المقالات

ايام الزمن الاغبر / الحلقة الرابعة / ( ضيم الجنابر )


رياض سعد

( الجنبر او البسطه او البسطيه) : كلمات عامية يستخدمها الناس للدلالة على حجز مكان ما من قبل البائع ؛ كأن يكون رصيف شارع او ساحة عامة او منطقة ترابية او شارع او اطراف الاسواق او الاماكن المقابلة للمحلات ... الخ ؛ فكل من لا يستطيع تأجير محل يلجأ الى ( الجنبر او البسطه ...) ؛ واما شكل البسطة فهو الاخر يختلف اختلافا كبيرا ؛ فالبعض يفرش قطعة من الكارتون على الارض , والثاني يضع عربة او ( ميز) من الخشب او الحديد او الالمنيوم او من الزجاج حسب البضاعة المعروضة والمكان التجاري ... ؛ فهذه الكلمة لها مفهوم مشكك كما يقول المناطقة ... ؛ وهؤلاء الباعة معرضون لأشعة الشمس اللاهبة والحر الشديد والبرد والغبار والرياح فلا شيء يقيهم من المطر او سائر تقلبات الطقس ... ؛ وهذا خيار الفقراء ومتوسطي الدخل ... ؛ واغلب ( جنابر وبسطات ) الباعة في العراق غير نظامية واشكالها ليست جميلة , وموادها عتيقة او رديئة ؛ باختصار شديد هي لا تسر الناظرين ... ؛ و كانت اغلب ( الجنابر والبسطات ) في زمن النظام البائد : عبارة عن فرش بالية او اخشاب متهالكة تعرض عليها الخردة والمواد المستعملة والقديمة – التي تذكر العهد العصملي كما يقول البغداديون – والتي تصدر منها روائح كريهة وعفنة نتيجة لقدمها وسوء خزنها او تلف اجزاءها ... والجنبر قد يوفر القوت اليومي البسيط الكفاف ليس الا واحيانا قد يرجع البائع الى اهله واطفاله بخفي حنين مفلس وخالي الوفاض ... ؛ بالإضافة الى انها تترك بعد اغلاقها كمية كبيرة من النفايات المتناثرة هنا وهناك قرب ( الجنبر) ... ؛ بالإضافة الى انها معرضة للإزالة من قبل دوائر البلديات او امانة العاصمة ؛ ناهيك عن مضايقات الشرطة وابتزازهم ... ؛ وانا هنا اتكلم عن ايام الحصار والعهد البعثي والنظام الصدامي فقد انتشرت هذه الظاهرة في ذلك الوقت واستمرت الى هذا اليوم ؛ ولكن مع مراعاة الفروق الكبيرة بين ظروف الامس الاسود و الوضع الحالي .

منذ بدء تأسيس الدولة العراقية ارادوا للعراق التأخر والتخلف والبؤس والمعاناة وعدم الاستقرار ... الخ ؛ ولا زالت قوى الشر والاستكبار العالمية وقوى الخط المنكوس تعمل على ادامة البؤس في بلاد الرافدين ؛ فبسبب تردي الاوضاع الاقتصادية وندرة فرص العمل وعدم تنوعها وانحصارها في امور محددة سلفا من السلطات الغاشمة والعميلة والفاسدة ؛ لجأ العراقيون الى العمل في ( الجنابر والبسطات ) على الرغم من بؤس المنظر والحالة والتي لا تليق بقامة العراقي وامكانياته البشرية وثرواته الوطنية ... ؛ ولعل نشوء الاقتصاد الشوارعي او الشارعي – ان جاز التعبير – وتمدد نشاط ( الجنابر والبسطات ) ؛ والذي يمثل جزءا من الاقتصاد العراقي غير المنظم ... ؛ انما نشأ نتيجة لسياسات الحكومات الهجينة المتعاقبة الفاشلة والتي همشت واقصت وابعدت فئات اجتماعية كبيرة مما دفعها الى انتهاج هذا النشاط الاقتصادي والذي قد يعبر عن شكل من اشكال المقاومة الشعبية للحكومات الهجينة العميلة الغاشمة ؛ وذلك باعتبارهم مخالفين للقوانين التي شرعها رجالات الفئة الهجينة والتي كانت تمثل لراس الهرم الحكومي مجرد جرة قلم ليس الا .

وكان العراقيون ينتظرون بفارغ الصبر خطابات الفاشل العميل والمجرم الهمجي صدام ؛ علما انها خطابات سمجة وركيكة ومكررة وبائسة وفارغة من اي محتوى حقيقي و واقعي ؛ من قبيل : ( الحزب القائد ... , الرب كما افهمه ... , الويلاد... , عاشت فلسطين ... , الامة العربية المجيدة ... , وكما ينبغي ... , ويا محلى النصر بعون الله ... , وغدر الغادرون ... , وكنا انعفي من المدرسة ونتحفه اني وابن خالي عدنان... , وال يعارضنه انطلع الدم من عيونه... , واطره بيد اربع وصل ... ؛ وحسبما والقيم السامية ومسيرة الحزب ..., ولا تجعل عدوك يمشي خلفك ولا امامك ولا بجنبك واسبقه ... , الخ ؛ ومن هل الخرط ال كل معنى ما بيه ) فكانت خطاباته اشبه بالجفرات او الكلمات المتقاطعة لا تخرج منها بشيء ذي فائدة معرفية او سياسية او ثقافية ... ؛ او تؤثر تأثيرا ايجابيا على ظروف الناس الاجتماعية والصحية والاقتصادية ... الخ ؛ علهم يسمعون خبر رفع الحصار الدولي عنهم ؛ وعندما تخيب ظنونهم كالعادة ... ؛ فإنهم يواصلون بيع حاجاتهم المنزلية والشخصية في سبيل الاستمرار في هذه ( العيشه الكشره ) ومزاولة العمل في ( الجنابر المكسرة ) و ( البسطات الوسخة ) ويفترشون الارض تحت اشعة تموز اللاهبة ... .

فقد كان النظام نظاما فاشلا بمعنى الكلمة ؛ اذ كان لا يمتلك اي رؤية اقتصادية واضحة المعالم ؛ من خلالها يحدد الأولويات والانشطة والفعاليات الاقتصادية والصناعية والتجارية والزراعية ... الخ ؛ فتارة الحياة الاقتصادية تسير وفقا لمزاج ( ابو الهوايش ) المجرم احمد حسن البكر, او ربيب الشوارع المجرم دوحي ابن صبحة حرامية الدجاج , و المجرم عزت ابو الثلج و المجرم خيري حرامي بغداد , والراعي المجرم حسين كامل , والكسيح الشاذ المجرم عدي ... الخ ؛ بالإضافة الى تنفيذ الاوامر والتوجيهات الاجنبية الخارجية المنكوسة ... ؛ لذلك طالما تخبط النظام البعثي البائس بقراراته الاقتصادية ؛ فمرة يمنع هذا النشاط واخرى يسمح ... , واحيانا ينص على وظائف معينة وانشطة محددة ؛ ويرجع مرة اخرى ب إلغاؤها ...؛ وهكذا احتار العراقيون بزمانهم ؛ والاوضاع الاقتصادية بل والعامة : في هرج ومرج ... فلا هو نظام اشتراكي ولا هو رأسمالي ولا هو نظام ( كاوليه ) ... ؛ لذلك قال الخبير الاقتصادي ضياء الحاج رسول حول سبب بروز هذه الظاهرة : (( إن الحاجة وفقر الحال كانا بداية الدافع لاتخاذ الطبقة الفقيرة من الرصيف مكاناً لكسب العيش ، فمرور العراق بحروب متعاقبة وأزمات اقتصادية أدى إلى القضاء على الطبقة المتوسطة، التي انحدرت إلى الفقر، ما دعى حاجة هؤلاء إلى إيجاد عمل خاص لا يحتاج سوى إلى مبلغ بسيط للمباشرة فيه فكانت هذه الجنابر)) .

لذلك عدت ظاهرة الفقر من أكثر الظواهر انتشاراً في العراق ؛ فمنذ تسلم رجالات الفئة الهجينة والى حين سقوط الصنم صدام لم ير العراق خيرا ؛ تصوروا أعزائي القراء : ان البصرة صاحبة الثروات الوطنية الكبرى – ام الخبزة كما يسيمها العراقيون - كانت محرومة من الماء الصالح للشرب طوال عقود حكومات الفئة الهجينة – 83 عاما – ؛ هي بلا ماء ؛ وهذا الامر يعد من ابسط حقوق الانسان ومقومات الحياة ؛ وعلى هذا فقس ..!! .

وسأنقل لكم بعض القصص والحكايات والذكريات التي عاشها وعانى منها اصحاب ( الجنابر والبسطات ) ايام الزمن الاغبر , وفي ظل حكومة قرية العوجة الهمجي

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك