المقالات

حكومة جديدة ام حقبة جديدة ؟


ابراهيم العبادي ||

 

تتعدد مستويات الجدل والنقاش بين العراقيين وغير العراقيين بخصوص هوية الحكومة الجديدة ، مقارنة بالحكومة السابقة ،جدل الهوية هذا ليس ترفا كما قد يفترضه بعضهم ! بل هو في صلب الصراع الدائر في العراق بين التيارات المختلفة ،  ودورها في الحكم وادارة السلطات وتصميم السياسات  ،وهو صراع لايوفر مساحة

من مساحات الوعي ولا اداة من ادوات التعبئة الا وشملته  ، يمكن بسهولة رصد وتصنيف طبيعة التوجهات وقراءة مفردات الخطاب عبر صفحات وسائل التواصل ومنصات ومواقع النشر وفي ثنايا الابحاث والاوراق السياسية التي تنشرها مراكز الابحاث والدراسات التي تعبر بجلاء عن فهم مايجري في العراق  .

لا تصنف الحكومات في العراق  عادة  من  منهاجها وبرامجها كونها تحكي عن توجهات فكرية تؤثر في السياسات  ،بل بالهوية السياسية لرئيس الحكومة والقوى الداعمة له ، او المتحالفة والمشاركة في حكومته ،ولايتحدد تصنيف الحكومة من الانتماءات الحزبية  للوزراء الكرد والسنة   رغم ان مجموع مقاعدهم  يقترب من  نصف التشكيلة الحكومية ، اذ ان  الغالب عليهم دائما هو التوجه القومي او الليبرالي باستثناء المحسوبين على التيارات الاسلامية  وهي مشاركات محدودة للغاية ،التصنيف يتوجه تلقاء رئيس الحكومة وممثلي القوى الاسلامية الشيعية في الوزارة ،فباستثناء اياد علاوي ومصطفى الكاظمي اللذين ادارا حكومتين  زاد عمرهما  عن  الثلاث سنوات ونصف السنة ، تًوالى اربعة رؤساء وزارة على الحكم ،  جميعهم ينتمون الى قوى الاسلام السياسي الشيعي ،ولان الفترة التي تلت عام 2003 شهدت صعود تلك القوى الى السلطة عبر صناديق الاقتراع ضمنت لها شرعية  دستورية ، افتقدت الى الانجاز الكبير  ،لذلك وصمت اوساط عديدة حكم الاسلاميين ، بانه فاشل نسبيا ان لم يكن فاشلا بشكل عام ،لانه  بلا منجز كبير  ،ولانه لم يحقق طموحات وتوقعات الجمهور بعد التغيير رغم الانفاق المالي الهائل  ،بل ان جماعات سياسية ليبرالية ويسارية وقومية تتهم   قوى الاسلام السياسي بانها مسؤولة عن انتشار الفساد وتغوله ، وتتهمها بتوظيف الخطاب الديني لمأرب سياسية حتى اتخمت الفضاء الاجتماعي بالطقوسية   والممارسات الشكلانية  دونما تدين وجداني يكون مانعا من التعدي على القوانين والانظمة والمال العام والفساد بانواعه وهدر الوقت وادكاء المشاحنات والجرائم وضعف الانتاجية  .وقد لخص شعار (بأسم الدين باگونا الحرامية ) ذروة الخطاب المناويء لقوى الاسلام السياسي ،بل ان كثيرين حملوا هذه القوى مسؤولية تصاعد الضد النوعي المتطرف من قوى الارهاب ذات التوجه السلفي ،  التي احرقت البلاد بتفجيراتها واغتيالاتها وتدميرها للمجتمعات المحلية واقتصادياتها وسلامها الاجتماعي .

بعيد حركة الاحتجاجات التشرينية ،ومجيء حكومة الكاظمي بطاقم من المستشارين ذوي توجهات علمانية واضحة ،صنفت حكومته على انها حكومة علمانية وقد اوحت هي نفسها  بذلك وتعمدت هذا الايحاء لكسب الجمهور المناويء المحتج على اداء (الاسلاميين) وللحصول على الدعم الخارجي الرافض هو الاخر لحكومات الاسلام السياسي ،كانت مهمة الحكومة الاولى اجراء الانتخابات المبكرة وادارة الاقتصاد المتداعي بفعل فيروس كورونا وتداعياته ،  من ركود عالمي وانقطاع سلاسل التوريد وتضخم كبير مع انهيار في اسعار البترول ،الذي  حرم العراق من ريعه الوحيد الذي يملأ افواه الناس  ويسكتهم عن التفكير الجدي بمشروع اصلاح حتمي للاقتصاد المريض ،كان الفساد هو المانع والعائق الكبير الذي يحول دون الانجاز التنموي والخدماتي ،وكان هذا التحدي ياخذ بتلابيب اي سلطة ،ايا كانت توجهاتها وفكرها السياسي،  غير ان هذا الفساد صار لصيقا بحكومات (الاسلام السياسي) ينسب اليها جذرا واستدامة وتصاعدا ،وصار مجيء حكومة غير ذات توجه اسلاموي،  يعني انها ستحد من هذا الفساد وتحجمه على الاقل لانه وليد ثقافة وتوجه فكري وسياسي يجعل الايديولوجيا فوق الدولة والامة والمصلحة الوطنية  ،هكذا كانت السردية الشائعة ،بل كانت هناك امال حقيقية معلقة على الحكومة لتاتي بانجاز لم تات به سابقاتها سيما في مجال مكافحة الفساد  ،غير ان الحكايات والقصص المتداولة في السنة الاخيرة من عمر حكومة (تصريف الاعمال)  بددت الصورة نهائيا ،وجاءت رسالة استقالة وزير المالية المخضرم لتكشف ان الفساد في العراق محمي ومشرعن فعلا من قادة ورموز وزعماء قوى سياسية مختلفة التوجهات والايديولوجيات  ،وان مافيات الفساد وجماعات الضغط والمصالح ووسائلها السياسية والاعلامية كانت من القوة والرسوخ ماجعل صاحب مشروع الورقة البيضاء واصلاح الاقتصاد يقر بصعوبة مهمته ،  ان لم يكن فشلها ،وماكادت حكومة تصريف الاعمال تنهي اعمالها الا والشارع العراقي يتداول قصصا عن اموال ضائعة وسرقات سماها الشارع  (سرقة القرن )المليارية بتندر وسخرية واسى كبير ،فالحكومة التي بدات اعمالها بلجنة شهيرة لمكافحة الفساد غادرت وملفات الفساد تثقل كاهلها وكاهل  الحكومة الجديدة التي ينتظر منها الجمهور صراحة وصدقا وشفافية قد تضطرها الى خيارين لاثالث لهما ،اما ترك ملفات الماضي ونفض اليد عنها وهذا مايعد  تنصلا من المسؤولية ،لكنها مهمة خطيرة قد تعرقل عمل الحكومة ان لم تطح بها   ،او التعاطي مع الملف بلامجاملات او خطوط حمر وتسمية الامور باسمائها  وهذه مهمة شاقة وعسيرة هي الاخرى لانها ستدخل الحكومة في صراع  مع بعض اطرافها التي طالما ورد اسمها في الاتهامات  ، لاشك ان هذه المهمة ستكون كاشفة عن قدرة هذه الحكومة على التعامل مع التحديات من منظورات متعددة لعل اهمها الكشف عن ارتباط الفساد بالقوى المعتاشة عليه ،وهي تهمة وجريمة التصقت بقوى الاسلام السياسي باجيالها الجديدة وطريقتهم في ادارة الدولة والمال والسلطة ،فيما كشفت تجربة القوى العلمانية في السلطة انها هي الاخرى  لم تثبت نظافة يد كما روجت عن نفسها  وانها متورطة بشكل واخر بملفات  فساد كبيرة ،   اما بفشلها في الكشف عنها او بتورط اشخاص معروفين فيها ،ثمة من يتحدث عن مفارقات اخلاقية بين التيارات المؤدلجة في العراق ،ومقارنات عن فترات حكمها وموقفها من المال والسلطة ،الحصيلة العراقية لاتبشر بتفاوت واختلاف كبير ،بل ان الفساد احرق  الايديولوجيات  والاحزاب وفضح البناء الهش والانهيار الاخلاقي قبل التنظيمي والسياسي ،العراق دخل في عهد حكومة جديدة ،بهوية معروفة من القوى التي شكلتها ،الامال معقودة في ان تنعطف بالبلاد  نحو حقبة مختلفة عن سابقاتها ، فهل تستطيع النهوض بمهمتها ؟ .

 

ـــــــــــــ

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك