المقالات

بانوراما الرعب العراقي حدود بلا حلول

1822 22:33:00 2006-07-16

( بقلم طالب الوحيلي )

من اولى المعضلات التي كان يعانيها الشعب العراقي في العهد الصدامي هي معضلة العدالة وغربتها عن الواقع اليومي بالرغم من توفر مناخ عام لتطبيق القانون بصرامة لا متناهية ،فضلا عن سهولة اصدار النصوص القانونية الملزمة التي كانت لا تحتاج الى التعقيد الذي ينبغي ان تمر به كآلية معترف بها في العالم المتحضر ،لغياب السلطة التشريعية أصلا وانحصارها بأمزجة وردود أفعال الطاغية وحاشيته ،فيما بقي مجلس قيادة الثورة المنحل كسلطة عرفية بحكم الظروف الطارئه التي قامت اثر انقلاب 1968 من القرن الماضي ولم تنتهي الا بانتهاء نظام الحكم نفسه ،دون ان يترك( للمجلس الوطني) أي سلطة تشريعية سوى التصفيق والاهازيج للقائد ومعاركه وقراراته العجيبة .

الظروف الطارئة التي حكمت سياسة النظام ،كانت كفيلة بإنهائه لولا لجوئه للقوة المفرطة التي استغل فيها البعد التشريعي استغلالا بشعا ،فكان لابد له ان يعالج الأزمات الاقتصادية بقوانين عقابية توصل مخالفها الى الاعدام مثال ذلك إعدامه 25 تاجرا او قطع ايدي العديد منهم بحجة تعاملهم بالدولار في وقت ابيح به التداول من خلال البنوك العراقية ،او إصداره قرارات بتحريم بيع او تصنيع الحلويات حفاظا على النسبة الدنيا لتداول مادة السكر خلال مدة الحصار الاقتصادي ،ناهيك عن فرض الإتاوات ومصادرة الأموال الخاصة للتجار الكبار والسيطرة على السوق من خلال شركات المقبور عدي وبقية افراد العائلة ،وما دام الأمن العام هو الوعاء الذي يمكن ان تستقر به الحياة ،لاسيما معالجة الجريمة العادية التي تقع على الاموال والافراد وفرض احترام النظام العام ،فقد سادت القواعد الصارمة والمغالاة في تطبيق اقسى العقوبات وابتكار عقوبات لامثيل لها في القوانين المشابهة او التي هي من جنس القانون العراقي كعقوبات قطع الايدي وصواوين الآذان وقطع الالسن ووسم الجباه وقطع الرؤوس والاعدام العلني في الاماكن العامة .وهي جميعها قادرة على فرض أمن مشوب بالخوف من سلطات رجال الأمن والمخابرات والاستخبارات والجهاز الحزبي ،مادامت كلها تنظر الى التهمة كجريمة تمس الطاغية بذاته قبل ان تكون اعتداءا على النظام العام ،وويل لمن مس شعرة من جلد ذلك النظام حتى ولو في الحلم .

قد يحلو لبعضنا ممن آرقه الواقع العراقي الجديد ان يتجرأ فيقيس على الماضي ،ويبتغي بعض المعاذير لدعوى الاستفادة من تجارب النظام البائد في معالجة الازمات المتفاقمة والتي استفحلت كثيرا بمرور الايام دون ان يتمكن احد من معالجة ابسطها او أقربها الى حياة المواطن اليومية ،بالرغم من ان سقوط صدام وجلاوزته كان بمثابة الخلاص الأبدي من كل أنواع الظلم والاضطهاد ،لكن بقايا النظام البائد ومن منطلق جمع بين النزعة الطائفية التكفيرية وبين السعي من اجل العودة الى الحكم بالرغم من الإرادة الشعبية التي حققها الشعب بأغلبيته المطلقة من عرب وكرد واقليات أخرى ،وقد أعلنت ثورتها الدستورية وأسست لدستور دائم لا مثيل له في العالم المحيط على اقل تقدير ،هذا القياس يأتي من حقه الشرعي والقانوني كون مصلحته العامة هي اولى به ان تدفعه الى عدم التسامح او المساومة على مصيره وما قدمه من تضحيات ،لاسيما وانها صارت وسيلة لقتله اليومي وما يفقده من حياته وماله وآماله ..

الواقع والقانون وقواعد حقوق الانسان يجب ان ترجح كفة الشعب الذي فقد الالاف من الابرياء بين ذبح دون ذبح الشياه وقتل وحشي وتفجير يذهب بارواح العشرات في رمشة عين وفي كل يوم ان لم يشهد اليوم الواحد اكثر من حادثي تفجير انتحاري او عن بعد ،ومصير الشعب العراقي وما يهدده من حرب اهلية ترجح كفة القبض على كل من تسول له نفسه مس امن المجتمع والنظام السياسي بادنى جرم ،واحالته الى القضاء العادل لكي تطبق عليه احكام القانون العراقي الذي مازال محافظا على نصوصه التي ورثها من الأنظمة السابقة واقرها دستوريا لتكون ملكته العقابية ضد مخالفي القانون والمتمردين عليه.

ومع كل ذلك صدر قانون مكافحة الارهاب بحدود معتدلة لا تبعد كثيرا عن النصوص التي تضمنها قانون العقوبات العراقي ،لكن المجحف حقا ان القانون العراقي بقديمه وجديده قد اركن جانبا ،وكأنه قد عطل هو والسلطة القضائية امام مستوى الجرائم الارهابية التي لم تذعن لقانون ولا لدين ،ولعل الحديث في هذا الامر اصبح نوعا من البطر ،مادامت السمة السائدة هي التمرد على القانون بل ان مصيبة القاضي العراقي اليوم هي عدم تمتعه بنعمة الامن والاستقرار النفسي الذي يشترط لكي يفصل بالقضايا التي تعرض امامه ،ولنا في ذلك اكثر من شاهد وهم رعيل القضاة الذين استشهدوا في سبيل تحقيق العدالة ،وتلك مصيبة يتحمل وزرها القائمون على المؤسسات الامنية بين داخلية ودفاع وامن وطني ،ناهيك عن قوات الاحتلال التي اخفقت بقصد او بدونه في وضع الخطط الصحيحة والطبيعية لمعالجة الملف الامني ،وقد اختلط على المرء توزيع قواطع عمليات ومسؤوليات تلك الجهات ،حيث الخلل الكبير في تداخل تلك القواطع واختلاف تحركاتها مما يسهل على قوى الارهاب الحركة والمناورة ويفسح مجالا كبيرا للاختراقات بين صفوف تلك الجهات ،فيما نجد ان الترهل قد صاحب عمل الشرطة المحلية وقواطع النجدة وتلك معضلة اخرى تثير حنق المواطن وقلقه بدل شعوره بادنى حدود الامان .

ويبقى القصور ينتاب فعل ورد فعل مجلس النواب مادام يحمل في جنباته اكثر من نفس مدافع عن الارهاب صراحة او تورية ،ومادام يفتقر الى الحد الادنى من الانسجام العصري الذي ينبغي ان يضع مصلحة الدولة العراقية فوق مصلحة الطائفة التي اجبرت ان تتبنى هوية المعارضة السياسية التي تضمحل كثيرا امام خطاب الإرهاب ومتبنياته،فما أجملها لو تبرأت بصدق من قتلة الشعب العراقي ومستحلي دمائه وحرماته ومبيحي القتل على الهوية..

طالب الوحيلي

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك