المقالات

ماذا يعني المجتمع الخانع..وما علاقة ذلك بوضعنا اليوم؟!


سعد صاحب الوائلي ||

 

·        " خنوعُ الفریسة، يُعينُ المُفترسَ على افتراسِها"

 

 بعض الحيوانات، كالأرانب، عندما تواجه حيوانًا مفترسًا يروم إصطيادها، يصيبها الخنوعُ التام، والاستسلامُ المطلق للوحش المفترس حتى قبل أن يتمكن منها، فتجدها تثبت في مكانها، ويُعجِزُهَا الجُبنُ عن الحركة تماماً، فتفقد حتى الفكرة بالهروب، وهذا أمرٌ يُعينُ الوحشَ المفترس على إصطياد تلك الفريسة.

فالفريسة تقنعُ نفسها بأنَّ الهروب لن يجدي، وتسلم مقاليدها بالكامل للوحش، مصرةً على ترسيخ فكرة انها وصلت المرحلة النهائية من كونها فريسة، وأن الوحش سيلتهمها لامناص، وتبدأ تفقد أيةَّ فكرة بالهروب او حتى المبادرة بالهروب أو بالمقاومة او المراوغة للتخلص من المفترس الذي في الحقيقة ما زال بعيداً نسبياً عن مكان الفريسة.  فتتلبد الأفكارُ الخانعة في ذهن الفريسة وتستحوذ على كل تفكيرها، ويتغول الاستسلام والانصياع لفكرة الرضوخ لحقيقة انها باتت (فريسة) حتى قبل ان تغدو (فريسة) في حقيقة الامر، وحتى قبل أن تتمكن مخالب الوحش المفترس منها ، وحتى إن كان المفترس على مبعدةٍ كبيرةٍ منها، وعلى بُعدِ مسافةٍ كبيرةٍ تمكنها من الهربِ او تتيحُ لها التملص من المفترس.

فتجدُ مثل هذا الحيوان مسلوبَ الإرادة، وعديمَ القوة، فيَتَسَمّرُ بالأرض، وهذا ما يُسمى بـ(هزيمة الذات)، او (فقدان الذات)، وفقدان (روح المقاومة)، و(انعدام الثقة بالنفس)، و(انعدام الإيمان بالنفس).

ذات هذا المثال، تمر به المجتمعات او الأمم احياناً، فتجد ان مجتمعاً ما، او أمةً ما، تفقد (قدرتها على المقاومة)، وتبدأ بالرضوخ التام للقوى القوية المهاجمة، فتنهزم ذاتياً ، وتفقد ثقتها بنفسها وبأبنائها، وتتسمر في مكانها بانتظار مخالب القوى المفترسة، فتجدها راضخة فاقدة الايمان بقوتها وبنفسها، منهزمة ذاتياً، مهزومة فكرياً، فتعينُ بذلك القوى المهاجمة على التمكن منها، فتستسلم وترضخ وتنبطح حتى قبل ان تتمكن القوى المهاجمة منها، فتعينها على نفسها.

في صراع الأمم، بعض الأمم الواثقة بقدراتها وبقوتها، تتمكن من هزيمة أمة أخرى بسبب ما يتوفر لديها من عوامل قوة وذكاء، وفي أحيان كثيرة، تعتمد على (الانهزام الداخلي) لدى الامة المستهدفة او المجتمع المستهدف كسلاح في المعركة، فالمجتمع الخانع بـ(هزيمته الذاتية) يُعين الأمة المهاجمة على نفسه.

 فالدول الاستكبارية ( أميركا، الغرب ، إسرائيل) على سبيل المثال، تحاول ان تجعل الأمم والمجتمعات المستهدفة تفقد (قوتها الذاتية)، وتجعلها تعيش (روح الانهزام)، وتستشعر إبتداءاً بالخيبة والذل والهزيمة الداخلية، وبهذا تكتسب القوى الاستكبارية قوة مضاعفة لفرض اجنداتها وإراداتها على الأمم المستهدفة التي فقدت ثقتها بنفسها إبتداءاً.

 والأمم او المجتمعات إذا ما استشعرت (الهزيمة الداخلية)، وعاشت (روحية الانهزام)، وتَلَبَّبَتْ فيها مخالبُ (الإنقياد) التام للمهاجم، فهي بذلك تفقد كرامتها وإيمانها ، وتــُفَرِّطُ بتأريخها وثوابتها. وبهذا تغدو لقمةً سائغة للقوى الاستكبارية وارضاً خصبة تتيحُ لإستنبات ونمو وتعاظم كُلّ التقاليد والممارسات المشبَّعةِ بالرذيلة وكل الأعرافِ الهجينة ، وجميع السلوكيات الشاذة التي تفرضها القوى الكبرى في اوساطها. وبهذا تغدو الأجيال والنشء في الأمم والمجتمعات المستهدفة نهباً للافكار الاستكبارية وللأمراض المجتمعية المراد تغلغلها في تلك الأمم المنهزمة والخانعة : كـالأمراض المجتمعية : المثلية، وإدمان المخدرات، وإدمان الخمور، وتغول العنف، وشيوع التفاهة، والتفكك الاسري، والعزوف عن الزواج، وشيوع الطلاق، وشيوع الانحراف، والعري، والإباحية، والتهالك على النزعة الاستهلاكية، والإنقياد للأفكار الهجينة، وتبني الرموز والنجوم والإيقونات والنماذج الغربية الشاذة والمنحرفة، وغير ذلك من الامراض المجتمعة، فيكفر حينذاك أبناء هذا المجتمع او تلك الامة المستهدفة بثقافتهم الاصلية وبمتبنياتهم الدينية والمذهبية، فتجدهم يستنكفون من تأريخهم وثقافتهم وعاداتهم وتقاليدهم، ويحاولون في كل حينٍ أن يلبسوا لَبوسَ المجتمع الغربي، متبعين خطوات عيشهم وانماط حياتهم، فيتبنون متبنياتهم لاسيما الغث منها، فيصبحون ألعوبة بيد القوى الاستكبارية توجههم حيثما تريد، وتفرض عليهم اجنداتها الفكرية، وتقنعهم بتبني متبنياتها، لينصاعوا بنهاية المطاف بالكامل للإرادات الغربية والاستكبارية المشبوهة برمتها، حتى يصبحوا من جُندهم ومن عملائهم دون ان يدركوا ذلك، في حقيقة الأمر.

وبنهاية المطاف، ينسلخ جيل المجتمع المستهدف، او شبيبة تلك الامة المستهدفة ينسلخون عن دينهم وثقافتهم وتقاليدهم وحتى جنسياتهم في أحيان، فيسخرون من تأريخهم ومن كتبهم ومن قادتهم ومن مذاهبهم واديانهم، ليسلموا مقاليدهم بالمطلق لإرادة المستكبر. ولعمري هذه هي إحدى وأهم وأعظم خدع الاستكبار، وأولى آلياته وأشد  أسلحته فتكاً في حربه الناعمة التي يشنها على مجتمعاتنا وأممنا. فيجعلون الجيل يستشعر البؤس والرفض لوجوده في بلده، حتى يكون شعوره بالبؤس في حقيقة الامر  اشد إيلاماً من ويلات البؤس نفسه، ويبيتُ الجيلَ يشعرُ على الدوام انه (يعيش جهنم) وهو في أرضه ووطنه، وأن بلدان الاستكبار هي (جنة الخالق) في ارضه، بخلاف الواقع.

 

 

ــــــــــــــــ

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك