بعد الانتفاضة الشعبية عام 1991 حيث ان المقابر الجماعية التي اكتشفت بعد سقوط النظام كانت تحتوي على جثث مئات الآلاف من ضحايا النظام من الشيعة والكورد الذين قُتلوا على فترات متراوحة امتدت الى عدة سنوات وهو يدلل على أن العراقيين اشتركوا في تحمل القتل والاضطهاد من قبل النظام المقبور حين قصفهم بالاسلحة الكيمياوية والقتل المنهجي المنظم والهجوم الكاسح , جريمة الأنفال والمقابر الجماعية لاتقل وحشية عن الجرائم التي ارتكبها النازيون وجرائم الأبادة في يوغسلافيا السابقة والتي يتم الاحتفال بها سنويا في الدول الاوربية ولذلك يمكن ان نقول ان جرائم النظام العراقي الكبرى كالانفال وغيرها بقيت تاريخا فقط ولم تتحول الى ذاكرة كتلك الذكريات العالمية التي يُحتفل بها عالميا ويجب ان لاتبقى تلك الذاكرة وهذا التاريخ محصورا في العراق فقط بل يجب بذل كل ما امكن من جهود لتحويل هذا الحدث الى ذكرى عالمية يجب توثيقها في سجلات الامم المتحدة والجامعة العربية ومنظمات المؤتمر الاسلامي وعدم الانحياز ويُحتفل بها في الامم المتحدة والدول الاوروبية والعربية على حد سواء ويجب ان تبقى ذاكرة حية مثل غيرها التي مرَ عليها 60 عاما ولاتزال في تُدرس في المناهج المدرسية الاوروبية لكل المراحل. وجريمة الأنفال والمقابر الجماعية يجب ان تبقى ذاكرة متجددة وان لايتوقف الاحتفال بها فقط على انها مجزرة عابرة بل على انها مجزرة من انتاج فكر شوفيني متطرف ومتعصب لايصلح ان يكون هذا الفكر منهاجا لقيادة دول ومجتمعات كما هو حاليا في اوروبا حيث لايُسمح بحملة الفكر النازي بالحصول على اي منصب حكومي رفيع حتى في اكثر الدول ديمقراطية وبناءً على هذا فيجب ايضا فضح الفكر البعثي الفاشي الذي كان نتاجه ابشع مجازر التاريخ ضد الشعب العراقي وشعوب دول الجوار .
ان هذه الجريمة والجرائم الأخرى غالبا اسبابها التطرف والتعصب القومي والعرقي والديني والمذهبي والسياسي, وقد اجتمعت في جريمة الانفال كل عناصر التطرف والتعصب المقيت والذي لايمت بصلة للدين الاصيل والمبادئ القومية الاصيلة غير المحرفة والتي ساهمت بعض الاحزاب في المنطقة في تحريفها بل وادخلت معها التطرف السياسي الذي يمنح حرية الفكر والحركة والحكم والتنظيم لحزب واحد فقط دون غيره ومعاملة الباقين كأنهم متطرفين وحركات معادية واتهامها بالعمالة للغير وهي ابسط التهم التي اعتادت الاحزاب الشمولية لصقها بمن يخالف فكرها المتطرف .
وبما ان مجازر الأبادات الجماعية تكررت كثيرا في تاريخنا الحديث فلابد من انشاء هيئات دولية تتمتع بصلاحيات وتاخذ على عاتقها ازالة كل اسباب المجازر الجماعية ونتائجها ومنها محاربة الأفكار المتطرفة بكل اشكالها على اعتبار ان الحياة الانسانية هي تفاعل سلمي بين الافكار والمجتمعات دون تعصب او تطرف مع مراعات خصوصية المجتمعات وثوابتها الخاصة بها .
ونحن على ابواب محاكمة المجرمين على هذه الجريمة نجد فريق الدفاع عنهم يحاول عبر قراءة قائمة طويلة لأثبات عدم شرعية أنشاء المحكمة وبالتالي المحاكمة ذاتها على اساس ان العراق تحت سلطة احتلال , وماذا لو انسحبت القوات المتعددة فهل سيسمح رئيس النظام وجلاوزته بأنشاء محكمة جديدة حرة لتحاكمه على جرائمه ام سنكون امام مجازر جديدة , وسوف يحاول فريق الدفاع التركيز على براءة سيدهم رغم الادلة التي تُدينهُ والتي لايرقى اليها الشك وهم على دراية بجرمه وهو بحد ذاته أخلال بشرف المهنة , ولكن الأدهى ان يحاول محامي مُتأكد من ارتكاب سيده للجريمة ومع ذلك يُحاول اعطاء المجزرة شكلاً قانونياً على أعتبار ان الرئيس كان يُمارس صلاحياته الدستورية , فهل يُوجد اكثر من هذا السقوط . هؤلاء نموذج ونسخة عن سيدهم مستعدين لقلب الحقائق وتدليس الوقائع ولو على حساب اي شرف كان مهني او غيره وهم بهذا السلوك اسوء من المرتزقة واقرب الى الدجَالين .مهدي الحسني
https://telegram.me/buratha