المقالات

هل حان وقت لبس الشيعة الأكفان؟

2072 03:28:00 2006-07-15

( بقلم د. حامد العطية )

لم يكن شيعة العراق يوماً طلاب حرب، ولا محترفي قتال، وتاريخهم زاخر بالشواهد على نزعتهم المسالمة، وميلهم للألفة، وجنوحهم للصلح، وعزوفهم عن العدوانية، ونبذهم العنف، بل غالباً ما كانوا ضحايا لعنف الآخرين ، فقد رزحوا قروناً تحت أفدح الظلم، متحملين أصناف الجور والحرمان،، فلم يزدهم ذلك سوى ثباتاً على المبدأ واستقامة على صراط الصبر، وهم على هذه الصفات لا عن جبن أو خوف، بل تأسياً بالكاظمين الغيظ من العترة الطاهرة، وطمعاً بالأجر العظيم الذي كتبه الله للصابرين.

ضرب شيعة العراق في السنوات الثلاث الخوالي أروع الأمثلة في التاريخ البشري على رفعة أخلاقهم وسمو مبادئهم حيث بادروا إلى التصالح مع الفئة الظالمة متناسين تاريخاً حافلاً بالجور والقتل والتشريد، وصافحين عن سفح أنهار من دمائهم ظلماً وعدواناً، والعفو شيمة الكريم الصنديد، ولكن لا تنفع المروءة في اللئام، الذين تصوروا الحلم ضعفاً والمودة تزلفاً.

بعد سقوط نظام الطغيان البعثي كتبت مراراً، منبهاً من شرور هؤلاء القوم المتطبعين على الغدر والخديعة، الذين لم يرعوا أخوة ولا جيرة، ومحذراً من فتنة، يشعلون أوراها، تفضي إلى حرب أهلية، داعياً إلى ضربة استباقية تطال رؤؤس الفتنة من أزلام النظام السابق وأوكار السلفية المكفرة، لكن طيبة أهلنا وحسن ظنهم وخصالهم الحميدة، جعلتهم يصمون أذانهم عن تحذيراتي، فحدث ما حدث من حرب إبادة على حد وصف قادة الائتلاف الحاكم، واقترفت بحق الشيعة المسالمين أقبح الجرائم في التاريخ المدون من ذبح علني واغتصاب وتفجير وتشريد، حتى نفذ صبر أهلنا، وضاقت صدورهم بالأفعال الخسيسة لأعداءهم، التي حصدت النساء والأطفال قبل الرجال، وأدركوا بأن هؤلاء مفسدون في الأرض، وإن لم يرتدعوا فستطال شرورهم الجميع، حتى باتت تلوح في الأفق القريب نذر حرب أهلية، سيسجل المؤرخون المنصفون بأن مفجريها هم الفجرة أعداء الشيعة، وهم وحدهم يتحملون وزرها أمام الله والبشرية، فهل نحن مستعدون لها؟

 دعوت أخواني الشيعة في السابق إلى تطبيق مبدأ الردع المتبادل، والذي أمر به الله في محكم كتابه الكريم: واعدوا لهم ما استطعتم من قوة، والهدف من ذلك ليس مبادرة الخصوم بالقتال، وإنما لبث الرهبة في قلوبهم، وهذه الدعوة استهجنها البعض ولم أجني منها سوى السخرية والسباب من بعض الشيعة السذج، الذين ظنوا بأن ثقتهم بالطرف الأخر في محلها، وذهب بعضهم إلى الدعوة إلى السير على مذهب هابيل في التعامل مع أخيه القاتل، أو على الطريقة المسيحية في تقديم الخد الأيسر لمن يصفعك على الخد الأيمن، وحتى لو صح هذا القول فالمسيح عليه السلام لم يأمر اتباعه بمد أعناقهم للذبح واعراضهم للإغتصاب تفريطاً وتخاذلاً، بل الواجب الشرعي الذي عمل به كل أنبياء الله هو الدفاع عن النفس والحياض، وأرواح الأبرياء والمستضعفين من النساء والأطفال والشيوخ أمانة بأعناق القادرين من الرجال، وعليهم واجب التصدي للعدوان بكل قوة، فلا حرمة لمعتدي، ولا رحمة لباغي.

لا يزال الجدل قائماً بين المراقبين حول توصيف الوضع الحالي في العراق، هنالك قلة متضائلة من المتفائلين بالطبيعة - إلى حد التعامي عن الحقائق أحياناً - متمسكون بإمكانية تحقيق مصالحة بين الأطراف المتصارعة، وهو ذات الموقف الذي تتبناه الأحزاب والجماعات الشيعية الممثلة في الحكومة خوفاً من تآكل قواعد تنظيماتهم الهشة، نتيجة بروز قيادات قتالية تثبت جداراتها وفاعليتها ميدانياً، مما يؤهلها وبقوة للهيمنة على الشارع الشيعي.

بالمقابل هنالك من يرى بأن الحرب الأهلية بدأت منذ حين ولا زالت مستمرة ومرشحة للإستمراروالتصعيد، وهؤلاء يسعون لإثبات أن التدهور الأمني الذي يصل إلى حد الحرب الأهلية ناجم عن تسلم دفة الحكم أحزاب وفئات غير مؤهلة من حيث برنامجها السياسي وخبرات قيادتها، ومن أبرز المنادين بهذه المقولة رئيس الوزراء الأسبق اياد علاوي، الذي يراهن على فشل الأحزاب الشيعية والسنية المتدينة، التي تشارك في الحكومة الحالية، مما يمهد الطريق لعودته الظافرة إلى الحكم.

بالحد الأدنى يتفق الطرفان، أي الفئات الحاكمة المنكرة لوجود حرب وكذلك الجماعات العلمانية المتنافسة معها على الحكم، على وجود أعمال عنف من الضخامة والخطورة بحيث استدعت تفرغ الحكومات المتعاقبة للملف الأمني، وعلى حساب كل المهام الحكومية الملحة الأخرى، بما في ذلك إعادة البناء وتوفير الخدمات ودحر عصابات الجريمة المنظمة ومحاربة الفساد الإداري، وهنا يبرز التناقض الصارخ بين موقف الحكومة المقلل لأهمية وحجم الصراع وادعاءاتها المتوالية عن تحقيق انفراجات أمنية مع ما تبذله من جهود مضنية وتسخره من موارد هائلة لمحاربة الإرهاب، فلو كانت المشكلة صغيرة ومحدودة في نطاقها فلم فشلت حتى الآن في حلها؟ ولماذا تشير كل الأدلة المادية الدامغة إلى تفاقم الصراع وتدهور الموقف الأمني؟  دفع الشيعة ثمناً غالياً للموقف المنكر للحقائق حول طبيعة وأبعاد الصراع الجاري، وأصحاب هذا الموقف مسئولون جزئياً عن دماء الشيعة الأبرياء التي أريقت وعن أعراضهم التي انتهكت وعن أضرحتهم ومساجدهم وحسينياتهم التي دنست وهدمت، وعن منازلهم وأملاكهم التي انتهبت وأخرجوا منها، وهم يتحملون أمام الله والتاريخ جانباً من وزر كل دقيقة ألم وحزن وقلق عاشها ويعانيها الشيعة من غير جرم اقترفوه.

بدأ الصراع  مع احتلال قوات التحالف للعراق، وفي البدء ظنت الفئات السنية المستأثرة بالحكم بأن ما سيحدث بعد سقوط النظام البعثي سيكون أشبه بما يجري عادة بعد الإنقلابات العسكرية في العراق من تصفيات جسدية وعمليات انتقامية، لذا رفعوا شعارات الأخوة، كما رفع من قبل أسلافهم المخادعون القرآن الكريم داعين إلى الاحتكام إليه، وانطلت الخدعة على الكثيرين منا، الذين صدقوهم مدفوعين بطيب الخلق وحسن الظن، وعندما لم تتحقق أسوء توقعات أنصار النظام السابق وحواضنهم الطائفية، انصرفوا إلى إعادة تنظيم أنفسهم ورص صفوفهم ليبدؤوا من جديد محاولاتهم لاستعادة هيمنتهم على العراق، منطلقين من موقف مبدئي متوارث منذ العهد العثماني ينظر إلى التوزيع الطائفي في العراق من منظور الإمبراطورية العثمانية، التي شكل الشيعة فيها أقلية، وكان العثمانيون يضطهدونهم لمجرد اشتراكهم في المذهب مع الإيرانيين أعداء العثمانيين، ولا بد من التذكير هنا بأن تمذهب  أعداء الشيعة ورفعهم الشعارات الطائفية، وعلى مر العهود، مجرد واجهات زائفة وواهية يموهون بها مصالحهم واستئثارهم بالحكم، وكل ما يطرحونه من مآخذ عقائدية أو مذهبية على الشيعة مختلق أو غير موضوعي، ولا يعدوا أكثر من تأطير فكري لاحتكارهم السلطة وذرائع لشرعنة السلطة الغاصبة وإقصاء المعارضين وبالأخص أتباع أهل البيت منذ عهدالأمويين.

وما أن اكتملت المخططات الخبيثة لأنصار النظام السابق وحلفائهم، والتي ترافقت مع تصدير الإرهاب التكفيري بدعوة أمريكية وتواطؤ عربي إلى العراق،  حتى انقضوا على الشيعة ذبحاً واغتصاباً وتشريداً، وتلك كانت أول مرحل من مخططهم، وكانت حصيلتها تقدمهم على حساب الشيعة، فكان لأعداؤنا ما أرادوا من تنازلات دستورية ومحاصصة للمناصب على أساس طائفي يغمط حقوق الشيعة، الأكثرية العظمى من السكان، وما أن ضمنوا هذه المكاسب حتى ارتفع سقف مطالباتهم، وبدأت مرحلة جديدة من إدارتهم للصراع، يطالبون بيد ويضربون بالأخرى، ولم تكن مشاركتهم بالعملية السياسية سوى فصل من فصول الخدعة المدبرة بإحكام، وفي الوقت ذاته صعدوا هجماتهم على الحضور الشيعي في ما يعتبرونه مناطق خاصة بهم، وهي الدليل على خبث نواياهم وسوء تدبيرهم المبيت، فكان تفجير المرقدين الطاهرين ومن ثم المجازر الجماعية للشيعة في المناطق ذات الأكثرية السنية وبعدها التهجير القسري لعشرات الألاف من الشيعة، ولأنهم خبروا مواقع الضعف في فكر وممارسات الائتلاف الحاكم واللعبة القذرة التي يديرها الأمريكان المحتلون وحلفاؤهم في المنطقة حصدوا ثمار زرعهم الشيطاني مشاركة قوية في الحكومة، وهكذا تسللوا إلى مراكز القرار داخل الدولة، وتحقق لهم ما يصبون من أمكانية تعطيل الماكنة السياسية وتخريب أو تسيير المؤسسات العسكرية والأمنية بما يتوافق مع مصالحهم، ويشهد تاريخ الإنقلابات العسكرية في العراق منذ ما يزيد على نصف قرن على خبرتهم في هذا المجال، وأن كانوا في نظري لا ينجحون بفضل ذكائهم وإنما بسبب غباءنا وتخاذلنا وانقسامنا.

تؤيد كل المعطيات إحراز الجبهة المناوئة للشيعة إنجازات هامة تمثلت في تقدم هذه الجبهة من حيث الخطاب ومساحة التحرك وأساليب العمل، ومن أبرز ملامح هذ التطور ما يلي:  -توسع الخطاب من الادعاء بمناهضة قوى الاحتلال فقط إلى المجاهرة بمعاداة واستهداف الشيعة. -التحول من عمليات إرهابية صغيرة إلى هجمات كبيرة وأكثر جرأة.-التحرك من التمركز في مناطق صغيرة إلى الانتشار في مساحات واسعة.-التطور من أرهاب لأفراد من الشيعة إلى حملات تطهير طائفي لمجموعات سكانية بأكملها.-تجاوز العداء الظاهري للإحتلال إلى التحاور معه وطرح احتمال التفاهم معه على حساب المصالح الشيعية. وإذا أضفنا إلى هذه القائمة إنجازات الجبهة السياسية التي أوصلتهم إلى سدة الحكم بقوة تتجاوز ثقلهم العددي وبالرغم من معارضتهم كل المخططات الحكومية يتأكد لنا حجم الانجازات التي حققتها هذه الفئات.

وماذا بعد؟ من الواضح بأن أعداء الشيعة ماضون في مخططهم الشرير، ولا يزالون يتآمرون في الخفاء ويلمحون في العلن إلى انهم لن يستكينوا حتى يبلغوا هدفهم النهائي، والواجب علينا التصدي لهم قبل فوات الأوان، واتخاذ زمام المبادرة في إفشال مخططهم، وتتركز هذه الإستراتيجية المضادة حول المحاور التالية:-الانطلاق من اعتبار الصراع مع الجماعات المعادية للشيعة صراع بقاء لا صراع على المناصب والمصالح الفئوية.-التحرك الإعلامي لكشف الهوية الحقيقة للجماعات المناوئة للشيعة ومكونيها الرئيسين، وهما بقايا حزب البعث الفاشي والطائفيين من المكفرين وغيرهم.-وضع وتنفيذ خطة عسكرية للتصدي لأعداء الشيعة تأخذ في الاعتبار احتمال استهداف قوات الاحتلال للشيعة.-طرد العناصر الطائفية المرتبطة بالمخطط المعادي للشيعة من الجيش والشرطة.-تأسيس إقليم الوسط والجنوب وإقليم بغداد خلال ستة أشهر،و تشكيل قوة دفاع خاصة بهما على غرار البشمركة الكردية.-إمهال قوات الإحتلال حتى صيف 2007م لمغادرة العراق نهائياً وتطهير العراق من مخلفات الاحتلال وعملاءه.-تطهير كل العراق من التواجد الصهيوني الذي يستهدف الشيعة.

وأقول لقادتنا، نحن الشيعة، إنها وصفة لخلاصنا من الوضع المتردي وتأمين مستقبل أجيالنا القادمة، فهل فيكم إذن واعية؟

د. حامد العطية

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
التعليقات
فرات علي
2006-07-16
الاخ صاحب المقال اذكرك ان الشيعة المؤمنين يعملون بتكليفهم الشرعي وذلك باتباع فتاوى الفقهاء المبريء للذمة مهما كانت هذه الفتاوى ثقيلة علينا والحق كله ثقيل دائما..فان الرد بالمثل او اشد سهل وموافق للمزاج والعاطفة الا ان هناك شرع يدرس امور وظروف البلاد ككل ولا تنسى ان هناك محتلا هو الذي يصنع ويغذي ويشجع بل ومستميت لاشعال الفتنة بين المسلمين وما هؤلاء المتعاونين معهم من بعثيين وتكفيريين لانجاح مشروعهم التدميري ما هم الا حصب جهنم ولا يغررك نجاحهم المؤقت فانهم والله خاسرون..ونحن الفائزون دنيا واخرة ..
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك