المقالات

زائر القرية والرفاق


عباس سرحان ||

 

توسدت قريتنا شاطئا رمليا  بين هور الحمّار ونهر دجلة،  كان الشاطئ ملاذ سكّان القرية الأخير كلما غمر الفيضان مساكنهم القريبة من النهر، إلى أن قرروا جازمين التوطن عند الشاطئ الرملي .

سكّان قريتنا قليلون حتى أن اسماءهم لا تتشابه وملامحهم ايضا، والضيف الذي  يحل على احدهم كان يثير فضول الآخرين من سكانها.

من الطبيعي ان ينشغل الناس ببعضهم وقتذاك، فلم تغزوهم بعد وسائل الاتصال والتواصل التي شغلتهم عن بعضهم وحنّطتهم عند أجهزة جامدة.

في  صيف 1979 جاء قريتنا شاب نحيل ذو شعر طويل أسود متجعد قليلا، ملامحه بارزة كما لو  يعاني من علّة سلبته العافية.

كان ، رياض، وهذا هو اسمه، يكبرنا نحن صغار القرية بأعوام. لكنه لم يبلغ سن الرشد بعد، وقد استقر في منزل عمّته القريب من منزلي ولم يكن ليخرج منه إلا قليلا.

 بروح الصغار النقية البيضاء، وفضولهم البريء كان صغار القرية يتوقون الى ان يشاركهم، رياض، اللعب او السباحة في النهر، أو يخرج معهم حين يتسلقون بمرح أغصان السدرة الكبيرة على نهر دجلة.

لكنه ظل يتجنبهم بشكل يبعث على الغرابة والتساؤل، كما لو أنه مأمور بعدم الاختلاط بأحد، ولم يخرج من منزل عمّته إلا نادرا.

هو يكتفي بالجلوس على حافة سطح حجرتها الطينية احيانا يراقب بانتباه مثير طريقا للسيارات يمرّ قريبا من القرية.

كنت أظنه سئم  الجلوس في المنزل وخرج ليمدَّ نظره نحو الآفاق والحقول من حوله، او لعله كان يستمتع بمراقبة السيارات التي تسلك الطريق.

 ولم أظن لحظتها أنه كان حذرا من شيء ما، فتفكيري البسيط وأفكاري الطفولية الساذجة لم تتعد إلى ما هو أبعد من ذلك.

مرّت اسابيع ورياض على حاله تلك يمضي معظم وقته بالانزواء عن الناس، وفي يوم صيفي ساخن وبينما كنت رفقة والدي عند شاطئ ارضنا الزراعية سمعنا جلبة وصياحا فيه تهديد وتحذير، فهرعنا نحو السدة الترابية العالية على حافة النهر لنرى ما يجري.

جهة الصوت توقفت سيارتان نوع " بيك اب "وترجل منهما خمسة اشخاص يحملون رشاشات وجهوها نحو شخص كان لايزال اسفل السدة الترابية المحاذية لنهر دجلة.

كنا نرقب المشهد بقلق بالغ فلم تعتد قريتنا على حادث مثله، فمن هؤلاء المسلحين وماذا يريدون ومن هو الشخص المطلوب؟.

 وبينما كانت هذه التساؤلات وغيرها تتصارع في أذهاننا خرج الشخص الذي وجّهت له البنادق الخمسة.

إنه "رياض" زائر القرية الغريب الذي أفلت من فضول كل الناس ولم يتمكن من الإفلات من خمسة أشخاص بينهم الواشي حاصروه عند شاطئ النهر واقتادوه وحيدا، ولم يتركوا له أثرا سوى"السنارة " التي كان يصطاد السمك بها.

كانت تلك المرة الاخيرة التي ارى فيها رياض، فبعد اسابيع سلموا جثته لأسرته ومنعوها من اقامة مجلس الفاتحة على روحه.

رافقني مشهد إلقاء القبض على رياض منذ كنت صبيا وإلى اليوم.

 أُعدم رياض وهو لم يجتز مرحلة المراهقة بعد،  من قبل سلطة كانت مراهقة، ووشاة باعوا دينهم بدنيا غيرهم، وينتظرهم من الله ما ينتظرهم.

 

ــــــــــــــــــــــ

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك