المقالات

لاوزن للأكثرية في القرآن الكريم.. 


كوثر العزاوي ||

 

لو ألقينا نظرة علی وضع العالم اليوم بمختلف عوالمه ومجتمعاته وأفراده وحكوماته وعلى القوانين الوضعية السقيمة المتّبَعة في الحياة لرأينا جميعها قائمة علی أساس رأي الأكثرية،بما تمليها الأهواء والمصالح الشخصية، والحق أنّ الأكثرية العددية كما أثبت الواقع أنها لم تداوِ جرحًا، ولم تجبر كسرًا، بل إنّ معظم الخلافات وأكثر المفاسد والتناحرات والاختلافات، وحرية النقد اللاذع والانتقاد الهادم، وغلَبة الباطل ظاهرًا وكثرة أتباعه، والمتجرئين، وصنّاع التفاهة ومنشئي المحتويات الهابطة والفارغة ومايدل على عقولهم الجوفاء، كل ذلك وغيره الكثير قد أقرّتها الأكثرية،وتصدرت مواقع الحياة افتراضًا وواقعًا، بل وحققت أرقامًا وأعدادًا خيالية حتى أصبح المجتمع بجلّ فئآته يُطربُ فرَحًا، متوهّمًا أنّ الكثرة على اختلاف أصنافها ومواردها دليل على الأحقية والنجاح! ولَيت شعري، هل علم أولئك الأكثريون إنّ القرآن الكريم في موارد عديدة من آياته يذمّ الكثرة والأكثرية؟! كما لايقيم للكثرة "العددية" أي وزن، في موارد متعددة ومنها قوله تعالى {وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِى ٱلْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ ٱللهِ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا ٱلظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ} الانعام ١١٦- وأما القلة فإن الموارد المستقرَأة في القرآن الكريم بجميع مستوياتها الايماني والجهادي والعددي والمالي قد تبيّن عبر التاريخ بأنها رافقت الأنبياء والأولياء وكانوا المشاعل المضيئة التي انتصرت على كل الانحراف والحصار الذي كانت تمارسه الأكثرية، وماقول أمير المؤمنين عليّ"عليه السلام" إلّا خير شاهد {لا يزيدني كثرة الناس حولي عزة، ولا تفرّقهم عني وحشة} وهو مايؤكد على أنّ المقياس الحقيقي في كل شأن من شؤون الحياة هو النوع والكيف مهما قلّ العدد وتخلّف الكَم! إذ أنّ اختيار الطريق، يحتاج إلی الدليل والبرهان لاالظنّ والتخمين كما تبيّنَ من ذيل الآية "إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ".. فغالبًا  مايخالط الظن الهوى، ويمتزج به الخداع و التخمين، ورغم ذلك وفي غمرة انقلاب المعايير وانفلات الضوابط،نرى تفشي هوس"الأكثرية" ليشمل اغلب الاوساط الاجتماعية وفي كل ضرب من ضروب العلم والفنّ والادب والدين والإعلام والصفحات والعلاقات والمحتويات، وفي كل ذلك ترى خداع الكمّ يغشي الأبصار!! ويبقى تقدير الأشياء بالكيف لا بالكمّ منزلة لا يصل إليها العقل إلّا بعد مغادرة عالم الذات والأنا وإزالة ماعَلِق بالأذهان من فرط تقدير الكم كقناعة لها سبعة أوجه وماخفي اعظم! ‏علمًا أن القرآن عندما يذمّ الاكثربة في كثير من الموارد وكما تبيّن، فالمقصود هو الأكثرية غير الرشيدة دون أدنى شك، فيما تصوِّر لنا الآية المباركة حال القلة في قوله تعالى: {وَٱذْكُرُوٓاْ إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِى ٱلْأَرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ ٱلنَّاسُ فَـَٔاوَاكُمْ وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُم مِّنَ ٱلطَّيِّبَٰتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} الانفال٢٦- غير الموارد الأخرى التي توضح الفرق بين القلة والكثرة لمن أراد البحث لتكون هي الميزان الحقيقي والحَكَم الفصل.

ومن هذا نستنتج: أن الكثرة في العدد عندما تتحقق يترتب عليها الكثير من الإهمال للقيمة المعنوية في كل شأن من شؤون الحياة، وفي مثل مرحلتنا لابد من التوجّه إلی الله"عزوجل" مُستهدين بنور هُداتهِ ونهجهم القويم لمعرفة طريق الحق، حتی لو كان السائرون في هذا الطريق قلّة في العدد.

{قُل لَّا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ  فَاتَّقُوا اللهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} المائدة ١٠٠

 

٩-ربيع اول-١٤٤٥هج

٢٥-٩-٢٠٢٣م

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاكثر مشاهدة في (المقالات)
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك