المقالات

طائفية ساسة العراق وعنصريتهم / الحلقة الخامسة / القسم الثاني (1) / عائلة السويدي


رياض سعد

(1)

الشيخ عبد الرحمن السويدي

ولد الشيخ عبد الرحمن بن الشيخ عبد الله السويدي عام 1721 وقيل عام 1722 وتوفى عام 1786 م , ترك من العقب، ولدا واحد هو محمد , واعقب محمد ولدين كل منهما كان عالما وادبيا ومؤرخا - كما قيل , ولكن على طريقة السلف والعثمانيين - هما عبد الرحيم ( توفي سنة1812 م ) وسلمان ( توفي سنة 1815 م ) .

ويعد الشيخ عبد الرحمن من صنائع العثمانيين وقد شارك معهم - كأسلافه - في كل ما قاموا به من مظالم وفتن ومعارك , وتدلنا سيرته المفعمة بالمواقف العنيفة والمتشنجة على طائفيته وتبعيته الذليلة للعثمانيين والولاة الاجانب ؛ بل تمادى كثيرا في اتباع خُطا شياطين السياسة العثمانية وابالسة الحكم من المماليك , اذ زوَّر التاريخ وغيَّر مجريات الأحداث التاريخية وقلب الحقائق والوقائع رأسا على عقب , فهو واشباهه من الكتاب الطائفيين كالحيدري وابن سند وغيرهما من المدلسين باستطاعتهم الادعاء و بكل سهولة بان النجف الاشرف كانت معقلا للنواصب مثلا , او ان مدينة العمارة لم تكن شيعية او ان البصرة تشيعت قبل قرنين من الزمن ...!!

وسأذكر لكم بعض الشواهد التدليسية والمبالغات والادعاءات الكثيرة لاحقا ؛ ومن مؤلفاته نفسها ومؤلفات غيره التي تؤكد ما ذهبنا اليه انفا ؛ واليك مثالا بسيطا على ذلك :

قاومت عشيرة الخزاعل والعشائر العراقية الجنوبية المتحالفة معها الاحتلال التركي ورفضت اجراءاته التعسفية وخاضت الحروب واعلنت التمرد والثورات ضده , فحصلت المعركة بين الطرفين وبسبب عدم تكافؤ المعسكرين من حيث العدة والعدد , انتصر الوزير العثماني علي باشا على الثوار العراقيين فاستولى على خيامهم واغتنم غنائم كثيرة منهم , ثم رجع إلى بغداد باحتفال باهر؛ ولكن سليمان الشاوي اشار إلى أن علي باشا تغلبت عليه الخزاعل في حربه قبل هذه الواقعة وكان رئيسهم الشيخ حمود وقتذاك ؛ مع أننا لا نجد إشارة من المؤرخين إليها فلم يذكروا إلا الانتصار العثماني كعادتهم في التدليس وتمجيد المحتل والتقليل من شأن الثوار والاحرار العراقيين ؛ وقد استغرب المؤرخ العزاوي تجاهل هذه الواقعة التاريخية من قبل صاحب كتاب دوحة الوزراء - العراق بين احتلالين ج 6 ص 43 - ولم يشر عبد الرحمن السويدي الى هذه الحادثة في كتبه ايضا .؛ بل انه وسيرا على هذا النهج المنكوس هنأ الطاغية عمر باشا بقصيدة بمناسبة غزوه قبيلة خزاعة العربية العراقية في انحاء السماوة سنة 1765 م .

ودرس الشيخ عبد الرحمن على والده والشيخ فصيح الدين الهندي والشيخ ياسين الهيتي , وقد نهل الحقد والتعصب من اولئك الاساتذة الاجانب وهم بدورهم اخذوه عن اسلافهم الدخلاء و ورثوه لأبنائهم واحفادهم الغرباء الادعياء ؛ وهكذا تستمر المسيرة الطائفية والعنصرية والارهابية في زحفها المتواصل والمشبوه للسيطرة على بلاد الحضارات العريقة و ديار الامام علي والامام ابي حنيفة ... ؛ وقد شن هؤلاء الشيوخ الغرباء الظلاميون من هنود وشركس وقرج واذر وتركمان واتراك واعراب واكراد اجانب وشيشان وداغستان ... الخ ؛ هجوما عنيفا على العراقيين ومن على شاكلتهم من المسلمين الشيعة ولم يستثن حتى ائمة ال البيت – ولعل محاضرات المنكوس الخرف المدعو طه الدليمي وهجومه على الامام علي وال البيت خير شاهد على هذا النهج الاعوج – و المصيبة الكبرى تكمن في اعتقادهم بانهم خير من يمثل الإسلام الاصيل , ليت شعري أي اسلام اصيل ذاك الذي يسفه اهل البيت و يطعن بصهر النبي محمد وابن عمه ؛ وماذا بقي منه لو صح ذلك ... ؟! .

واليك نماذج من كتبهم الطائفية السقيمة والدينية الباطلة والمحرضة على الفتنة والخراب والدمار :

• (السيف الباتر لأرقاب الرافضة الكوافر) للشيخ علي الهيتي ؛ وهذا المؤلف أراد به الهيتي أن يبين للسلطان العثماني أن ضرر التشيع وقتال الدولة الصفوية أمر لابد منه شرعا , ونقل الشيخ علي الهيتي عن علماء ما وراء النهر ، وعلماء الروم ، وعلماء كردستان الفتوى بوجوب قتالهم .

ثم قال : (( حتى أني رأيت منقولاً عنهم : أن من قتل رافضيا فكأنما قتل وغزا سبعين كافرًا من أهل الحرب لأن ضررهم أكثر من الكافر)) ثم قال :( ( فلا شك أنه يجب قتلهم ، ويحل أكل أموالهم ، وسبي نسائهم وأولادهم ، فإن رأيي وعلمي أدى إلى ذلك ، وأقطع بجوازه ، بل بوجوبه ، وكل من يتوقف في ذلك من أهل زماننا فلا شك في جهله ، وعميان بصيرته بل لا شك في كفره ، لأن الرضا بالكفر كفر ، وهؤلاء الطائفة الملعونة ما أحبهم قلب فيه إيمان كما قال الله تعالى : ( لا تجد قومًا يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادُّون من حادّ الله ورسوله ) .

وقد هلك هذا المجرم العثماني و الدجال الطائفي عام 1020 وقيل عام 1029 من الهجرة ؛ الا ان سمومه القاتلة وافكاره النتنة و فتاوى اصحاب التكفير والاجرام ممن على شاكلته من المجرمين الطائفيين من وعاظ السلاطين قد انتشرت بين شراذم الغرباء والدخلاء في العراق وتبنوها كأنها وحي من السماء , ومن الخطأ الفادح ان نعد هذه الفتاوى الدينية والآراء السياسية والاجتماعية والثقافية لهذه الشرذمة مجرد كلمات وتصريحات واراء نظرية فحسب , بل هي جرائم ينبغي ان تصل يد العدالة والقانون الى اصحابها لأنها تستبطن ذهنيّة ارهابية ونفسية اجرامية و واقع منحرف وسلوك مريض , ورأينا بأم العين مئات الاحداث المؤلمة والجرائم المقززة التي تستند الى هذه الاعتقادات الطائفية المريضة والآراء الفقهية المنحرفة , وسمعنا مئات القصص الرهيبة التي تؤكد ما ذهبنا اليه انفا واليك نزرا بسيطا منها : افتعل هؤلاء المجرمون الطائفيون معارك وهمية للقضاء على الاغلبية العراقية بحجة تلك المهازل والمسرحيات العسكرية البائسة المعروفة ؛ وكان المجرم عبد السلام عارف يقول ردا على من يحذره من حرب الاكراد في شمال العراق : (( احن شعلينه كاكا حمه يقتل الجندي عبد الزهرة )) , وقد بلغ الحصاد الطائفي ذروته في الحقبة الطائفية البعثية التكريتية الصدامية ؛ اذ قدرت الضحايا والشهداء من ابناء العراق الاصلاء بالملايين وقد صرح المجرم المنكوس خير الله طلفاح حول هذا الموضوع قائلا : ((هدوا اجلابهم عليهم )) ابان الحرب العراقية الايرانية اذ كان النظام التكريتي القذر لا يبالي بالتضحيات الجسيمة ؛ لأن أغلب الضحايا كانوا من جنوب ووسط العراق , ولعل مقولة طلفاح تشير الى ان القاتل والمقتول كليهما من شيعة الامام علي ؛ فلا ضير في ذلك لانهم كفار مرتدون وفقا للفتاوى المنكوسة , و قد رفع النظام شعار : (( لا شيعة بعد اليوم )) جهارا نهارا في احداث الانتفاضة الجماهيرية الخالدة عام 1991 , وسار على هذا النهج ايتام النظام وازلامه بعد عام 2003 من مجرمي القاعدة وسفاحي الدواعش وغيرهما فقتلوا الاطفال والشيوخ والنساء والمرضى والعجزة بلا رحمة وشنوا حملات شعواء حرقت الاخضر واليابس واهلكت البلاد وعطلت مصالح العباد , وقد وثقت المنظمات الدولية لحقوق الانسان مئات المقابر الجماعية في كل ربوع العراق من ضحايا النظام الصدامي وايتامه وازلامه والدواعش ؛ ونقل لي شاهد عيان في بعض مناطق ديالى في اثناء العمليات الارهابية عام 2006 ان بعض شراذم الفئة الهجينة قاموا بربط امهم العجوز على عمود الكهرباء و اطلقوا عليها وابلا من الرصاص لكونها من الاغلبية العراقية ؛ وقد روى لي احد المعتقلين في مديرية امن صدام : انه بينما كان نائما في بيتهم الكائن في مدينة الصدر – الثورة سابقا - وفي الساعة الثالثة مساءا انقض الوحوش الهمج عليه وهو نائم وكبلوا يديه بتهمة التدين وكان المعتقل السياسي وليد الكعبي يبلغ من العمر 19 عاما وقتذاك , وقبل وصوله لمحبسه ، بدأت رحلته بالتعرض للمهانة والصفع والضرب المبرح والسياط والهراوات ، كي تنهار إرادته ، حيث يكون المعتقل حينها مجردا ، لا يحمل معه سوى إرادته ، فجسده مستباح ، وعندما تم نقله الى اقبية التحقيق فيما بعد , بدأت عمليات التعذيب الممنهجة وفي اثناء التعذيب وبينما وليد معلق من يديه بأعلى السقف ذهب الضابط الجلاد لأداء فرض الصلاة - على الطريقة الناصبية الارهابية الاموية المنكوسة - , عندها سأل الشاب الصغير وليد الضابط المحقق متعجبا : اذن لماذا تعذبني وانت تصلي مثلي , فرد المحقق عليه : بابا انتم كفرة ...!! .

• (اليمانيات المسلولة على الرافضة المخذولة) للشيخ زين العابدين الكوراني الكردي ولا يعلم هو من أي الاكراد الذين جاء بهم الاتراك من مختلف اصقاع المعمورة للقتال مع القوات العثمانية , وطالما اطاع الاكراد الاتراك العثمانيين في تنفيذ العديد من الجرائم التاريخية والمخططات العثمانية التي تهدف في بعض الاحيان الى احداث تغييرات ديموغرافية في هذه المنطقة او تلك , فمما لا شك فيه ان بعض الاكراد الوافدين الى العراق بمعية العثمانيين قد ازاحوا بعض المكونات العراقية القديمة في شمال العراق وحلوا محلهم بدعم ومساندة الاتراك العثمانيين وقتذاك .

• (النكت الشنيعة في بيان الخلاف بين الله تعالى والشيعة) للشيخ فصيح الدين إبراهيم الحيدري الصفوي ؛ على الرغم من كونه ينتمي للعائلة الصفوية الا انه غير مشمول بالذم والسب والشتم من قبل الشرذمة الطائفية الهجينة ؛ وذلك لأنه قد انسلخ عن هويته وقوميته وتنكر لأصله واهله وابناء بلده المسلمين الشيعة وغير جلده كالحرباء ؛ فهؤلاء ما هم الا هجين غير متجانس ( لملوم ) تنكروا لأصولهم واخفوا جذورهم وادعوا هوية غيرهم وتقمصوا انساب الاخرين هربا من تاريخهم المخزي ؛ جمعتهم المصلحة المادية والسلطة السياسية العثمانية والحقد الاعمى على سكان العراق الاوائل الاصلاء و المسلمين من اتباع الامام علي , وهذا المعتوه الحيدري الصفوي التركي العربي الهندي الكردي الايراني - القاب بلا عد ولا حساب ..!! – يدعي انه سكرتير الله و مبعوثه , اذ لعله كان قاب قوسين او ادنى من سدرة المنتهى ونحن لا نعلم ؛ فقد أخبره الله عن النقاط و الصفات الشنيعة في خلافه مع عباده الشيعة (من هالمال حمل جمال ) ...!!

وسأذكر لكم الان موقفا لاحد رجال الدين من الاغلبية العراقية للمقارنة بين الاصلاء والدخلاء ؛ فعندما تمكن الشاه عباس الصفوي من فتح بغداد - في عام 1663م - , اصدر أمرا بإحصاء اعداد السكان من ابناء الطائفة السنية الكريمة ؛ قيل : بقصد القضاء عليهم فيما بعد , وقد تدخل السيد دراج كليدار الحضرة الحسينية - ولولا القاعدة الدينية الشيعية العراقية المؤيدة له لما استطاع فعل ذلك فالإنسان كما قيل : ابن بيئته , كما ان رجل الدين ابن طائفته ومدرسته - لإنقاذ الاهالي السنة من المجزرة , وكان ذا جاه لدى الشاه واستطاع ان يشفع للكثيرين من اهل السنة وسجل اسماءهم في دفتره بوصفهم من الشيعة فانقذهم من القتل ؛ وعندما دارت الايام وتغيرت الدول والاحوال , ودخلت القوات العثمانية الهمجية بغداد بقيادة السلطان العثماني مراد , قاموا بمجزرة من ابشع مجازر التاريخ فقد غدروا وفتكوا بالحامية الايرانية المستسلمة بعد ان اعطوهم الامان فامعنوا فيهم ذبحاً وتقتيلاً بحيث لم يسلم منها سوى ثلاثمائة جندي مع العلم انها كانت تبلغ عند الاستسلام زهاء عشرين الفاً ؛ ثم اعقبوها بمجزرة اخرى اكثر بشاعة وخسة ونذالة لم يشهد لها تاريخ بغداد آنذاك مثيلا ؛ فقد اصدر السلطان السفاح مراد أمرا بالذبح العام انتقاماً من سكان بغداد الشيعة , ونقل عن المؤرخين الاتراك ان عدد القتلى في هذه المرة بلغ ثلاثين الفاً ؛ وكالعادة لم يتدخل رجال الدين الطائفيين والمحسوبين على السلطة العثمانية الغاشمة لإنقاذ اهالي بغداد الابرياء كما فعل رجل الدين الشيعي السيد دراج ؛ والفرق واضح ولا يحتاج الى تفسير اذ ان العراقي الاصيل كالوالد الذي لا يفرق بين ابنائه , و مثله كمثل صاحب المضيف الذي يرحب بالضيوف والزوار أيّا كانوا لأنه صاحب الدار ؛ بينما يبقى الدخيل متوجسا مضطربا قلقا مرتبطا بالأجنبي دوما لأنه طارئ ويشعر بالغربة , فهو يحمل فكرا امويا ناصبيا منكوسا في ارض اتباع الامام علي والحسين وابي حنيفة , ولأن البذرة الاموية لن تنمو في هذه الارض ابدا , و بما ان المواطنين الاسوياء يتفق سلوكهم مع مفهوم الذات ومع المعايير الاجتماعية كما اكد المختصون ذلك ؛ واذا حدث تعارض بينهما فانه بذلك يؤدي الى عدم التوافق ومن ثم الاغتراب , فلو عاش هؤلاء الغرباء والاجانب والدخلاء بيننا الف عام لما شعروا بالاندماج والاختلاط مع مكونات الامة العراقية الاصيلة والقديمة وذلك لاختلاف القيم والعادات والتقاليد والاخلاق , ومن اللافت للنظر ان نسبة عالية منهم قد تركوا العراق وذهبوا الى مختلف الدول الاجنبية بمعية الثروات والاموال التي سلبوها من العراق او بالأحرى من الجنوب العراقي , وحصلوا على الجنسيات الاجنبية ؛ وهم في تلك البلدان ما زالوا ينبزوا ابناء العراق الاصلاء بالموبقات والاتهامات والافتراءات , كالمدعو الشركسي خالد القشطيني ومن لف لفه من سقط المتاع وحثالة بقايا المماليك والانكشارية , وهذه نتيجة طبيعية لحالة الاغتراب التي تلازمهم فهم الحالة الشاذة والظاهرة الصوتية المفخمة بالدجل والادعاء والتدليس والارتباط بالأجنبي والعمالة لكل من هب ودب ؛ وسط البيئة العراقية العريقة .

وكما قال الشاعر :

مـلـكـنـا فـكـان الـعـفـو مـنَّـا سـجـيـةً *** فـلـمـا مـلـكـتـمْ سـالَ بـالـدمِ أبـطـــــــحُ

وحـلـلـتـمُ قـتـلَ الأسـارى وطـالـمـا *** غـدونـا عـن الأسـرى نـعـفُّ ونـصـفـحُ

فـحـسـبـكـمُ هـذا الـتـفـاوتُ بـيـنــنـا *** وكـلّ إنـاءٍ بـالـذي فـيـــه يـنـضــــــــــحُ

وكما هو معروف عن هذه الشرذمة الهجينة انها بقدر ما تكره الاغلبية العراقية وتنصب العداء لها ولكل ما يمت اليها بصلة بقدر ما تتملق لأعداء العراق والعراقيين من الغرباء والدخلاء والغزاة , فلا تستغربوا من رغبتهم المستمرة في جلب الغرباء والاجانب الى العراق بشتى الذرائع والحجج الواهية – كمحاولة توطين الفلسطينيين في العراق او جلب ملايين المصريين بذريعة العمل او الاستنجاد بالدواعش الاجانب بحجة الجهاد - ؛ وذلك لان شبيه الشيء منجذب اليه فالغريب يهوى الغريب ؛ وما حن طارئ دخيل على عراقي اصيل قط .

واليك هذا الشاهد الذي يكشف مدى تملق الشيخ عبد الرحمن السويدي للوالي العثماني حسن باشا الذي طلب منه تأليف كتاب عن احداث بغداد والبصرة , وقد جاء في اهداء الكتاب للوالي حسن باشا : (( ... خدمت بها من انقشعت بوجود والياً علينا سحابتها المدلهمة ، واندفعت في حكومته فينا كتائبها المدافعة المنضمة ، وبرد بعدله فينا اوارها ، وخدمت بحسن تدبيره الحسن نارها . للوزير الكبير والعلم الشهير الذي ان عدت الوزراء فاز بالقدح المعلى ، وان ذكرت الكرماء فله من بينهم الحظ الاوفى ، الوزير المفخم ، والدستور المكرم ، ساق شوكة بن عثمان ، انسان عين هذا الزمان ، صاحب الخصال الذي يزهو فيها القريض والكمال....

من آل عثمان اضحى ساق شوكتها لـولاه مـا فضلها العالي بمشتهر

لـه الـوزارة اذ قـد جـاءها قدر كـما اتـى ربه موسى على قدر )) .

ولا ادري ما أوجه الشبه بين الوالي حسن باشا والنبي موسى , لعله القدر كما المح الشاعر لذلك , ولكن الفرق بين القدرين كالفرق بين المشرقين ...؟!

وان كانت مواهبه الشعرية في التملق والتذلل للولاة قد برزت منذ نعومة اظفاره وقد مر عليكم انه واخوه مدحا الوالي العثماني عندما اهدى اباهم فرسا ونظما بحقه قصيدة ثناء , ونظم وهو في الثانية والعشرين من عمره قصيدة تائية في مدح احمد باشا وتهنئته بمناسبة ولادة ابنه المسمى علي بك سنة 1742 م ، فكانت تلك اولى قصائده التي سجلها ؛ وجاءت احداث سنة 1743 م لتذكي وتصقل موهبة الشيخ عبد الرحمن في التصنع والتملق والتزلف للحكام الاجانب وتبرز حسه الطائفي والعنصري ؛ ففي تلك السنة قدم نادر شاه بجيوش ضخمة ، فحاصر المدن العراقية الرئيسة ،ومنها بغداد والموصل والبصرة , وقام الشيخ عبد الرحمن كعادة الخدم العثمانيين بذم وهجاء العجم والمسلمين من اتباع ال البيت .

ومن اثاره ومؤلفاته :

كتاب حديقة الزوراء في سيرة الوزراء : وهو في سيرة واليي بغداد الوزيرين حسن باشا (1704 - 1723 م ) وابنه احمد باشا (1723 - 1734 م ) .

وكتاب تاريخ حوادث بغداد والبصرة من سنة 1186 الى سنة 1192 هـ ؛ و هذا الكتاب سنستشهد به كثيرا في هذا القسم من هذه المقالة .

وبمجرد مراجعة هذين الكتابين يتبين لنا مدى تحامل هذا الكاتب على الاغلبية العراقية والمسلمين الشيعة , وكيل التهم الجزاف والافتراءات ضدهم , وتصويره المنكوس للأحداث التاريخية من خلال مبالغاته وتهويله وتدليسه , فما نطق هذا الشيخ بالصدق والموضوعية والحياد ابدا, ولم يتحرَ الحقيقة قط .

ومن المعلوم ان وظيفة رجال الدين العثمانيين و وعاظ السلاطين الطائفيين كتابة التاريخ بما ينسجم و اهواء السلطان وتوجهات السلطة الحاكمة , فهؤلاء يمتلكون قدرة عجيبة في اختراع احداث و وقائع خيالية لا تمت للواقع بصلة , ونسبة الامور الى غير اصحابها , وتبرئة ساحة الحكام المجرمين واتهام الرعية المظلومين , وتصغير الكبير وتكبير الصغير , وتقبيح الحسن وتحسين القبيح , و وصف الثوار الاحرار بالغوغاء الاشرار والطغاة الفجار بالعدول الاخيار ؛ لصرف الناس عن الحقائق الواقعية وتفاصيل الاحداث الحقيقية .

(2)

حقد العجم على العجم ..!!

من هم العجم

العجم مصطلح يطلق على أي شخص غير عربي ، وهذا الاسم استخدم بكثرة بعد ظهور الإسلام في الجزيرة العربية ، فقد ذكر في آيات القرآن ، كما أن النبي محمد استخدمه في العديد من أحاديثه، وعلى الرغم من أنه استخدم لوصف جميع الأجناس خلافا للعرب ، إلا أن هذه الكلمة قصد بها أقواما أكثر من غيرهم فيما بعد .

فقد تم وصف شعوب بعينها بالعجم ، وذلك اختلف بحسب الأماكن التي عاش فيها العرب عبر التاريخ ، خاصة في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى والأندلس وأسيا ، ففي تلك المناطق سمي الغريب بالعجمي ، والغريب كان يطلق على أقرب شعب أجنبي من العرب .

في شبه الجزيرة العربية، استخدم (العجم) لوصف الفرس ، فقد كانوا أول الحضارات الرئيسة التي واجهها العرب في أثناء نشرهم للإسلام، وعلى الرغم من المساهمة التي قدمها الفرس في الحضارة الإسلامية ، إلا أنهم لم يعتمدوا اللغة العربية أبدا كلغة أم .

لم تكن كلمة العجم تستخدم للإهانة والاستنقاص من الأجانب كما يشاع ، ولم يتم وصف مجموعة عرقية واحدة بهذا الوصف ، وعلى الرغم من أنه كان دائما يتم تحديد مجموعة معينة ، فذلك كان بسبب الاتصال المباشر والدائم بين تلك المجموعة والعرب ، ولم يقم عامة العرب بالتعامل مع من يصفونهم بالعجم بالتحقير أو الانتقاص ، وفي نفس الوقت لم يواجه العجم مشكلة مع هذه الكلمة .

فمن حيث اللغة ، تعني كلمة عجم : عكس العرب ؛ أي إنّها تطلق على كلّ شخص لا ينتمي إلى أصول عربيّة سواءً أكان ناطقاً باللغة العربية أم لا، ويمكن القول بأنّ العجم هم جميع البشر باستثناء العرب .

وآيات القرآن تؤكد أنه لا يوجد فرق بين العربي والعجمي إلا بالتقوى ، ولم يتم استخدام هذه الكلمة يوما من أجل الإساءة إلى اقوام أجنبية ، لكن الاعتقاد بذلك ، قد يكون جراء التوتر السياسي والديني بين إيران والشيعة من جهة والعثمانيين ورعاياهم من جهة اخرى في القرون الأخيرة , مما جعلها تحمل دلالة سلبية وعنصرية وطائفية احيانا .

وعلى الرغم من كل هذه التعريفات الواضحة والتي تشمل كل شعوب بني البشر بالعجمة ان كانوا من غير العرب ؛ تم التعامل مع اعاجم الكرة الارضية كلهم كأنهم اصحاب المعلقات السبع الا الايرانيين المغضوب عليهم , و الذين ساهموا مساهمة كبيرة في رفد الاسلام والمكتبة العربية على صعيد المعارف السياسية والادارية و الدينية واللغوية والادبية والثقافية العامة وكانوا من اقرب الشعوب لسكان الجزيرة والشام واليمن ؛ فهم وحدهم المساكين قد بقوا عجما بينما تحولت المعمورة قاطبة الى عرب اقحاح لا لشيء سوى انهم كانوا من اتباع الامام علي ثم صاروا من اعداء العثمانيين ورعاياهم من الاعاجم الحقيقيين .

وسيرا على هذا النهج العنصري والطائفي تم اتهام كل شيعة العالم بالعجمة فيما بعد ؛ ولو رجع الزمان القهقرى الى الوراء الان لوصف الدجالون المنكوسون بني هاشم والعلويين الاشراف وجماجم العرب الذين قاتلوا مع الامام علي في معارك الجمل وصفين بالأعاجم بلا خجل ولا حياء من محكمة التاريخ و حقائقها الناصعة ؛ وكل هذا التحريف والتخريف والتشويه والتدليس وخلط الاوراق الذي حصل انما من أجل تعريب بقايا العثمانيين ومن لف لفهم كميشيل عفلق وساطع الحصري وغيرهما وعوائل ال ( جي ) من الرعايا الاجانب ؛ ومراجعة عابرة لما كتب في ذم الشعوبية والاستنقاص من العجم واتهام عرب العراق وسكانه الاصلاء بالعجمة ؛ يتبين لنا بان الكتاب الطائفيين والعنصريين الذين قد شنوا تلك الحملات والفوا الكتب والدراسات هم من مجهولي الاصل وعديمي النسب وبعضهم من ذراري لقطاء وغلمان المماليك ومن شذاذ الافاق من التبعية العثمانية ؛ فهم لا يمتون للنسب العربي والاعراق العراقية القديمة بصلة .

والشيخ عبد الرحمن سار على خُطا ابيه ومن شابه اباه فما ظلم ؛ فقد قرض ابوه كتابا بعنوان : (( المؤذن بالطرب في الفرق بين العجم والعرب ) لمؤلفه العثماني مصطفى الصديقي ؛ اذ كانت وما زالت مهمة هؤلاء الاوغاد الدجالين بيان الفروق بين العرب والايرانيين فقط واغفال الاختلافات بين العرب والاتراك والمغول والتتار و القوقاز والروس والانكليز والافارقة والهنود والافغان والغجر ... الخ ؛ والغاية الحقيقية من كل هذه الاجراءات والمؤامرات والترهات حصر الاغلبية العراقية وشيعة البلدان الاسلامية في زاوية ضيقة للاستفراد بهم والعمل على سحقهم ومصادرة حقوقهم , وتمزيق شملهم وجعلهم بلا عمق استراتيجي يدعمهم ويساندهم عند الحاجة والضرورة كما هو حال اغلب القوميات والشعوب والطوائف الدينية في العالم عندما يطلبون النجدة إلى ابناء جلدتهم وطائفتهم في حال التعرض لخطر التطهير العرقي و الابادة والقتل والتهميش والتهجير ؛ واني لأعجب لهؤلاء الاعاجم الذين يذمون العجم وهم منهم بل لعل العجمة اقرب لهم من ابناء الاحرار الفرس الذين صاغوا ارقى القصائد العربية على الرغم من عدم عروبتهم , ولعل المثل الشعبي القائل : (غراب يقول لغراب...وجهك اسود ) ينطبق على حالتهم الشاذة هذه .

وهذه الشرذمة الغريبة والتشكيلة المنكوسة والمكونة من شتى القبائل والاقوام الاجنبية الوافدة مع الاتراك الينا تحاول جاهدة التشبث بالعرق العربي من خلال خطوتين وهما : الاولى في تعيير العجم ونبزهم بمناسبة ومن دونها كما تعير العاهرة بدعارتها , ولعل العبارة البغدادية القديمة والتي نقلها لنا حسن العلوي في احد لقاءاته التلفزيونية – ان صدق في نقله - : ( عظم عجمي ب قبرك ) تعبر عن شيوع ثقافة الانكشارية والمماليك والاتراك والطائفيين والعنصريين تجاه الايرانيين وقتذاك ؛ والثانية التشدق بالعروبة والثرثرة في ادعاء الانتساب للعرب الى حد الهذيان اللافت للنظر , وكأنهم في سباق مع ظل عقدة الغربة ومجهولية الاصل وعدم الانتساب للعراق الذي يلازمهم ، لعلهم يسبقونه , وطالما ارشدتنا التجربة والاستقراء الى ان الذين يكثرون من الكلام عن الشرف والنزاهة هم بلا شرف ولا نزاهة , وكذلك أولئك الغرباء الذين صدعوا رؤوسنا بشعارات القومية العربية والعروبة على مدى عقود ، وهم من الاعاجم بل هم من أسوأ أنواع الخونة والعملاء الذين عملوا جاهدين على تفتيت الشعوب العربية والتآمر عليها واهانتها , اذ ان بينهم وبين العروبة بونا شاسعا .

وقد عاصر الشيخ عبد الرحمن - وهو في الثانية من عمره - حادثة حصار الملك الايراني نادر شاه لبغداد ومحاولة اسقاط الطغمة العثمانية الطائفية العنصرية الجائرة بمساعدة الكثير من القبائل العراقية المتضررة من اجراءات الاحتلال التركي التعسفية , وكالعادة وقف مع ابيه الى جانب اسياده الاتراك وقام ابوه بتأجيج الشعور الطائفي والعنصري , واليك وصف بعض الكتاب لحال الشيخ عبد الرحمن في اثناء تلك الاحداث : (( ... وتمسكه بروح المدينة التي يعيش فيها ، تعرضها صيف عام 1145 هـ / 1732 م ، وهو في الثانية عشرة من عمره ، الى خطر حصار نادر شاه لها ، وشاءت الصدف ان يشاهد المؤلف ، وهو في تلك السن المبكرة ، مجريات محاولة الفرس اقتحام السور الذي كان الكرخيون قد شادوه على عجل للدفاع عن جانبهم ، ورأى بأم عينه جموع اهل حية وهم يخرجون ، بأسلحتهم ، لملاقاة جيش نادر شاه ، ومنهم ابوه وبعض اقاربه واهليه ، الذين رووا له ـ فيما بعد ـ مجريات تلك الاحداث بدقة ... ))

انظر الى المبالغة في الوصف , فالكاتب يصور للقارئ ان الشيخ عبد الرحمن بن الشيخ عبد الله مؤسس عائلة السويدي له اقارب واهل وعشيرة وعدة وعدد ؛ وكل هذه الادعاءات تتعارض مع ما مر ذكره في هذه المقالة ؛ فهم عائلة بسيطة تعمل لخدمة السلطات العثمانية ولا تمت بصلة الى المجتمع العراقي انما زرعت فيه لغايات سياسية ودينية او جاءت مهاجرة لطلب النفع والارتزاق , فما هم الا غرباء قليلو العدد كانوا وقتذاك بعدد اصابع اليد , اذ مات الملا حسين وقد توفى بعض ابنائه في حياته وعاش ابنه الشيخ عبد الله ومرعي وموسى فقط ولم يكن للملا حسين اخ , وقد تكفل ابناءه بعد وفاته اخ زوجته وقيل احد اقربائها كما مر , وهذه الظاهرة ستتكرر كثيرا , فطالما نفخوا في الاموات واخترعوا الانساب والعائلات ونسبوا لهم الامجاد والبطولات ومن نماذج هذا ( الخرط ) التدليس التاريخي والتزييف الاعلامي ؛ تسليط الاضواء على عائلة المجيد - مجيِّد بالتصغير كما يلفظها العراقيون - المجهولة التافهة والتي يدعي المجرم صدام الانتساب اليها , وما هم الا بغاة رعاع لا ينتمون لا للعراق ولا للعرب , شرذمة جناة وبقايا غجر قدموا من سديم مجهول , لا ينتمون الى الشواهد التاريخية العراقية العريقة ولا للحقب الحضارية الجميلة , بل هم اشتات همجية عنجهية قريبة الهجرة الى العراق ؛ تلبسوا لباس العروبة وادعوا العراقية زورا وافتراءا , قذفتهم رياح صرصر أشعلوا في كل بيت عراقي نارا طائفية وعرقية و مناطقية ؛ بصوائح تلتها نوائح , فرقوا بين العراقيين انفسهم وبينهم وبين الشعوب الاخرى , وباتت الانسانية والاخوة الوطنية في عهدهم المنكوس نسيا منسيا ... يأكل بعضهم لحوم بعض .. ويسفك جهلتهم دماء ابناء العراق ورموزه .. جاؤوا مع الطوفان كالزلزال .. دمروا اعراسنا .. يبسوا اغراسنا .. قطعوا نخلينا .. يتموا اطفالنا .. رملوا نساءنا .. قتلوا شبابنا .. اهانوا شيوخنا .. واضرموا النيران في حقولنا و قطعوا زهور السنابل .. سرقوا من الحصاد كبرياء مناجلنا .. الرعاع الرعاع .. موت تفشى .. و زمن يباب بات يمشي في دروبنا فأدمى سويداء قلوبنا .. لطخوا بالفتن الطائفية العمياء نجيعنا .. هتكوا حرمة قبور رموزنا وعظماء تاريخنا .. قمعوا ترنيمة الاوتار بسوط الاجرام والرعونة .. قطعوا وريد الاغاني وأطفأوا شموع الفرح .. دمروا الحضارة و زوروا التاريخ .. وهدوا على رؤوسنا سقف الامان .. زينوا بالتعصب و التخندق والتقوقع والتحزب والتخلف واجهات مدارسنا وجامعاتنا ومعاهدنا ... هم من اسدلوا النسيان على جنائزنا وشهدائنا وقتلانا ؛ .. هم الذين رسموا على واجهات عصر الفضاء والذرة مخالب تخلف وغدر تنز بالقيح والدماء .. واخيرا سقطت اوراقهم الصفراء في خريفهم الدامي ولفهم العار والشنار وانهار بنيانهم المزيف وانمحت شعاراتهم الذيلية اللاوطنية .. بعد ما ذبحوا امالنا .. وغيبوا عنا طوال حكمهم الاسود حقنا الضائع ؛ كما سنوضح ذلك في الحلقات القادمة .

وكانت دار السويدي تشرف على مكان المعركة ، مما اتاح له فرصة مشاهدتها بنفسه ، وقال في وصف المعركة : (( كنت ذلك اليوم ابن اثنتي عشرة سنة وكنا مع اهل الجانب الغربي وكنت انام مع والدتي في الدار ولم اخرج مع ابي واقاربي ليلاً الى الاسوار فلم نشعر في نصف الليل الأخير في غرة رمضان الا بأصوات جسيمة وغوغاء عظيمة ينخلع لها قلب الجبان وترعد لها اكباد الشجعان ، وسمعت اصوات تفاك متوالية ، وابصرت ازدحام اقدام في الطرقات غادية عادية ، فأيقظت والدتي حينئذ وعيوني تدمع خوفاً مما قد ارى واسمع ، فقلت : يا اماه ما هذا الصخب الذي رج الآفاق ، وما هذا التجادل والشقاق ؟ فقالت : يا بني ، الظاهر والله اعلم ان العجم قاربت الحصون وعبروا على رجالنا من حيث لا يشعرون فأدع الله في هذا الوقت بتثبيت اقدام المسلمين ، وسل الله ، ان يحفهم بالنصر المبين ، فبعد هنيهة طرق الباب زوج خالتي واسرج فرسه وودعنا وسار الى الجهاد . . )) وعلى حد تعبيره لم يطرق بابهم سوى زوج خالتهم المصون , الظاهر ان عشيرتهم الكبيرة تتكون من ابيه وامه واخوته و زوج خالته ..!! .

ووصف ما شاهده بنفسه و صفا عاطفيا فيه شيء كثير من التأثر ، فقال : (( كنت على علية في دارنا مشرفة على محل الوقعة ، فأنظر الى الخيل تعثر في الرجال والى السيوف تحط رؤوس الابطال حتى صار العدو اضعافهم وكثر فنائهم فأبصرت خيل عسكرنا ولت على ادبارها ، وجدت في جريها لفرارها ... )) وكان لهذه الاحداث السياسية وتداعياتها الطائفية والعنصرية ، اثرها البالغ في تكوين شخصية الشيخ عبد الرحمن .

وسافر عبد الرحمن بصحبة والده الى النجف ، حيث قضى هناك اياماً سعيدة - ( في السرور والفرح ، وزاول الشرور والفرح ) كما يقول - ، الا ان سعادته تلك لم تستمر اذ سرعان ما تواردت الانباء ، عن قرب مجيء نادر شاه الى العراق مرة اخرى ، فأضطر عبد الله السويدي الى ترك ولده لدى بعض اسر السادة من اهل النجف ، بينما هاجر هو الى الموصل بصحبة متولي النجف ، وعاش عبد الرحمن اياماً عصبية في دار اولئك السادة الذين يصفهم بأن لهم : ( شيمة حسنة ، واخلاق مستحسنة ) فلا يخرج الا متنكراً بزي اهل البادية ، ويقضي معظم اوقاته متخفياً بعيداً عن الأنظار ، وبعد انسحاب نادر شاه ، وعقد معاهدة الصلح بين الطرفين ، عاد عبد الله السويدي الى النجف ، حيث اصطحب معه ولده ، ثم ذهب عبد الله السويدي إلى كربلاء ليتولى وظيفة فيها ، ولكنه لم يلبث أن انتقل بأسرته إلى بغداد ، ليستقر فيها بصفة نهائية , و قدم الى بغداد ، وفي قصيدة له يمدح فيها احمد باشا ، نلمح مدى قلقه وخوفه على اسرته في تلك الأيام العصيبة التي تركها هاربا ؛ كما هو حال ذراريهم الى يومنا الحاضر , ولا ادري امثال هذه القصائد التي تأتي عقب السلوكيات المشينة هل تعبر عن حالة تأنيب الضمير , ام لتبييض صفحاتهم السود , او تكشف حالة التناقض الكبير بين ما يفعلون وما يدعون ويتشدقون ؟! .

هاهم يعترفون بحسن اخلاق العراقيين الاصلاء وبشيمهم الحميدة ومكارمهم النبيلة وحمايتهم للضيف والدخيل , وتقديم العون لهم واكرامهم ؛ ومع كل تلك الخدمات وكل هذه الاريحية الحاتمية والطيب الفراتي و الجنوبي , شعر الشيخ عبد الرحمن بالضيق والضجر , والايام العصيبة وذلك بعدما هرب والده الشيخ عبد الله بمعية المتولي العثماني وترك ابنه امانة لدى السادة الاشراف من الاغلبية العراقية , وبما ان الابن يحمل صفات ابيه استطاع التكيف كالحرباء متنكرا بزي الاعراب تارة ومختبئا في بيت السادة تارة اخرى , متخفيا كالأشباح ؛ فرقا وخوفا وهلعا من انباء تقدم الجيوش الايرانية نحو العراق , ولأنه محسوب على الزمر العثمانية الاجنبية الموالية للأتراك والتي ارتبط مصيرها بمصير الاحتلال التركي خلافا لتطلعات الاغلبية العراقية آنذاك و التي تتمنى زوال الاحتلال التركي واندحاره ولو على يد الشيطان نفسه .

وعندما تقدمت قوات الملك الايراني نادر شاه نحو الجانب الغربي من بغداد في اثناء تلك الاحداث العسكرية ؛ نزح السكان بما فيهم الشيخ عبد الله السويدي وابناؤه للتحصن بأسوار الجانب الشرقي , ولم يكن للشيخ عبد الرحمن من ملجأ في موطنه الجديد سوى ان يقيم في جامع العاقولي ، احد جوامع بغداد الشرقية ، قريباً من الجسر ، وأن يتخذ من غرفة إمام الجامع مسكناً له ولأخيه محمد سعيد البالغ من العمر آنذاك خمسة عشر عاماً ، ويصف المؤلف معاناته من اقامته تلك وحنينه الشديد الى محلته الاولى وجيرته ، فيقول ( وبقينا في هذه المدة نعاني كرب الفراق ، ونقاسي شدائد المشاق ، ونتعهد الدور في النهار ، ونحن الى الايام الماضية حنين الثكلى بإجراء الدمع ، ونأن عمى الاوطان الخالية انين الحبلى وقت الوضع ، وقد انتبهت سحر بعض الليالي فأشتقت الى الكرخ وصلاة الفجر بين هاتيك الأطلال ، فجرى دمعي تؤماً وكاد ان يكون دماً ..)

 

ولا يكتم المؤلف انه خطر بباله ، في بعض ايام الحصار ، الهرب بتلاميذه الى حلب ، بعد ان ضعف امل اهل بغداد بالنجاة ، وباتت المدينة على وشك السقوط ، الا انه عاد فنحى عنه هذه الخواطر جانباً ، مفضلاً ان يقتل بأيدي الاعداء على الهرب كما يدعي الا ان القرائن التاريخية ومواقفه تشير الى انه كان مراوغا ماكرا كاذبا انتهازيا رعديدا , بل واجبن من نعامة .

وعند فك الحصارات المضروبة ، وجلاء جيوش نادر شاه ، بعد توقيع صلح سنة 1744 م ، كتب قصيدة الهمزية ، التي يصف فيها ثبات اهل الموصل وشجاعتهم في اثناء فترة الحصار ، وكان حصار مدينتهم اشد من حصار غيرها واقسى ، فجاءت قصيدته مليئة بالانفعالات والتهويل والمبالغات كالعادة .

وذهب بعض الكتاب الى : (( ان استقرارا ساد حياة الأسرة السويدية بعد انقضاء فترة حروب نادر شاه ، فتوطدت مكانتها ، وتوثقت صلتها بأحمد باشا ، خاصة بعد ان أدى عميدها عبد الله المهمة الذي كلفه بها احمد باشا بتمثيل الجانب العثماني في المؤتمر المعقود بالنجف للتوفيق بين المذاهب بإشراف نادر شاه سنة 1156 هـ / 1743 م ... , ويفهم مما اورده عبد الرحمن السويدي نفسه من اشارات أن الأسرة كانت تعيش ايام مجدها في السنين الاخيرة لحكم أحمد باشا ، ففي سنة 1744 م انتهز ضابط قصبة الحسين – كربلاء - فرصة سفر عبد الله السويدي لأداء فريضة الحج ، فقطع عنه وعن ولده عبد الرحمن المخصصات المالية السنوية التي كان احمد باشا قد رتبها لهما من ضرائب القصبة ، فسارع عبد الرحمن الى الشكوى للوالي المذكور طالباً إعادة تلك المخصصات على ما كانت عليه من قبل ، ويبدو أن الشكوى لقيت آذاناً صاغية في الحال ، وزادة حظوة عبد الله وأولاده لدى أحمد باشا عند عودته من الحج ، حتى أصبحوا ممن يتوسط بهم عنده ، من ذلك أن محمد سعيد ، اخا عبد الرحمن الاوسط مدح احمد باشا بقصيده مطولة ( عن لسان بعض الاصدقاء يستمنح الوزير بها حين اخنى عليه الدهر بكلكله . . ) ، والتمس بعظهم من عبد الرحمن طلباً مشابهاً ( يستمنح الوزير ويستعطفه حين أفتقر بعد غناه ) ، وهذا كله يدل على مكانة اسرة عبد الرحمن عند الوالي ، مما لم يكن يتوصل اليه ( اولاد الاكابر) على حد تعبيره ، و في سنة 1746 م أهدى احمد باشا لعبد الله السويدي فرساً ، فتعاون ولداه عبد الرحمن ومحمد سعيد على نظم قصيدة في شكره ومدحه - كما مر انفا - ..))

وكانت وفاة أحمد باشا سنة 1747 م تمثل لعبد الرحمن نهاية عهد سعيد مستقر عاش وأسرته فيه عيشة مرضية مريحة وأرتقى في أثنائه ، من طور الطفولة ، الى طور الاكتمال ، وجاء تاريخه لبغداد ، الذي أسماه ( حديقة الزوراء في سيرة الوزراء ) تسجيلاً حياً لمراحل هذا العهد ، الذي حكم خلاله حسن باشا وابنه أحمد باشا قرابة نصف قرن ، ضمنه الكثير من ذكرياته الشخصية ، وروايات ابيه ،واحاديث اُناس عرفهم في حياته .

وقد صرح احد الكتاب بما يلي : (( و معلوماتنا عن حياة عبد الرحمن بعد وفاة احمد باشا وفراغه من تأليف ( حديقة الزوراء ) قليلة للغاية ، حيث لا تقدم لنا المصادر المعاصرة ما يمكن أن يكمل سيرته ، والظاهر انه حافظ على شيء من مكانته في عهد الوالي التالي سليمان باشا ، المملوك السابق لأحمد باشا وزوج ابنته عادلة خانم ، ونجد في مجموعته الشعرية ، قصيدة يؤرخ فيها وصوله إلى بغداد والياً سنة ـ 1749 م ، واخرى يسجل فيه انتصاره على عثمان باشا وأخوه قوج باشا البابانيين سنة 1750 م ، كما نجد له قصائد اخرى في الاخوانيات تتردد فيها أسماء عدد من رجالات ذلك العهد ووجهائه ، منهم مصطفى جلبي هاشم زادة ، وعبد الرزاق جلبي الحاج هاشم زاده ، وعلي بك بن الامير محمد باشا ، وعثمان بن الدفتردار ، وآخرين لم تذكر أسمائهم ، واتسمت حياته في هذه الفترة بالهدوء والرقابة ، فقد اتهمه بعض أصحابه ذات مرة بالخمول ، مما حداه بالدفاع عن نفسه متذرعاً بانشغاله في توفير ( قوت العيال ) وتدبير أسباب الرزق ))

وقال وهو يصف حاله عندما اعتزل الناس : (( ومع هذا فلست غافلاً ، ولا بما يصدر بالبلد جاهلاً ، بل كان لي تحت كل شعرة عين ولسان في كل جارحة سيف وسنان )) فهؤلاء دينهم التجسس وديدنهم جمع المعلومات وكتابة التقارير ونشر الاشاعات والعمل بالوشايات .

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك