المقالات

"التقوى" وفنُّ التمرُّد..


كوثر العزاوي ||

 

إنّ الحديث عن التقوى واسع المعاني متعدد الأبعاد، وبيان مراتب التقوى وكيفية الحصول عليها يتطلب بحثًا مستفيضًا لسنا بصدده،   وقد حفلت كتب المعارف والحديث والتفسير بذلك، فلتطلَب في مظانها،

ولكن في العُرف غالبًا ما تُعرَّف أنها :

{وقاية النفس من عصيان أوامر الله ونواهيه وما يمنع رضاه} إضافة الى تعريفها بأنّها {حفظ النفس حفظًا تامًا عن الوقوع في المحظورات بترك الشبهات}

فقد ورد في المأثور: {وَمَنْ أَخَذَ بِالشُّبهاتِ وَقَعَ فِي المُحَرَّماتِ وَهَلَكَ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُ}

فالتقوى إجمالًا: هي الحصيلة العامة للسلوك العبادي السليم، وفيه وردت النصوص القرآنية والحديثية حافلة بمطالبَتِنا بتغليب السلوك والعمل،  فمثلا نجد أنّ سورة البقرة ترِدُ فيها كلمة التقوى او المتقين عشرات المرات، فضلًا عما ورد في احاديث اهل البيت "عليهم السلام" ولعلّ أشهر ماجاء عن أمير المؤمنين المقولة المشهورة، حينما كان مصطحِبًا بعض اصحابة في المقابر، وقد اخبرهم، انّ الموتى لو كنتم تسمعونهم لقالوا لكم {ان خير الزاد التقوى} وهذا القول يلخِّص لنا كل شيء، أي انّ "التقوى" هي افضل ما يمكن تصوره من السلوك العبادي والذي ينبغي أن يتصدر كلّ عمل وكل حركة وموقف لابدّ فيه من التقوى وعلى جميع الصعد!.

ومن هنا نفهم سرّ مطلع غالبية أحاديث وخطب الأئمة المعصومين "عليهم السلام" ووصاياهم فأنهم يبدؤون ب{ أوصيكم بتقوى الله} ثم  يواصلوا، لتكون التقوى باكورة السلوك الإنساني على نحو الحظوة والأمان، إذ نرى بعض ماجاء في زيارة الجامعة الكبيرة لوصفِ آل محمد "عليهم السلام": { وصيّتكم التقوى وفعلكمُ الخير..}

كما ورد عن مولى الموحدين أمير المؤمنين"عليه السلام" في نهج البلاغة الخطبة ١٩٨:

{فَإِنّ‏َ تَقْوَى اللهِ دَوَاءُ دَاءِ قُلُوبِكُمْ، وَشِفَاءُ مَرَضِ أَجْسَادِكُمْ، وَصَلاَحُ فَسَادِ صُدُورِكُمْ، وَطَهُورُ دَنَسِ أَنْفُسِكُم} لقد أجملَ مولانا"عليه السلام"! ولكن:

يبقى مايثير الاستغراب، غياب   التّقْوَى في كثير من محطات الواقع العملي! لإنها -التقوى- تكلف المرء كثيرًا عندما يتحرك بها ضدّ تيار المجتمع الذي نعيش فيه، ضد الواقع الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والخَدمي وعلى مستوى العلاقات الخاصة وتعاملات شتى، ليأتي الموقف التقوائي  متحرّزًا، فيصطدم بالمصالح  والرغبات مما يعني الحرمان بعينهِ من وافر الملذات، وتفويت الكثير من الحاجات النفسية والاجتماعية المادية منها والمعنوية عندما تتحرك نزعة الصراع التي لاتنتهي بين العقل والهوى، ولابد من جنوح أحدهما، فتخيّل مقدار المعاناة!!

وليتَ صاحب التقوى يُخلِص لها عندئذ، فيَصبر على الطاعة كي ينتصر، فالصبر على طاعة الله والثبات على الحق في ساعة الحيرة والعسرة لَمِن أعظم أنواع الصبر الجميل، وذلك هو عهد المتقين مع ربهم، وعهد الله لهم بالجزاء الأوفى وسيجزي الله المتقين والصابرين، ومالدنيا الا ساعة، فاجعلها طاعة،إنه "فنّ التمرّد على المغريات" لايُتقنه إلّا الاتقياء، وعلامته: ثباتًا لازعزعة معه وعزمٌ لا لَعثَمةَ إياه، فلا يبرح نهجه، ولا يتخلَّى عن مبادئه، ويصبر على الأهوال في سبيل الله وحبًا له، لا في سبيل نفسه وحبًا لذاته، ولا يزيغ حتى يطويَهُ الموتُ ليَقينهِ الراسخ أنّ الإسلام لا يَقبَل أن تنقسِمَ الذات، وتنفصم النفس، بمخالَفةِ القولُ الفعل، والاعتقاد الموقف!.

{يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَىٰ ذَٰلِكَ خَيْرٌ ذَٰلِكَ مِنْ آيَاتِ اللهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ } الأعراف٢٦

 

٢٠- رمضان١٤٤٤هج

١١-نيسان٢٠٢٣م

 

ـــــــ

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك